منذ عشرة أعوام على الحرب السورية لم تكن سوريا تمثل فقط نموذجاً للتدخلات الإقليمية والدولية في الصراع وإطالة أمده، بل كان هناك ملمح آخر هو كون سوريا مثلت ساحة لمواجهة نفوذ إيران الإقليمي، والحيلولة دون ترسيخ وجود إيراني عسكري داخل سوريا قد يغيّر من توازن القوى ويزيد جبهة المواجهة في المشرق العربي. ومنذ اندلاع الحرب السورية لم تتدخل إسرائيل فيها بشكل مباشر، ووضعت خطوطاً حمراء عند تعديها سيتم التدخل النشط في مجريات الأحداث. وكان التدخل الرئيس الإسرائيلي من خلال شن هجمات وضربات على بعض الأهداف العسكرية المرتبطة بإيران داخل سوريا.
وأخيراً قُتل ما لا يقل عن 7 إيرانيين وسوريين في موجتين من الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع في شرقي وجنوب شرقي سوريا في هجمات بقواعد يعتقد أن لها تواجداً قوياً للميليشيات المدعومة من إيران، ويُقال إن الهجمات وقعت بعدما وصلت شحنة أسلحة إيرانية إلى منطقة السويداء، وأن تلك الضربات كانت من بين أكبر الضربات التي قامت بها إسرائيل على الأراضي السورية.
وقد اعترفت إسرائيل بشن العديد من الغارات داخل سوريا منذ بداية الحرب الأهلية في عام 2011، حيث نفذّت إسرائيل مئات الغارات في سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية في 2011، وتبرر ذلك بأنه محاولة لإحباط ما تصفه بـ”الترسُخ العسكري الإيراني” وحظر شحنات الأسلحة الإيرانية لـ”حزب الله” اللبناني.
وباتت الضربات الإسرائيلية أهم ملامح الموقف الإسرائيلي من الوجود الإيراني في سوريا، الذي لم ينفصل عن الموقف الإسرائيلي من الحرب السورية، فقد اتسم موقف إسرائيل منها منذ بداية الأحداث بالغموض، فمنذ عام 2011 شدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وزرائه بتجنب التعليق على الأحداث، إلا أنه ومع استمرار تعمُق الأزمة في سوريا بدأ صانعو القرار في إسرائيل في الاستجابة لتلك الأزمة، وتحوّل الموقف إلى رغبة حقيقية في إسقاط نظام الأسد الذي يعد حليفاً رئيساً لإيران في لبنان ودعم “حماس” في السابق.
ووضعت إسرائيل الخطوط الحمراء لما يُمثل تهديدات أمنية لمصالحها الاستراتيجية، ومن ثم يستدعي تدخلها في المسرح السوري، ومن ذلك ضرورة استمرار السلام والاستقرار عبر حدودها الشمالية بالقرب من هضبة الجولان المحتلة، ومنع العناصر الإرهابية من تأسيس كيانات ومعاقل خاصة بهم بطريقة مماثلة لما حدث في سيناء، ومنع وصول إمدادت الأسلحة التي تغير قواعد اللعبة، لا سيما الصواريخ بعيدة المدى وعالية الدقة. كما أعلنت عزمها عرقلة إقامة بنية تحتية هجومية في شرق مرتفعات الجولان المحتلة، خوفاً من أن ترسخ إيران والجماعات الموالية لها نفسها بجوار خط الهدنة، مما يتيح فتح جبهة جديدة لتهديد إسرائيل، بالتالي الحرص على منع إيران من إنشاء مطار، وميناء بحري، وقواعد عسكرية، ووجود دائم للميليشيات التابعة لها، ومرافق إنتاج أسلحة دقيقة لـ”حزب الله”.
ومنذ عام 2017 ، شنت إسرائيل، بوتيرة متزايدة، ضربات ضد الأصول الإيرانية المشتبه بها في سوريا، والتي يبدو أنها تهدف إلى تعطيل بناء البنية التحتية العسكرية الإيرانية. وتعتبر إسرائيل أن قدرات الصواريخ الإيرانية تهددها، حيث تشعر بالقلق إزاء الإمدادات ومنشآت تصنيع الأسلحة التي تشمل حلفاء إيران في لبنان وسوريا وغزة، كما أنها قلقة من قدرة الصواريخ الإيرانية على الوصول إلى إسرائيل مباشرة، لذا فهي تعتبر أن اختبارات الصواريخ الإيرانية التي تقوم بها إيران تتعارض مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 لعام 2015، لذا تحث إسرائيل واشنطن على السعي إلى حد أقصى 300 كيلومتر كأقصى مدى للصواريخ الإيرانية.
أما عن رد الفعل الإيراني تجاه الضربات الإسرائيلية، فهناك ضعف في احتمالية أي رد فعل من جانب إيران تجاه الضربة الإسرائيلية الأخيرة في سوريا على القواعد الإيرانية، ذلك أن إيران الآن تواجه الضغوط الدبلوماسية في المنظمات الدولية، حيث صدر تقرير محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا الشهر، الذي يحث إيران على التعاون مع مفتشي الوكالة وذلك بدعم ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
ومن جانب آخر هناك معركة لمد حظر الأسلحة على إيران في مجلس الأمن، كما أنه وفقاً لسوابق الهجمات الإسرائيلية على القواعد الإيرانية في سوريا لم تقم إيران بالرد على أي منها، على الرغم من السلوك الإيراني واستعراضات القوة التي تحدثها في الخليج. من ثم ستمتص إيران تلك الضربة، لكن سيظل في الإدراك الإيراني أن إسرائيل تعد التحدي الرئيس أمام ترسيخ وجودها العسكرى في سوريا، لا سيما أن لدى إسرائيل المعلومات الاستخباراتية حول تحركات الأهداف الإيرانية واللبنانية داخل الأراضي السورية، وتلك المعلومات عامل ردع أمام أي محاولات انتقامية من جانب إيران، لذا دائماً ما اقتصر الرد الإيراني على الامتناع عن الرد المباشر على الضربات الإسرائيلية ضد قواتها أو قوات حلفائها في سوريا، في بعض الأحيان، أو نفي تعرضها للهجمات، وفي أحيان أخرى هدّدت فقط بالانتقام.
إن الوجود العسكري الإيراني في سوريا هو إحدى أدوات إيران لترسيخ سيطرتها على النظام السوري، لضمان مصالحها في المنطقة وإحداث توترات لخصومها سواء من الدول العربية أو إسرائيل أو تزويد “حزب الله” وغيره من الميليشيات بالأسلحة، بالإضافة إلى حرصها على وجود مَوْطِئ قدم لها في البحر المتوسط. إن تقليص الوجود الإيراني في سوريا ليس هدفاً إسرائيلياً فقط بل أميركياً أيضاً، حيث تعتبره الولايات المتحدة شرطاً أساسياً لدعم جهود إعادة إعمار سوريا.
هدى رؤوف
اندبندت عربي