مرت فترة من الزمن منذ أن دخلت تركيا واليونان العضوان في حلف “الناتو” في حالة حرب، لكن لا يجدر استبعاد حدوث مناوشة أو اثنتين بينهما على الأقل. فقد نشرت وزارة الدفاع التركية يوم الاثنين على موقع “تويتر” صوراً لسفن حربية تركية ترافق سفينة التنقيب عن النفط “عروج ريس” وهي في طريقها إلى منطقةٍ في شرق البحر المتوسط يطالب بها البلدان. ثم قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس يوم الثلاثاء إن بلاده “ستدافع عن سيادتها وحقوقها”.
والقضية المطروحة هذه المرة – ولكن في سياق شكاوى استمرت 100 عام – هي احتمال العثور على احتياطيات نفط أو غاز طبيعي في أعماق قاع البحر، كما سبق أن اكتشفت مصر وإسرائيل وقبرص مثل هذا المكمن. وعلى أي حال، ففي المياه التي يبلغ عمقها حوالي 6000 قدم، يكون ذلك صعباً ومكلفاً من الناحية التقنية. كما أنه من غير الواضح على الإطلاق ما إذا كانت المياه المتنازع عليها غنيةً من الناحية الجيولوجية كتلك القريبة من دلتا النيل. (هناك أيضاً مشروع خيالي لخط أنابيب في قاع البحر لنقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي إلى أوروبا، الأمر الذي يتطلب إذناً من مالك قاع البحر).
لذلك، ففي الوقت الحالي، تنطوي المنافسة على تفسيرات مختلفة للقانون الدولي، ونقطة الخلاف الرئيسية هي “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”. وينص أحد مبادئ هذه “الاتفاقية” على أن حقوق المطالبة الاقتصادية لبلد ما بالبحر وقاع البحر قد تمتد إلى 200 ميل بحري فيما يتخطى الحدود المعتادة البالغة 12 ميلاً بحرياً، على أن تتفق الدول المجاورة على الخط الفاصل بينها – وهو ما لم تفعله إسرائيل ولبنان على سبيل المثال. وبالنسبة للدول التي تواجه بعضها البعض عبر البحر المفتوح، إذا كانت المسافة بينهما أقل من 212 + 212 = 424 ميلاً بحرياً، فإنها تحتاج إلى التفاوض على خط الوسط، كما فعلت إسرائيل وقبرص.
مرحباً بكم في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تبعد تركيا – كما يظهر على الخريطة – أقل من 424 ميلاً بحرياً عن مصر، وحيث تقع اليونان أيضاً على مسافة قريبة نسبياً من قبرص. لذلك لا توجد مطالبة واضحة المعالم في هذه البقعة. وهناك صعوبةٌ إضافية تتمثل في عدم اعتراف تركيا بما يسمّى بـ “المنطقة الاقتصادية الخالصة” في الجزر، وبالتالي فهي مغتاظة لأن جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، التي تقع على بُعد ميل واحد فقط من البر الرئيسي التركي، مدرجة ضمن الحسابات اليونانية.
كما لا تعتبر أنقرة أنه يحق لدولة قبرص السيادية المطالبة بأي شيء يزيد عن 12 ميل من المياه الإقليمية، وترى في المقابل أن المياه الممتدة جنوباً من الجزيرة هي منطقة تركية، إلى أن تصبح مصرية. ويشار إلى أن سفينة “عروج ريس” المطلية بشكل رائع بألوان العلم التركي والمتّجهة نحو اليونان، كانت تضطلع بمهام زلزالية وغيرها من الأعمال الاستكشافية في هذه المنطقة.
وتصاعدت كل هذه التوترات منذ عقد أو نحو ذلك، ولكن زادت حدتها في نهاية العام الماضي عندما أعلنت تركيا عن اتفاقها على حدود بحرية مع ليبيا – وهي امتداد جغرافي وقانوني على حد سواء. ومرة أخرى تجاهلت المطالبة التركية أي ادعاء يوناني متعلق بالكثير من جزرها، بما فيها جزيرة كريت التي تضم قاعدة أمريكية.
وكان لهذا الاتفاق أيضاً زاوية جيوسياسية مهمة. فالحكومة الليبية المعترف بها دولياً، ومقرّها في العاصمة طرابلس، بحاجة إلى دعم تركي للتغلب على قوات المتمردين التي تتقدم من الشرق بقيادة خليفة حفتر – الذي كان أحد الأشخاص النافعين السابقين لـ “وكالة المخابرات المركزية” وجنرالاً سابقاً في عهد القذافي – بدعمٍ من مصر والإمارات وفرنسا وروسيا. ومن وجهة نظر طرابلس، كان الاتفاق مجدياً: فقد زوّدتها أنقرة بالدفاعات الجوية والمرتزقة. وبالنتيجة تم دحر قوات حفتر من دون أن تُهزم.
وفي الشهر الماضي، أطلقت مصر تهديداتٍ بالتدخل في ليبيا بجيشها الخاص، وفي الأسبوع الماضي، أعلنت مصر واليونان أنهما تتفاوضان على اتفاقية حول حدود بحرية بينهما. ويعني ذلك أن الجو حارّ مناخياً ودبلوماسياً.
ومن غير الواضح إلى أين ستفضي الأمور. فأوروبا تتصرف بأوروبيّتها المعتادة، حيث أمّنت ألمانيا توقفاً دبلوماسياً مؤقتاً، ولكنه باء بالفشل. وأُعلن يوم الاثنين أن فرنسا أرسلت طائرات مقاتلة إلى قبرص. ويبدو أن بريطانيا، التي تملك قاعدة جوية – تراقب منها طائرات التجسس الأمريكية الأحداث في سوريا ولبنان – ومركزاً لاستخبارات الإشارات في الجزيرة، تختار الدبلوماسية الهادئة، شأنها شأن الولايات المتحدة التي كانت قد زوّدت اليونان وتركيا سابقاً بمقاتلات “أف-16”. وقد التقي وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مع نظيره اليوناني يوم الجمعة.
إنّ الحل الأمثل والأشبه بالحلم هو نجاح تركيا في اكتشاف النفط أو الغاز في مياه تخضع بدون منازعة للسيادة التركية. لكن هذا الأمر غير محتمل. لذلك، فإن الوضع الذي يحتاج إلى محامين يقوم بنشر القوات البحرية.
سايمون هندرسون
معهد واشنطن