واشنطن وتونس.. دعم عسكري مستمر وجدل سياسي متجدد

واشنطن وتونس.. دعم عسكري مستمر وجدل سياسي متجدد

تجدّد جدل في تونس حول طبيعة العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة، بعد أن تحدث بيان للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، عن نشاط عسكري مرتقب لقوات أمريكية انطلاقا من تونس.

البيان نقل الجمعة الماضي، فحوى مكالمة هاتفية بين وزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، وقائد “أفريكوم” ستيفن تاونسند، كشف خلاله الجانب الأمريكي أنه يدرس مع تونس “طرقا جديدة لمعالجة المخاوف الأمنية المتبادلة، وبينها استخدام لواء (وحدة عسكرية) للمساعدة الأمنية”.

ونقل البيان عن تاونسند قوله: “بينما تواصل روسيا تأجيج نيران النزاع الليبي، فإن الأمن الإقليمي في شمال إفريقيا يشكل مصدر قلق متزايد”.

وبعد 24 ساعة من نشر البيان المثير للجدل، نشرت “أفريكوم” توضحيا قالت فيه إنه “لن تكون لها مهام قتالية انطلاقا من تونس، بل ستكتفي بإرسال وحدة تدريب”.

وأثار البيان الأول تحذيرات في الأوساط السياسية التونسية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، من إقحام البلاد في “الصراعات الدولية والمسّ بسيادة أراضيها”، ورفض البعض ما قالوا إنه “قبول تونس بتدخل أمريكي، وتكتمها عليه”.

** تسريبات وخلفيات سياسية

منذ سنوات بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، طُرح ملف طبيعة الحضور العسكري الأمريكي في تونس، وسط حديث عن وجود قواعد عسكرية لواشنطن جنوبي البلد العربي، وفي محافظة بنزرت بأقصى الشمال. وهو ما نفته السلطات التونسية مرارا.

وخلال جلسة استماع برلمانية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، قال وزير الدفاع حينها، عبد الكريم الزبيدي: “لا يوجد شبر من التراب التونسي خارج عن السيادة التونسية.. وكل الموجود هو في إطار تبادل عسكري مع عدد من الدول”.

وقبل عام من حديث الزبيدي، وتحديدا في نوفمبر 2016، نفى وزير الدفاع آنذاك، فرحات الحرشاني، صحة أنباء متداولة، بقوله إن “تونس دولة مستقلة وذات سيادة، ولا نية لها للسماح بإنشاء قواعد عسكرية على أراضيها”.

ونشرت دورية “ناشيونال إنترست” الأمريكية، في سبتمبر/ أيلول 2018، مقالا تحدث عن مشاركة قوات من مشاة البحرية الأمريكية “مارينز”، في عمليات قتالية بجانب قوات تونسية ضد مجموعات إرهابية في جبال محافظة القصرين وسط تونس، عام 2017.

وتحدثت وسائل إعلام أمريكية عن وجود قاعدة استطلاع جوية لواشنطن في القاعدة العسكرية سيدي أحمد، بمحافظة بنزرت، وتضم طائرات استطلاع من دون طيار.

** لا قاعدة أمريكية في تونس

لكن العميد مختار بن نصر، الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب بتونس (حكومية)، شكّك في مصداقية المعلومات المتداولة.

ويقول بن نصر، للأناضول: “القواعد العسكرية لا يمكن إخفاؤها، فلها مواصفات، منها رفع العلم والحراسة ووجود عسكريين ويكون لها امتيازات. الولايات المتحدة لها 117 قاعدة عسكرية في العالم معروفة ومنشورة عنها معطيات رسمية، وتونس ليست من بينها”.

ويضيف: “لا توجد قاعدة عسكرية بتونس، فهذا ضد مبدأ الحياد الذي تقوم عليه السياسة التونسية”.

ويوضح أن “مجلس الأمن القومي، برئاسة رئيس الجمهورية (التونسي)، هو الجهة التي تتخذ أي قرار في هذا الشأن، ويكون ذلك معلوما للجميع”.

وبشأن ما يتردد عن استخدام الأجواء التونسية في أعمال قتالية، يقول بن نصر: “لم يتم استخدام أجوائنا، وإن حصل ذلك، ولو عن طريق الخطأ، يتم التخاطب بشأنه رسميا عبر وزارة الخارجية، مثلما هو معمول به”.

ويذكّر بأن تونس رفضت طلبا أمريكيا، في سبتمبر 2011، بإرسال عناصر من “المارينز” لتعزيز حماية مقر سفارة واشنطن عندما هاجمها متظاهرون وأحرقوا سيارات بمحيطها.

** رسالة لروسيا

يرى صلاح الدين الجورشي، كاتب ومحلل سياسي، أن الاقتراح الأمريكي الوارد في بيان “أفريكوم”، قبل تصحيحه، “ليس في محله، وغير مقبول، ولن تقبل به السلطات التونسية، ولا المعارضة”.

ويضيف الجورشي، للأناضول، أن “القيادة الأمريكية اضطرت للتصحيح؛ لأنّها أدركت أن تونس لن تقبل به، وسيعطي رسالة سلبية، ولا يوجد له مبرر حتى الآن”.

ويستدرك: “إذا حصل ذلك فسيكون مثيرا للتوتر السياسي، خاصة مع وجود تيارات أيديولوجية معادية للولايات المتحدة”.

ويردف الجورشي، أن “أي تعاون مع واشنطن على مستوى التدريب والدعم المالي والجيوسياسي، تعتبره تونس شكلا من أشكال حمايتها وحماية أمنها”.

ويعتبر أن بيان “أفريكوم” كان “رسالة أمريكية لروسيا، وأيضا لبعض حلفاء موسكو في المنطقة (بشأن ليبيا جارة تونس)”.

وتنفي روسيا صحة اتهامات لها بتقديم دعم عسكري لمليشيا الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، التي تنازع الحكومة الليبية، المعترف بها دوليا، على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط.

** دعم أمريكي

منذ 2011، قدمت واشنطن أكثر من مليار دولار لدعم الجيش التونسي، وفق بيان “أفريكوم”، الجمعة الماضي.

كما قدّمت، بين 2011 و2016، ما يزيد على 900 مليون دولار مساعدات لدعم الديمقراطية والأمن والتنمية الاقتصادية بتونس.

وفي 2011، رحّبت إدارة الرئيس الأمريكي حينها، باراك أوباما، بالمسار الديمقراطي الذي اختاره الشعب التونسي، حين أطاح بالرئيس حينها، زين العابدين بن علي.

وفي 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، غداة إعلان نتائج الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، هنّأت واشنطن الشعب التونسي. واعتبرت السفارة الأمريكية، في بيان، أن اختيار المواطنين لرئيسهم الجديد يُعد علامة فارقة في مسار تونس نحو الديمقراطية.

وعبّرت واشنطن، مرارا، عن استعدادها للتعاون الوثيق مع تونس في المجال الأمني، لمواجهة التهديدات المشتركة العابرة للحدود، في إشارة إلى الإرهاب.

وتسلمت القوات الجوية التونسية، في يناير 2015، طائرة نقل عسكرية من نوع “سي 130 جيه”.

كما تسلمت تونس، في يناير 2017، دفعة من مجموعة من 26 زورقا حربيا سريعا.

ووعد السفير الأمريكي لدى تونس حينها، خلال حفل التسليم، بمساعدة البلاد في تركيب نظام أمن حدودي على حدودها الشرقية، وبمدّها بالمعدّات والتدريب الضروريين.

وفي أغسطس/ آب 2017، تسلمت تونس أربع مروحيات “بلاك هوك”، طراز (UH-60) من مجموع 8 طلبتها في 2015.

وفي يوليو/ تموز 2017، بحث رئيس الحكومة التونسية آنذاك، يوسف الشاهد، في واشنطن مع وزير الدفاع الأمريكي حينها، جيم ماتيس، الشراكة الدفاعية والوضع الأمني في تونس، والمساعدة بمكافحة الإرهاب، والتعاون بمجال التدريب العسكري وتبادل الاستخبارات والتعاون الدفاعي.

وحلّت بتونس، في مارس/ آذار 2019، سفينة البحرية الأمريكية “يو إس إس أرلينجتون” وطاقمها المؤلّف من 1063 فردا، والتقى ضباط من البحرية التونسية بربّان السفينة وبقيادتها.

وصرّح السفير الأمريكي لدى تونس حينها دونالد بلوم، بأن واشنطن وتونس نجحتا بمواجهة التحدّيات الأمنية في تونس وأماكن أخرى بالمنطقة، وفق بيان للسفارة الأمريكية.

وأضاف بلوم: “تعاوننا العسكري والأمني متين ويجري لصالح البلدين”.

** رؤية كلاسيكية للسيادة

يقول بن نصر، إن “التعاون مع الولايات المتحدة قديم متجدد، باعتبارها بلدا صديقا، وذلك في مجالات التدريب وحماية الحدود ومكافحة الإرهاب”.

ويضيف: “تونس لها امتيازات في الحصول على المعدات والتقنيات الحديثة من الولايات المتحدة، باعتبارها دولة حليفة”.

ويعتبر بن نصر، أنه “من الطبيعي أن يحضر إلى تونس خبراء عسكريون للتدريب على الاستخدام والصيانة، ضمن صفقات المدرعات والطائرات”.

وبشأن الجدل السياسي حول العلاقات العسكرية مع واشنطن والتحذيرات من المساس بالسيادة التونسية، يقول إن “موضوع السيادة تغيّر بشكل جوهري، فمنذ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) هناك اتفاقيات أتاحت وجود قواعد عسكرية في بلدان أوروبية، فهل يمكن أن نقول إن تلك الدول فاقدة للسيادة (؟!)”.

ويرى بن نصر، أن “موضوع السيادة يُطرح الآن في تونس من رؤية كلاسيكية جدا، فكلما أبدت دول استعدادها للمساعدة على النمو والاستثمار وحماية الأمن، ضمن تمتين التعاون والتحالف، تُثار اعتراضات سياسية باسم السيادة”.

** دولة حليفة

يشدد الجورشي، على أن “تونس تاريخيا واستراتيجيا من الدول الحليفة للولايات المتحدة، وبُنيت السياستان الخارجية والدفاعية منذ عهد (الرئيس التونسي الحبيب) بورقيبة (1957 ـ 1987) على هذا الأساس”.

ويستدرك: “لكن عندما تصبح هناك قاعدة وقوات أمريكية تتحرك في تونس، فذلك سيعتبر تدخلا من المنظور التونسي”.

ويقدر حجم القوات العسكرية في تونس بنحو 36 ألف عنصر (تعداد السكان نحو 11 مليونا و516 ألف نسمة)، ويُصنف جيشها في المرتبة 81 عالميا، بحسب تصنيف لسنة 2020، أصدره موقع “غلوبال فاير باور” المختص ويتعلق بـ138 دولة.

وكشفت وثائق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، نشرتها على موقعها الإلكتروني في يناير 2017، أن واشنطن كانت قلقة منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، بسبب ضعف القدرات العسكرية التونسية، مقابل ما يمثله “التهديد” العسكري لنظام الراحل معمر القذافي في ليبيا المجاورة (1969 ـ 2011).

(الأناضول)