لم تتوقف رسائل الأسد إلى روسيا، مذ عمّت التقديرات حول انتهاء مرحلة الحرب وبداية مرحلة السلام في سورية، وشاع الاعتقاد بأن موسكو وواشنطن أخذتا تحدّدان الرابح والخاسر من أطراف الحرب الممتدة، سواء تعلق الأمر بطرفيها المحليين أو بالتركي والإيراني.
وقد انضوت الرسالة الأخيرة بين وزارتي دفاع الأسد وطهران في الإطار العام الذي كان قد أفصح عنه خالد العبود، في مقالةٍ إنذاريةٍ غاضبة، وجهها إلى “المدعو بوتين”، واختصرها في جملتين: جئنا بك إلى سورية لردع الأميركيين، وجئنا بالإيرانيين لردعك. بتأييد اللواء المتقاعد بهجت سليمان، تحوّلت خطّة العبود إلى إعلان حرب على الزعيم الروسي، علّمه أن الأسد قادر على تدمير قاعدته في حميميم خلال نصف ساعة، وإسقاطه في موسكو!
لن تعرّج هذه المقالة على ما فعلته روسيا منذ تلقت الرسالة، فقد ألمحت إليه مقالات سابقة، لكنها تتوقف عند الدلالة المهمة للاتفاق الذي عقد يوم الثلاثاء بين وزارتي الدفاع الأسدية والإيرانية حول تعزيز العلاقات التسليحية بينهما، وتولّي طهران رعاية الجيش الأسدي، وتزويده بأسلحة دفاع جوي تحسّن قدرته على حماية نفسه من ضربات إسرائيل. هذا الاتفاق هو آخر رسائل طرفين يعتقدان أنهما سيخرجان خاسرين من القسمة الأميركية/ الروسية، وأن المصير المشترك يتطلّب رداً مشتركاً، يقوّي مواقفهما إلى درجةٍ قد تصل إلى تعطيل الدور الروسي في سورية، أو محاصرته، والمحافظة على الأمر القائم الراهن في سورية، حيث يسيطر الأسد وإيران على 60% من مساحة البلاد، تتخللها بؤر عسكرية روسية يمكن تحدّيها وشلّها، ولتبقى واشنطن في مناطق من شرق الفرات، بينما تتم مواجهة الوجود التركي في منطقة إدلب بالقوة، حسب تحذير صريح وقوي صدر عن جنرال في الحرس الثوري وآخر في وزارة الدفاع الإيرانية. ولتذهب سورية إلى طور جديد من الصراع المسلح، استناداً إلى دور إيراني موسّع، يعيد خلط الأوراق المحلية والإقليمية والدولية في الساحة السورية، ورسم الأدوار، يبدل شروط التسوية السلمية وتطبيق القرارات الدولية، فالاتفاق إعلان أسدي بالتخلي عن أولوية الدور الروسي في سورية، أو بالحد منه في أقل تقدير، وبالشروع في تفعيل استراتيجية خالد العبود عن دور إيران ضد دور روسيا الذي يقتصر على ردع أميركا، وليس بين وظائفه تقرير مصير الأسد.
هل نشهد، في الفترة المقبلة، تشديداً لقبضة روسيا على السلطة، وتدابير أخرى تتصل بعلاقات موسكو مع الأطراف الأخرى، بما في ذلك “المعارضة”، وتفاهماتٍ مع واشنطن وأنقرة لمواجهة الواقع الذي يتخلق قبل أن تكتمل مفرداته، أم أن موسكو ستذهب في الاتجاه الآخر، وستنقض تفاهمها مع أنقرة بصدد إدلب ومنطقتها، لتجمد الجهود الأميركية حيال الأسد، ما دامت إيران ستتولى تزويده بما يحتاج إليه، ضمن علاقةٍ تقوم على درجة من الاندماج بين الطرفين، تمحو ما هو قائم من حدود بينهما، بذريعة تعزير دفاع الأسد الجوي بصواريخ إيرانية، لو كانت تحمي جيش إيران وحرسها، لصدّقنا أنها ستحمي جيش الأسد. لكن التركيز عليها في الاتفاق رسالة إلى روسيا بأن الأسد عازمٌ على التخلي عن سلاحها الذي لم يتمكّن بدوره من حماية جيشه، أو أن دوره في الصراع لن يكون أولوياً وحاسماً، بعد اليوم.
بكلام آخر: لم يعد الحل السياسي في سورية قريباً، ليس لأن ما شاع عن جهود موسكو وواشنطن عن العمل عليه لم يكن صحيحاً، بل لأن الأسد وإيران قرّرا تغيير بيئته، ونسف فرصته، ووضع الطرفين أمام معادلة جديدة ستجبر موسكو على إعادة النظر في حساباتها، وسياساتها العملية، بينما تفصل عقوبات قانون قيصر عن بعدها السياسي، وتفشل في إجبار الأسد على تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وإيران على الانسحاب من سورية.
ميشيل كيلو
العربي الجديد