ارتفعت أعداد الشركات الصناعية الدفاعية التركية التي دخلت قائمة “ديفينس نيوز” الأميركية إلى سبع شركات بعد أن كانت خمسا خلال العام الماضي. وعلى الرغم من التقدم التركي في هذا المجال يستبعد خبراء عسكريون بلوغ أنقرة الريادة لافتقارها إلى تكنولوجيا محلية متقدمة ما يصعب عليها طريق المنافسة الدولية، إضافة إلى ما يشهده النظام التركي من انتقادات محلية لانشغاله بالإنفاق وتمويل البرامج العسكرية فيما تسقط البلاد بين براثن أزمة اقتصادية خانقة.
أنقرة – يروج النظام التركي برئاسة رجب طيب أردوغان لتحقيق الصناعات العسكرية التركية تقدما، ففي رواية أردوغان، ارتفع عدد برامج صناعة الدفاع التركية من 62 في سنة 2002 إلى 700 اليوم. ولا تعكس تصريحات أردوغان والأرقام التي يستند إليها غير أوهام تركية في قدرة بلاده على تعزيز نفوذها في المجال العسكري، فيما تشكو الصناعة العسكرية المحلية نقاط ضعف عدة أهمها الافتقار إلى التكنولوجيا المتقدمة.
وتشير الأرقام المحلية إلى ارتفاع في عدد شركات الدفاع والفضاء من 56 إلى 1500. وكانت الحكومة تدير برامج بقيمة 5.5 مليار دولار في تلك الفترة. واليوم، أصبحت هذه القيمة في حدود 75 مليار دولار. كما ارتفع حجم مبيعات الصناعة المحلية من 1 إلى 10.8 مليار دولار وقفزت الصادرات من 248 مليون دولار إلى أكثر من 3 مليارات دولار.
ثم أصبحت الصورة تشمل شركتين تركيتين لم تكونا مدرجتين في قائمة مجلة “ديفينس نيوز” الأميركية التي تصنّف أفضل 100 شركة عالمية في مجال الصناعات الدفاعية سنويا في العام الماضي، وأضافتهما المجلّة إلى قائمتها للسنة الحالية، مما يرفع عدد للشركات التركية المدرجة في القائمة إلى سبع.
وتتمثل هذه الشركات في أسلسان المتخصصة في الإلكترونيات العسكرية (المرتبة 48 في القائمة)، والشركة التركية لصناعات الفضاء (المرتبة 53)، وشركة “بي.إم.سي” التركية للصناعات العسكرية (المرتبة 89)، وشركة روكيتسان التركية للصناعات الدفاعية (المرتبة 91)، وشركة الهندسة وتجارة التكنولوجيا الدفاعية “أس.تي.أم” (المرتبة 92)، وشركة “أف.أن.أس.أس” للصناعات الدفاعية (الجديدة هذا العام في المرتبة 98)، وشركة “هافلسان” التركية للصناعات الإلكترونية الجوية (الجديدة هذا العام في المرتبة 99).
ومن بين الشركات السبع، تسيطر الحكومة على خمس شركات. وتجسّد شركة “بي.إم.سي”شراكة تركية قطرية، وتبقى”أف.أن.أس.أس” مملوكة للقطاع الخاص. وقد اعتبر البعض هذه التطوّرات قصة نجاح بكل المقاييس. ووفقا للحكومة التركية، انخفض اعتماد البلاد بفضلها على أنظمة الدفاع الأجنبية من 80 إلى 30 في المئة.
وأكّد أردوغان هدفه في إنهاء الاعتماد على الأنظمة الأجنبية بحلول سنة 2023، وهي الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية. لكن مع كل ذلك الكلام والمؤشرات الإيجابية التي ترصدها الجهات العالمية المتخصصة، فإن بعض المراقبين يرون أن تركيا منتشية بأحلام الريادة في مجال الصناعات العسكرية ومنافسة كبار اللاعبين في هذه السوق، وهذا لن يتحقق قريبا، وما يجعلها تخسر رهانها هو عدم قدرتها على الإنتاج.
ويشرح الكاتب التركي بوراك بكديل في تقرير على موقع “ديفينس نيوز” حجم العقبات التي تحول دون تحقيق الصناعات الدفاعية التركية تقدما حقيقيا، وعلى غرار ما تم رصده في السابق من شكوك في مصداقية ونجاعة العتاد العسكري التركي، يسلط بكديل الضوء على عدة نقائص، إذ يصعب مثلا تحديد نسبة المدخلات الأجنبية في النظم التي تصورها السلطات التركية على أنها أصلية أو أنظمة محلية بشكل كامل.
وهم الريادة
أحلام الريادة في مجال الصناعات العسكرية ومنافسة كبار اللاعبين في هذه السوق لن تتحقق في ظل عجز تركيا عن الإنتاج
يعتبر الافتقار إلى تكنولوجيا متقدمة لتطوير المحركات أحد نقاط الضعف الرئيسية في الصناعة التركية، وعلى سبيل المثال، فإن أهم العوائق أمام تقدّم أحد أكثر البرامج المحلية المرموقة في تركيا دبابة ألتاي، فعلى الرغم من عقد الإنتاج المتسلسل، يبقى التقدّم بطيئا بسبب عدم وجود حزمة طاقة المحرك وآلية النقل.
وبالمثل، يبدو برنامج تركيا المحلي الأكثر طموحا والذي أطلق رسميا في ديسمبر 2010، ويتمثل في تصميم وتطوير الطائرة المقاتلة “تاي تي.أف.إكس”، متوقفا، حيث لم يجد المصنعون المحرك الضروري.
وفي خضم ذلك، يلاحظ المتابعون خطوات تقدّم مشروع سفينة الهجوم البرمائية متعددة الأغراض “تي.سي.جي أناضول”، كما هو مخطط له، وهو برنامج رئيسي بالنسبة للبحرية التركية وبترخيص من الشركة الإسبانية نافانتيا للصناعات البحرية، لكن خبراء الصناعة يقولون إن بصمة أنقرة لا تزيد عن 60 في المئة فقط، وإنها نسخة من السفينة الحربية خوان كارلوس الأول.
كما تعتبر طائرات الهليكوبتر الهجومية “تي 129” النسخة التركية من بين الأمثلة الملموسة عن مدى تأثير السياسة المتبعة من قبل أردوغان على خطط التصنيع العسكري، وهذا النموذج الذي كان يفترض أن يرى النور مستوحى من طائرة “تي 129” التي بنتها شركة أغستاوستلاند الإيطالية البريطانية.
ولذلك، كان إنتاج “تي 129” يتطلب ترخيصا من الشركة الأجنبية الأم، وهو ما لم يحصل، فقد تعطّلت صفقة تصدير تركية بقيمة 1.5 مليار دولار مع باكستان تتمثل في أسطول يشمل 30 طائرة مروحية من هذا الطراز منذ فترة طويلة حيث تنتظر تراخيص التصدير من الولايات المتحدة بما أنها تعمل بمحرك أميركي.
تاريخ من الانتكاسات
خلال العقد الماضي، لم تنجح الصناعة المحلية في تركيا في الوصول إلى حل وطني لسدّ الحاجة إلى أنظمة دفاع جوي وصواريخ بعيدة المدى. وبعد سنوات من الحيرة، وقّعت البلاد صفقة بقيمة 2.5 مليار دولار للحصول على نظام “أس – 400” روسي الصنع. وردا على ذلك طردت الولايات المتحدة أنقرة من برنامج مقاتلات الهجوم المشترك”جوينت سترايك فايتر”متعدد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة والذي يشمل مشروع المقاتلة “أف 35”.
وقال مصدر غربي في أنقرة لموقع ديفينس نيوز، وهو موقع أميركي متخصص في الدفاع والصناعات العسكرية، “سيكلف ذلك قدرات الصناعة التركية الحيوية، التي كان من الممكن أن تكسبها خلال دورة الإنتاج. كما يعني هذا خسارة دخل كبير للصناعة التركية”.
ويتفق المحللون المحليون والدوليون على أن تقنيات الطائرات دون طيار وبناء السفن والإلكترونيات العسكرية والمركبات المدرعة تتقدم بشكل كبير في تركيا. حيث وجدت عملاء أجانب لهذه الأنظمة بسبب المعايير التكنولوجية العالية والأسعار التنافسية.
وتجد التقنيات التي أثبتت كفاءتها مكانتها في أسواق التصدير بسهولة، وخاصة في البلدان التي تتمتع بعلاقات سياسية ودية مع تركيا. وتعد قطر حليف تركيا الإقليمي من الأسواق المربحة والأكثر أهمية، بالإضافة إلى بعض دول شمال أفريقيا وأذربيجان وباكستان وجمهوريات آسيا الوسطى والدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا.
ومع ذلك، شهدت الشركات التي تعتمد على التكنولوجيا الأجنبية باهظة الثمن تراجعا في قدرتها التنافسية الدولية.كما تعثر هذا البرامج التي تديره الحكومة أو تم إيقافه تماما. فقد سحب المستثمرون الأجانب سبعة مليارات دولار من سوق السندات الحكومية المحلية في تركيا في الأشهر الستة الأولى من السنة الحالية.
ويعاني الاقتصاد من حالة ركود، وتواصل معدلات التضخم والبطالة ارتفاعها. ففي نهاية مايو 2020 بلغ عجز الميزانية 90.1 مليار ليرة. وفي سبتمبر من نفس السنة يُتوقع أن يبلغ هذا العجز 139 مليار ليرة. ولذلك يحذر الاقتصاديون من أن صورة الاقتصاد الكلي قد تزيد من الضغط على الحكومة مع سعيها إلى تمويل برامجها العسكرية.
وفيما يشهد الاقتصاد التركي المُتعثر ارتفاعا في حجم المديونية العامة، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة، تحاول الحكومة التركية من خلال سيطرتها على أكثر من 90 في المئة من وسائل الإعلام في البلاد، الإيحاء بأنّ تركيا دولة غنية متطورة اقتصاديا وبأنها بلد الرفاهية والخدمات المميزة، في خطاب رسمي متفائل أقرب إلى الخيال، فيما يبدو الواقع التركي مختلقا تماما في ظل إنفاق عسكري على حساب الاقتصاد، إضافة إلى التمادي التركي في التورط في الأزمات الإقليمية دون اكتراث لمشاغل الداخل.
العرب