لم توجه الناس الى ممثليهم في مجلس النواب وتنامى وعيهم بمفهوم التظاهر للتغيير والإصلاح الانتخابات فقدت قيمتها بسبب تراكم عوامل سلبية منها طريقة الانتخاب بالقائمة التي تحولت الى اقطاعيات حزبية
مصدق عادل : نزاهة الانتخابات تتمثل بمبدأ المساواة في الترشيح والانتخاب وضمان رقابة قضائية حقيقية
مراعاة مبدا سيادة الشعب باعتناق نظام الانتخاب الفردي والدوائر الصغيرة المساوية لعدد اعضاء مجلس النواب
الشرق اليوم- أوصت ندوة حوارية نظمها منتدى العراق الجديد امس الى تعديل قانون انتخابات مجلس النواب لعام ٢٠١٩ باعتناق الدوائر الصغيرة، والتصويت على مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا إضافة الى تعديل قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لسنة ٢٠١٩، واهمية العمل على تثقيف الناخب على المشاركة الواسعة في الانتخابات وإقناعه بان الشعب مصدر السلطات وشرعيتها وإيجاد افضل السبل لمراقبة الأنظمة الانتخابية التي سيصدرها مجلس المفوضين.
صناديق الاقتراع.. درب التغيير
وفي معرض اجابته على محاور الندوة، اكد المفكر العراقي محمد عبد الجبار الشبوط ان الانتخابات هي الطريق الديمقراطي للإصلاح والتغيير، مشيرا الى ان الانظمة الديمقراطية العريقة، تكون الانتخابات هي الطريق السلمي الوحيد لتغيير الطبقة الحاكمة، على المستوى التشريعي وعلى المستوى التنفيذي. ففي هذه الانظمة ذات التقاليد السياسية والمؤسساتية الراسخة، لا يحتاج التغيير السياسي الى الانقلاب العسكري، ولا الى الثورة الشعبية، ولا الى الغزو الخارجي. فيكفي ان يتوجه الناخبون الى صناديق الاقتراع دوريا لتغيير نوابهم وحكومتهم بطريقة سلمية. ولهذا قيل ان الديمقراطية هي النظام السياسي الوحيد الذي لا يتطلب تغيير الحكومة فيه اراقةَ الدماء، على خلاف الانقلاب العسكري، والثورة الشعبية، والغزو الخارجي.
لكن متى يضطر الشعب الى اللجوء الى احدى هذه الخيارات الدموية؟
الجواب عند الشبوط ، عندما تتعذر الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة والعادلة مشيرا الى ان ذلك قد حدث هذا في العراق في الفترة من عام ١٩٥٨ الى عام ٢٠٠٣ حيث شهد العديد من الانقلابات العسكرية والثورات الشعبية واخيرا الغزو الخارجي الذي اطاح بنظام صدام حسين.
بعد عام ٢٠٠٣ يفترض انه تمت اقامة نظام ديمقراطي يمكن فيه تغيير الحكومات بطريقة سلمية عن طريق الانتخابات.
عوامل سلبية
ويستدرك الشبوط قائلا : لكن الانتخابات فقدت قيمتها بسبب تراكم عدة عوامل سلبية مضادة منها طريقة الانتخاب بالقائمة التي تحولت الى اقطاعيات سياسية؛ غياب الاحزاب الوطنية العابرة الكبيرة؛ التزوير والتلاعب بالانتخابات؛ قانون الاحزاب؛ قانون الانتخابات؛ تسيس مفوضية الانتخابات؛ تدني الوعي السياسي والانتخابي عند الناخبين؛ تزعزع الثقة الشعبية بالنظام السياسي؛ التدخلات الخارجية وبالتالي فقدت الانتخابات صفتها كآلية ديمقراطية سلمية للإصلاح والتغيير.
موضحا ، من هنا تنامى في وعي شرائح معينة من الناس مفهوم التظاهر كآلية دستورية اخرى للتغيير والاصلاح، بدل من أن يتوجه الناس الى ممثليهم في مجلس النواب. وهكذا انطلقت تظاهرات الاول من شهر تشرين الاول من العام الفائت التي عبرت عن يأس المتظاهرين من تحقيق الاصلاح عن طريق الطبقة السياسية الحاكمة. (رغم انها لم تخلُ من تدخلات خارجية).
المادة 64 من الدستور
ويشدد الشبوط على ان دعوته المتكررة الى تطبيق المادة ٦٤ من الدستور الدائم والتي تنص على ما يلي: “اولاً :ـ يُحل مجلس النواب، بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث اعضائه، او طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء.
ثانياً :ـ يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، الى انتخاباتٍ عامة في البلاد خلال مدةٍ اقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الامور اليومية.”
ويوضح ذلك بقوله : كان هذا يعني حتما الذهاب الى الانتخابات المبكرة باعتبار ان الموعد الرسمي المتوقع لها هو في شهر مايس من عام ٢٠٢٢ـ، والانتخابات المبكرة تعني حل مجلس النواب بقرار من الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناء على “طلبٍ من ثلث اعضائه، او طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”.
لكن لا المتظاهرين ضغطوا بما يكفي، ولا الطبقة السياسية استجابت للمادة ٦٤، وذهب الجميع الى فكرة استبدال الحكومة عن طريق استقالة حكومة عادل عبد المهدي وتشكيل حكومة جديدة، الامر الذي منح الطبقة السياسية عمرا جديدا، وامتص زخم التظاهرات الاحتجاجية، واخيرا فوت الوقت على اجراء الانتخابات المبكرة.
وعود الكاظمي
ويؤشر الشبوط ان حكومة مصطفى الكاظمي قد اعطت وعدا بإجراء الانتخابات المبكرة دون ان تحدد موعدا لها، وهناك تخوف سياسي، وربما واقعي ايضا، من الانتخابات المبكرة لن تحصل، وان علينا الانتظار الى الموعد العادي لاجراء الانتخابات في عام ٢٠٢٢. واذا كان الامر كذلك، فان على اصحاب الدعوة الى التغيير والاصلاح التحرك لتحقيق ما يلي:
اولا، الاسراع بتشريع قانون الانتخاب الفردي، على ان تكون الدائرة الانتخابية على اساس ١٠٠ الف نسمة، وليس على اساس القضاء.
ثانيا، تشريع قانون انتخابات يتضمن شروطا لانتاج احزاب عابرة قليلة العدد وليس احزابا فئوية كثيرة.
ثالثا، تشكيل مفوضية انتخابات مهنية ومستقلة غير مسيسة، خارج نظام المحاصصة.
رابعا، الاستعداد بشكل جيد لخوض الانتخابات بما يضمن تشكيل كتلة نيابية تتمتع بالاغلبية المطلقة.
مطالب المتظاهرين
بدوره ، أجاب الأستاذ الدكتور مصدق عادل ، أستاذ القانون الدستوري في كلية القانون / جامعة بغداد ، وعضو اللجنة المكلفة باعداد تعديلات الدستور العراقي ، على المحاور القانونية في هذه الندوة ، مشيرا الى الاستجابة لمطالب المتظاهرين فان قانون انتخابات مجلس النواب لسنة ٢٠١٩ قد تم فيه مراعاة مطالب المتظاهرين في الانتخاب الفردي، غير انه تم التحايل على هذه المطالب في الشق الثاني منها وذلك باعتناق الدوائر المتعددة التي لم يتم تحديدها، وانما تم ترحيلها الى الجداول الفنية التي ستلحق بالقانون، ويحتاج الامر الى قيام مجلس النواب بتعديل قانون انتخابات مجلس النواب وذلك لاعتناق الدوائر الفردية بعدد اعضاء مجلس النواب الذي تم تحديده ب٢٥١ نائب كي يصار الى القول بتحقيق مطالب المتظاهرين في التحول الشامل الى نظام الانتخاب الفردي والدوائر الانتخابية الفردية المساوية لعدد اعضاء مجلس النواب.
وردا على سؤال اذا كانت هناك حلول دستورية للتعامل مع مخرجات الانتخابات البرلمانية في تعديل التمثيل النيابي ( 100 الف نسمة لكل نائب) ، قال ان الدستور العراقي قد تطرق في المبادئ العامة في الانتخابات منها ان كل نائب يمثل ١٠٠ الف نسمة، وكذلك مراعاة الكوتا النسائية بنسبة 25% من العدد الاجمالي لعدد اعضاء مجلس النواب البالغ ٢٥١ نائب، وكذلك مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج النهائية للانتخابات؛ مع ضمان استقلالية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهو الامر الذي تم التحايل عليه باشراك القضاة في مجلس المفوضين خلافا لمبدا الفصل بين السلطات.
تعطيل المحكمة الاتحادية
وعد الدكتور مصدق عادل تعطيل المحكمة الاتحادية العليا سيجعل من اجراء الانتخابات المبكرة أمراً مستحيلا، لان الدستور يشترط مصادقة المحكمة الاتحادية العليا ، ومن ثم فان عدم وجود محكمة اتحادية يعني عدم نزاهة العملية الانتخابية، وهذا يحتاج الى وجود تشريعات تلبي طموح المتظاهرين فيتوجب تعديل الدستور والنص صراحة في المادة ٤٩ على اعتناق الترشيح الفردي والدوائر المساوية لعدد اعضاء المجلس مع ضرورة تعديل قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وإلغاء مبدا القرعة في اختيار القضاة لانها تتعارض مع استقلال المفوضية واستقلال القضاء حسب وجهة نظره المختصة بالقانون الدستوري .
نزاهة الانتخابات
وردا على سؤال عن موقف القانون الدستوري من معايير نزاهة الانتخابات، قال “يتمثل ذلك بمراعاة مبدا المساواة في الترشيح والانتخاب وكذلك ضمان رقابة قضائية حقيقية وليس رقابة شكلية كما يحصل مع مصادقة المحكمة الاتحادية فضلا عن مراعاة مبدا سيادة الشعب باعتناق نظام الانتخاب الفردي والدوائر الصغيرة المساوية لعدد اعضاء مجلس النواب”
وفي سؤال لاحق عن أجهزة العد والفرز، أشار الخبير بالقانون الدستوري، انه لم يحدد لغاية الان الاجهزة التي سيتم التعاقد معها من قبل مجلس المفوضين لكن يشير الواقع إلى استيراد اجهزة التسريع من قبل نفس الدولة التي تم استيراد الأجهزة السابقة منها وهي كوريا.
من جانب اخر، دعا الدكتور مصدق عادل الى أهمية تغيير أعضاء مجلس المفوضين من القضاة ، وفي حالة عدم التغيير يتوجب تقليص مدة عمل القضاة لتصبح ٣ اشهر قبل الانتخابات وبعدها من جل ضمان النزاهة وليس ٤ سنوات عمل
وفي سؤال عن النظام الفردي في الانتخابات، أشار الدكتور مصدق عادل الى ان النظام الفردي فيه هدر في الأصوات بصورة كبيرة لانه يأخذ بأعلى الفائزين وباقي الأصوات تهدر، فضلا عن عدم وجود وعي انتخابي يضمن عدم التأثير على الناخب مما سيجعل الاعتبارات العشائرية والعلاقات الشخصية هي معيار التصويت القادم في الانتخاب الفردي .
وكانت الندوة قد تضمنت المحاور التالية:
أولا: الانتخابات البرلمانية المقبلة.. معايير النزاهة المفترضة والتطبيقات المطلوبة في ضمان استجابة مجتمعية كبيرة للمشاركة في التغيير نحو حلول عراقية عبر صناديق الاقتراع.. كيف يتحقق ذلك ومن المسؤول عنه وما دور النخب والكفاءات الأكاديمية والمثقفة؟
ثانيا: هل يمكن تصحيح اخطاء التأسيس الدستورية من نتاج متوقع لهذه الانتخابات اذا ما تحققت لها مقدمات متجددة تحفز المتصدين للسلطة الاتيان بحلول خارج صندوق مفاسد المحاصصة وتكوين كيانات أو تحالفات سياسية تعتمد خطوط الطول غير المكوناتية؟ وهل ما يطرح اليوم عن تنسيق سياسي متعدد الأطراف لإعلان حل مجلس النواب نفسه من أجل انتخابات مبكرة له فرص النجاح؟
ثالثا: ماذا عن الإزاحة الجيلية والاستجابة لمطالب المتظاهرين في ساحات التحرير العراقية.. لإنجاز قانون انتخابات متفق عليه في ضرورات التغيير المنشود؟
رابعا: هل هناك حلول في القانون الدستوري للتعامل مع مخرجات الانتخابات البرلمانية المقبلة بعدم وجود استقرار قانوني للمحكمة الاتحادية؟
خامسا: كيف يمكن تضمين قانوني الاحزاب والانتخابات فضلا عن مفوضية الانتخابات مطالب تظاهرات ساحات التحرير العراقية.. وهل التشريعات المطروحة اليوم تلبي ذلك؟
سادسا: ما موقف القانون الدستوري لأفضل معايير نزاهة الانتخابات وهل ما تتضمنه القوانين العراقية ذات الصلة ضمانات كافية؟ وما أفضل الإضافات المقترحة للوصول إلى ذلك؟
وتمحورت أسئلة المشاركين في الندوة الحوارية والتي أدارها الصحفي مازن صاحب، حول: لماذا لا يتم إجراء تعداد سكاني للعراق قبل الانتخابات لأن للأسف عدد السكان في وزارة التخطيط لم يحدث خلال السنوات الماضية وهناك غبن يقع على كل المحافظات بالنسبة للاستحقاق الانتخابي للمقاعد لعدم وجود قاعدة بيانات صحيحه مادام هناك نية للتغيير والإصلاح فيجب وضع اللبنات الأساسية قبل الشروع بالانتخابات. وحول هل وضعت التظاهرات توقعات كبيرة على الانتخابات المبكرة “النزيهة” في مجيء برلمان وبالتالي حكومة قادرة على النهوض بالبلاد. وبما أن هذه التوقعات كبيرة جدا إذا أخذنا بعين الاعتبار المشاكل البنيوية والانقسامات السياسية والظروف الدولية.. إلخ. وقد يؤدي سقف التوقعات العالي إلى الشعور بالخيبة وسقوط الحكومة القادمة حتى لو حققت بعض الإنجازات.. فالسؤال: ما هو منظوركم الواقعي لما ممكن أن تحققه عمليا انتخابات مبكرة نزيهة، وما هي التوقعات الممكنة عمليا من البرلمان القادم؟ وما هو التغير المتوقع في الخارطة السياسية؟ وهل يكفي الوقت المتبقي من العام لإجراء انتخابات في الوقت الذي لم تتمكن الحكومة والرئاسات من استكمال قانون الانتخابات وتشريعه ولا المفوضية الجديدة ولا ميزانيتها المليارية لإجراء الانتخابات؟ وهل نتوقع اعتراف شجاع يعلن بطلان العملية السياسية الحالية التي ولدت كل هذا الانهيار في المجتمع لنتوقع المباشرة بتأسيس قواعد جديدة للعمل السياسي في العراق؟ وعلى اية أرضية تقوم تلك المهمة؟ وهل تحتاج السلطة القضائية الى تغير جدري بعد إخفاقها في تحجيم الفساد المعلن، وعلى أية أسس يتم ذلك؟ وكيف تتم الانتخابات بدون تفعيل قانون الأحزاب؟ هل نتوقع أن يطالب الشعب الجهات الدستورية المعنية بحل هذا البرلمان الذي لم يكن بمستوى التحديات التي يواجهها الشعب والدولة بتمرير صفقات فاسدة حسب المصالح والمنافع الشخصية، وهل نحن ازاء برلمان انتجته انتخابات مزورة في العام 2018 نحصد ثمرات ما انتح عن ذلك التزوير بإجماع المراقبين والشرفاء في المفوضية والعالم؟ وهل كانت انتخابات العام 2018 بمستوى يليق بالديموقراطية التي تنادي بها الطبقة السياسية التي تتهم بالمشاركة بتزويرها؟ وحول أنه مررنا بعدة دورات وأحداث انتخابية واستفتاء على الدستور ولكن أكثر شيء يقلق الجميع هو تأخير إعلان النتائج وقد يطول لأكثر من شهر بينما معظم الدول بعد ساعات أو يوم أو عدة أيام على أكثر حال، وهذا الامر بدأ يقلق الجميع وحتى العاملين في الانتخابات، وما يؤلم أن هناك خبراء دوليين للأمم المتحدة ولمنظمات دولية متخصصة في الانتخابات لم يكرسوا خبراتهم ولم يجتهدوا لإيجاد حلول لهذه المعضلة وفي وجودهم لا تعلن إلا بعد شهر وأكثر وهذا الموضوع كلما تأخر كلما زادت الشكوك والظنون من الجميع وتفاقمت الازمات، فإجراءات تسريع اعلان النتائج ماهي الاليات والمعايير التي نحتاجها لهذا الغرض.
الشرق اليوم