تصادف الشهر المقبل الذكرى السنوية الرابعة عشرة لحرب لبنان في عام 2006 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وبالتالي النقاش السنوي بشأن تجديد مهام “قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (“اليونيفيل”) التي تنتهي في 31 آب/أغسطس. وقد واصل «حزب الله»، والحكومة والجيش اللبنانيان الانتقاص من القرار 1701 وفعالية وجود قوات “اليونيفيل”، غير أن مزيجاً فريداً من الأزمات الوطنية قد يوفر فرصة نادرة لعكس بعض الاتجاهات الأمنية السلبية. وكما صرّحت المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت أمام مجلس الأمن في 4 أيار/مايو، “يتباهى «حزب الله» علناً بأسلحته، ويتجاهل بشكل صارخ القرار 1701، [و] يملي أيضاً على قوات «اليونيفيل» مكان وزمان تسيير دورياتها… كما تمنع الحكومة اللبنانية البعثة من إتمام مهمتها من خلال عدم منحها حق الدخول إلى مناطق معينة… وقد حان الوقت إما لإدخال تغييرات كبيرة من أجل تمكين قوات «اليونيفيل»، أو تغيير طاقم عمل وموارد قوات «اليونيفيل» بما يتناسب مع المهام التي يمكنها إنجازها فعلياً”.
أحدث التقارير والتهديدات والحوادث
عندما أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس آخر تقييم له حول قوات “اليونيفيل” في الأول من حزيران/يونيو، أوصى بتحويلها إلى “قوة أكثر نشاطاً تتمتع بهامش تحرك أكبر وقدرات مراقبة أفضل”، ومجهزة بمركبات تكتيكية واستطلاعية خفيفة ذات قدرة عالية على الحركة من أجل تعزيز “وعيها الأفضل بالأوضاع” و”تخفيف تواجدها”. كما اقترح التقرير تخفيض القوات بالقرب من نهر الليطاني، وإعادة تشكيل وحدات الصف الثاني، وتركيز كثافة القوة بالقرب من “الخط الأزرق” والمواقع الاستراتيجية الأخرى، وإزالة سفينة من “فرقة العمل البحرية” المكونة من ست سفن التابعة لـ “اليونيفيل”.
وقد أثّرت رياح التغيير على «حزب الله» الذي واصل حملته لمنع قوات “اليونيفيل” من دخول المناطق. فمنذ مطلع أيار/مايو، تمّ الإبلاغ عن ثلاث حوادث أخرى على الأقل بين دوريات الأمم المتحدة والسكان المحليين في بلدة بليدا الجنوبية، التي تُعرف كنقطة ساخنة لمضايقة الدوريات. وعندما التقى الرئيس ميشال عون بقائد قوات “اليونيفيل” في 21 أيار/مايو، وصف التنسيق مع “الجيش اللبناني” كعلاج لمثل هذه الحوادث. وفي وقت لاحق، في 25 أيار/مايو بدأت وسائل الإعلام والتغريدات تستهدف قوات “اليونيفيل” بسبب “دورياتها العدائية” المزعومة ومضايقتها للقرويين. وأعلنت بلديات بليدا وميس الجبل ومحيبيب بأنها ستعلق كافة الاجتماعات مع قوات “اليونيفيل” وتمنع دورياتها من دخول بلداتها ما لم تنسق مسبقاً مع السلطات المحلية و”الجيش اللبناني”. ومن جانبه، ذكر الأمين العام «حزب الله» السيد حسن نصرالله قضية تجديد القرار 1701 في خطاب ألقاه في 27 أيار/مايو، مدّعياً أن إسرائيل كانت تضغط على الولايات المتحدة لتغيير مهمة “اليونيفيل” لكي تتمكن القوة من العمل دون تنسيق مع “الجيش اللبناني”. كما أعلن أنه لا يبالي مطلقاً إذا بقيت قوات “اليونيفيل”، أو غادرت، أو تم تغيير حجمها، بما أنها تخدم مصلحة إسرائيل أكثر من مصلحة لبنان.
وقد تكرَّر هذا الموقف على لسان المعلقين في صحيفة “الأخبار” التابعة لـ «حزب الله». ففي 27 أيار/مايو، اتهموا قوات “اليونيفيل” بأنها تعمل “في خدمة العدو”؛ وفي 12 حزيران/يونيو، قالوا إن الأمين العام للأمم المتحدة كان يحاول تحديد دور القوات بأنها “تقوم بالتجسس على المقاومة”، مشيرين إلى أن «حزب الله» لن يقبل مثل هذه التغييرات وسوف يرد “بشكل غير متوقع”.
وفي غضون ذلك، قررت الحكومة اللبنانية تمديد مهام “اليونيفيل” لمدة عام آخر دون تعديل في 29 أيار/مايو، بعد وقت قصير من إصرار رئيس الوزراء حسان دياب على الإبقاء على حجمها الحالي. وفي اليوم التالي، نقل تلفزيون “المنار” التابع لـ «حزب الله» عن السفير الروسي قوله بأن أي محاولات لتغيير بعثة “اليونيفيل” ستبوء بالفشل. وخلال اجتماعه في 3 حزيران/يونيو بالمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان والسفراء البريطانيين والصينيين والفرنسيين والروس والأمريكيين، أثنى الرئيس عون على بعثة “اليونيفيل”. لكنه اشترط في الوقت نفسه نقاطاً محددة. ووفقاً للدستور اللبناني، قال: “يجب احترام الممتلكات الخاصة، والنفاذ إليها يتطلب إذناً مسبقاً ومرافقة من السلطات اللبنانية المعنية”. وبعبارة أخرى، أيد بشكل فعال أولئك الذين يمنعون وصول “اليونيفيل” إلى المواقع العسكرية غير المشروعة – على سبيل المثال، تم تطبيق علامة “المُلكية الخاصة” على مواقع مثل موقع إطلاق الصواريخ ودخول نفق هجوم عبر الحدود.
“الوضع الراهن” غير المستدام
في الوقت الحالي، يرى كافة أصحاب المصلحة قيمة مشتركة في مواصلة قوات “اليونيفيل” أداء دورها كنقطة اتصال وجِهة مساهمة في تخفيف التصعيد. كما أنها تستقي فوائد متعددة من الوضع الحالي للقوات: فالمساهمون الأوروبيون يستسيغون النفوذ السياسي-العسكري الذي تمنحهم البعثة إياه؛ وتستفيد بيروت من الإيرادات وغطاء الشرعية المرافق لاستضافة قوة كبيرة من الأمم المتحدة؛ ويروق لقادة «حزب الله» واقع قيام القوات بدفع تكاليف مشاريع تنفّذها في الجنوب وتؤمّن فرص عمل لمئات السكان المحليين، طالما لا تتدخل هذه القوات في شؤون الحزب؛ وهكذا دواليك. ومن شأن عام آخر من عدم التغيير أن يرضي العديد من هذه الجهات الفاعلة، وأبرزها «حزب الله».
غير أن هذا الوضع الراهن هو بمثابة وهم. فمن أجل منع اندلاع حرب أخرى – وهو الهدف الأساسي لقوات “اليونيفيل” – يتعين على هذه القوات أن تنفذ بفعالية مهمتها القاضية بالحدّ من العمليات العسكرية غير المشروعة في الجنوب أو على الأقل الإبلاغ عنها بشفافية، لكنها عجزت عن تحقيق أي من هذه المتطلبات الدنيا. وعوضاً عن ذلك، كثّفت الحكومة اللبنانية جهودها لمنع قوات “اليونيفيل” من التصدي لأنشطة «حزب الله» أو الكشف عنها؛ وبالتالي فإن الهوامش الأمنية التي وضعها القرار 1701 تضاءلت بشكل أكبر؛ وزاد «حزب الله» من قوته وأنشطته في منطقة عمليات “اليونيفيل”. وهذه الحالة هي أكثر من مجرد إخفاق جوهري للبعثة – فهي تمثل انزلاقاً خطيراً نحو تصعيد غير مبرر، كما يشير تقرير الأمم المتحدة الصادر في حزيران/يونيو بشكل صائب.
التوصيات
عندما يتناول مجلس الأمن مسألة تجديد قوات “اليونيفيل” في الشهر القادم سيكون من الأفضل تنفيذ أحدث توصيات الأمين العام للأمم المتحدة والأجزاء غير المحققة من القرارات السابقة. يجب أن تتركز التحسينات على أربعة مجالات:
تعزيز رقابة مجلس الأمن. بدلاً من التطرق إلى وضع قوات “اليونيفيل” مرة واحدة فقط كل عام بموجب المعايير المجمدة، على مجلس الأمن إجراء مراجعة شاملة لمهمة هذه القوات وحجمها وعملياتها وحقها في دخول المناطق مرتين إلى ثلاث مرات سنوياً. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إجراء مناقشات أكثر عمقاً عندما يصدر الأمين العام تقاريره الدورية حول “اليونيفيل”، أو على نحو مفضل، من خلال تقليص مدة مهمتها إلى ستة أشهر فقط، كما حصل مع بعثات أخرى (مثل “قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك”). بالإضافة إلى ذلك، على السلطات أن تقدم بانتظام مؤشرات ملموسة على التقدّم المزعوم نحو إقامة منطقة خالية من الأسلحة غير المشروعة جنوب نهر الليطاني، ومناقشة تحديد الحجم المناسب للقوة عند كل تجديد لمهمتها، ومراجعة فعاليتها بشكل شامل مرة واحدة على الأقل في السنة.
خفض حجم قوات “اليونيفيل” وميزانيتها. يجب تقليص حجم القوات على الفور بنسبة تتراوح بين 10 و20 في المائة، وسحب سفينة واحدة من أسطولها البحري، وخفض العدد الأقصى المسموح به لجنودها من 15 ألف إلى ما بين 8 و10 آلاف. يجب إعادة تشكيل قوات “اليونيفيل” وفقا لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة بحيث يعكس ذلك تواجد بعثة بعدد قليل من الأفراد ذات هامش تحرك وتكون محمية بشكل جيد وتتمتع بقدرات متقدمة على المراقبة والوعي بالأوضاع السائدة. وقد تُظهر هذه التخفيضات لبيروت أن الدعم العسكري ليس دائمياً أو غير مشروط، في حين يحثّها على الوفاء بالتزاماتها بموجب القرار 1701، بما يقلّص المخاطر التي تتعرض لها قوات حفظ السلام في حالة التصعيد، ويحد من حجم تمويل الأمم المتحدة لقاعدة دعم «حزب الله».
ضبط دقيق لعمليات “اليونيفيل”. ينبغي تنفيذ العديد من التغييرات الموصى بها في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بأسرع وقت ممكن:
منح قوات “اليونيفيل” حق الدخول الكامل إلى مجمل “الخط الأزرق” وتعزيز وجودها في المنطقة، على حساب النشاط في المناطق الأعمق حيث يجب أن تعمل القوات الاحتياطية المتنقلة
منحها حرية الوصول إلى المناطق والطرق المفتوحة، بما في ذلك تلك المحظورة تحت ذريعة “الملكية الخاصة”
السماح لقوات “اليونيفيل” بتسيير دوريات مستقلة عن “الجيش اللبناني” ودون موافقة مفصلة مسبقة في كل مرة
السماح لقوات “اليونيفيل” بدخول المباني وتفتيشها لأغراض التفتيش الوقائي في غضون 24 ساعة من تقديم طلب بهذا الخصوص، على أن تخضع كل حالة لمراجعة مجلس الأمن في وقت لاحق
مطالبة لبنان بتقديم خريطة ملكية مفصلة لملكية العقارات وتوضيح كيفية التوفيق بين التزاماته بموجب القرار 1701 وادعاءاته بأن الممتلكات الخاصة مستثناة بموجب الدستور
استبدال مراكز مراقبة منظمة “أخضر بلا حدود” التابعة لـ «حزب الله» بمراكز تعود لـ “الجيش اللبناني” أو قوات “اليونيفيل”
إزالة مراكز الأمم المتحدة غير الضرورية وإضافة المزيد منها ذات الصلة بالتنسيق مع الأطراف
وقف المهاجرين غير الشرعيين من عبور “الخط الأزرق” إلى إسرائيل
تقوية موظفي الارتباط في قوات “اليونيفيل”
بالإضافة إلى ذلك، قد تسمح إسرائيل لقوات “اليونيفيل” بفتح مكتب ارتباط في تل أبيب والذي لطالما رغبت به الأمم المتحدة كبادرة حسن نية، لكن من دون أن يشمل ذلك منح أي سلطة لـ “اليونيفيل” في إسرائيل.
تعزيز الشفافية والتوثيق. يجب تزويد وحدات “اليونيفيل” بأجهزة تعقب زرقاء وكاميرات توضع على الجسم والمركبات، وغيرها من المعدات التي تساعد على الوعي بالأوضاع المحيطة. ومن شأن قدرات التعرف على الوجوه أن تسهل التعرف على أولئك الذين يهاجمون الدوريات أو يعيقون تحركها، مما يتيح اتخاذ إجراءات جنائية بحقهم وفق النظام اللبناني أو فرض عقوبات دولية عليهم. ينبغي إخطار مجلس الأمن على الفور بأي حوادث من هذا القبيل؛ فضلاً عن ذلك، يتعين على قائد قوات “اليونيفيل” تقديم تقرير عملياتي شهري مع خرائط ورسوم بيانية مفصلة تظهر مكان وزمان الدوريات والحوادث بدقة (سواء كانت راجلة أو عبر المركبات أو جوية)، إلى جانب تحديد كافة المناطق التي يحظر الدخول إليها. ينبغي إنشاء خلية معلومات عسكرية في مقر الأمم المتحدة مع منحها نفاذاً إلى قاعدة البيانات العملياتية الجغرافية الخاصة بقوات “اليونيفيل”، لكي تتمكن الدول الأعضاء من الحصول على تقارير دقيقة وفي الوقت المناسب عن الحالة عند الطلب. كما يجب على قوات “اليونيفيل” تقديم تقارير منتظمة حول: جميع مشاريعها المدنية حسب الموقع والميزانية؛ أي حالة يمنع فيها “الجيش اللبناني” أفراد القوة من العبور إلى إسرائيل؛ وجميع القضايا العالقة مع لبنان، بما فيها الإجراءات القانونية التي طال انتظارها ضد المشتبه بهم الذين هاجموا الدوريات أو قاموا بمضايقتهم.
وسيحاول «حزب الله» وحلفاؤه، دون شك، مقاومة هذه التغييرات من خلال التهديدات والترهيب واستخدام حق “الفيتو” الروسي/الصيني في مجلس الأمن. وتتمثل إحدى طرق التغلب على هذه المعارضة في مواجهة معسكر “عدم التغيير” بإنذار نهائي أمريكي يقضي بـ “التغيير أو ممارسة حق النقض («الفيتو»)” – أي تغيير قوات “اليونيفيل” أو مشاهدة الاعتراض على تجديد مهمتها في آب/أغسطس. ونظراً لأن جميع الجهات الفاعلة ترغب في إبقاء هذه القوات، يمكن لهذا النوع من العلاج بالصدمة أن يقنعها بالسماح بإجراء تحسينات على بعض القضايا المذكورة أعلاه أو جميعها. ونظراً للأزمة المستمرة في لبنان، فقد حان الوقت الآن لإجراء مفاوضات خلاقة حول السياسات التي تعود بالفائدة على كافة الأطراف، والتي تشمل إحراز تقدّم على مستوى الترتيبات الأمنية، وترسيم الخط الأزرق والمشاكل المائية/الزراعية وإمكانيات الغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط.
أساف أوريون
معهد واشنطن