انهيار في “وول ستريت”، هكذا يمكن اختصار حالة الهبوط أمس في أول يوم عمل بعد عطلة نهاية الأسبوع وعيد العمال، إذ هوت المؤشرات بنسب وصلت إلى أربعة في المئة، مع زيادة التوقعات حول وجود تصحيح مرتقب للبورصات الأميركية بعد صعود قياسي ومتواصل منذ نهاية مارس (آذار) الماضي.
وبدأت مؤشرات هذا الانهيار في الأسبوع الماضي عندما أنهت البورصات الأميركية الثلاث على خسائر، وسط توقعات مراقبين بأن الارتفاعات الأخيرة لا يمكن أن تستمر في ظل بيانات اقتصادية ضعيفة ومعاكسة تماماً لما يجري في “وول ستريت”. وبدت أسواق المال في أميركا في الأشهر الأخيرة وكأنها تعمل بمعزل عما يجري في الاقتصاد، الذي يعاني تبعات أزمة كورونا، وفي ظل حالات الإفلاس والإغلاق المتواصلة للأعمال والبطالة الضخمة.
تهاوي المؤشرات
وهوى مؤشر داو جونز الصناعي، الذي يقيس الأسهم الصناعية، بنحو 632 نقطة أو بنسبة 2.25 في المئة أمس، بالغاً مستوى 27500 نقطة، كما هبط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الذي يقيس أكبر 500 مدرجة بنحو 95 نقطة أو بنسبة 2.78 في المئة، مغلقاً عند 3331. لكن، الانهيار الأكبر كان في مؤشر ناسداك، الذي يقيس الشركات التكنولوجية، إذ تجاوزت الخسائر أربعة في المئة أو نحو 465 نقطة، ليغلق عند 10847نقطة.
وكان ناسداك قد شهد ارتفاعات بنحو 4000 نقطة أو نحو 60 في المئة من الصعود، وذلك منذ أدنى هبوط له في أزمة كورونا في الـ23 من مارس، عندما بلغ وقتذاك 6860 نقطة، ومنذ ذلك الحين تغير مسار المؤشر صعوداً، إذ شهدت شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “أمازون” و”أبل” و”فيسبوك” وغيرها تحولاً كبيراً من المستثمرين، الذين باعوا الأسهم التقليدية، واشتروا الأسهم التكنولوجية وأسهم شركات الأونلاين، إذ اعتبروا أن أزمة كورونا قد تطول، وتفرض نمطاً جديداً من التعامل مع شركات الإنترنت والتكنولوجيا في المرحلة المقبلة.
وكان من بين أكبر الخاسرين، أمس، سهم شركة السيارات الكهربائية “تسلا”، الذي خسر نحو 21 في المئة، إذ فقدت الشركة نحو 80 مليار دولار من قيمتها، ويعود السبب الرئيس إلى إخراج السهم من مؤشر ستاندرد آند بورز، وإضافة أسهم أخرى في قطاعي الإنترنت والأدوية.
علامات استفهام
لكن، في الأسابيع الأخيرة بدأ المستثمرون يضعون علامات استفهام حول الارتفاعات المتواصلة، وإذا ما كانت فعلاً تعبر عن القيمة الحقيقية لهذه الأسهم أم مجرد مضاربات في تقييمات مستقبلية، بعضها ربما لن يتحقق.
وما ساعد على هذه القفزات هو إمكانية الاقتراض من البنوك بأسعار مخفضة، ثم الاستثمار في الأسهم، وتحقيق عائد مرتفع في وقت قصير، وهو ما بنى الارتفاعات على قاعدة غير متينة مؤسسة على نتائج قوية لغالبية الشركات، خصوصاً تلك المرتبطة بالقطاعات التي ما زالت تعاني في السوق.
ويوجد تخوف لدى المستثمرين من خطوات جديدة قد يتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد الصين قبيل موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، إذ بدأت مؤشراتها تتصاعد في الآونة الأخيرة، مذكرة بما جرى في العام الماضي من زيادة في الرسوم الجمركية ضد البضائع الصينية المستوردة، في حرب تجارية استمرت نحو عام، وانتهت بداية هذه السنة بتوقيع اتفاق ثنائي بين البلدين.
ونقلت “رويترز”، أمس، عن مسؤولين في هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية، أن الولايات المتحدة تعتزم حظر استيراد منتجات من إقليم شينجيانغ غربي الصين، لأسباب متعلقة بالعمالة القسرية ومعاملة بكين مسلمي الإيغور. وكان الرئيس الأميركي قد تعهد في مؤتمر صحافي تقليص علاقة الولايات المتحدة بالصين، قائلاً: “سواء كان الأمر يتعلق بتقليص العلاقات أو فرض رسوم جمركية هائلة على الصين، سوف ننهي اعتمادنا على بكين”.
خطة قد تغير المسار
لكن، في الداخل الأميركي يوجد تفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين على خطة مساعدات تريليونية جديدة للمتضررين من جائحة كورونا، إذ أعرب كبير موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز، أمس، عن تفاؤله بإمكان توصل الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس إلى اتفاق بشأن مشروع قانون جديد للمساعدات الطارئة للمتضررين من “كوفيد 19” قبل انتخابات الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني).
وكان قانون كيرز، الذي قدم مساعدات وإعانات بطالة بنحو 2.2 تريليون دولار، قد انتهى مفعوله بحلول نهاية يوليو (تموز)، وأسهم في تراجع معدل البطالة في أغسطس (آب) إلى 8.4 في المئة.
وتوجد توقعات أيضاً متفائلة حيال الاقتصاد الأميركي، إذ قال اقتصاديون في بنك “مورغان ستانلي” إنه قد يصل إلى مستويات ما قبل فيروس كورونا بحلول الربع الثاني من العام المقبل، في حين أن الأسواق المتقدمة بأكملها قد تصل إلى ذلك المستوى في الربع الثالث من 2021، بينما قد يتعافى الاقتصاد العالمي إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول أوائل الربع السنوي المقبل، أي قبل نحو ثلاثة أشهر، مما كان متوقعاً في السابق.
النفط يهبط والذهب يرتفع
وفي أسواق النفط، انخفض سعر خام برنت من دون حاجز 40 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ يونيو (حزيران)، إذ هبط بنحو 5.3 في المئة، ليصل إلى 39.78 دولار للبرميل. كما تراجع سعر العقود المستقبلية لخام نايمكس الأميركي بنحو 7.6 في المئة إلى 36.76 دولار للبرميل.
أمّا الذهب فقد عاد إلى الارتفاع في ظل المخاوف في أسواق الأسهم، إذ صعد 0.15 في المئة إلى 1931 دولاراً للأوقية (الأونصة)، بينما صعدت العقود الآجلة الأميركية 0.5 في المئة إلى 1943 دولاراً للأوقية (الأونصة).
اندبندت عربي