كردستان على عتبة الانتظار

كردستان على عتبة الانتظار

تنزيل

انتهى اجتماع الأحزاب الكردية الخمس، والذي عقد في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق يوم امس، حول موضوع رئاسة الاقليم بالتأجيل والبت فيه حين الاجتماع القادم. إذ اتفق المجتمعون على 13 نقطة، الا انهم أجلوا البحث بمسألة في غاية الأهمية وهي آلية انتخاب رئيس الإقليم، وناقشوا مسألة سحب منصب القائد العام للقوات المسلحة من الرئيس، حيث أكد رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان فؤاد حسين في مؤتمره الصحفي، الذي عقد بعد إنتهاء الإجتماع بأن يوم الأحد القادم والذي سيوافق 30آب/اغسطس الجاري، سيشهد اجتماعاً حاسماً لاتخاذ القرار النهائي فيما يتعلق بقانون رئاسة الإقليم. وفي هذا السياق نتساءل لماذا نشبت الأزمة السياسية في الأقليم، وماهي جذورها، وآفاق حلها؟

 وكان للقرار الذي اتخذته المفوضية العليا للإنتخابات في إقليم كردستان العراق في 17حزيران/يونيو من العام الحالي، والذي يقضي بتأجيل الإنتخابات الرئاسية في الإقليم متذرعة بعدم وجود ميزانية ووقت كاف لإجراء الانتخابات التي كانت مقرر إجراؤها في الشهر الحالي آب/أغسطس، سببا كافيا لتأجيج أزمة سياسية بين حزب الديمقراطي الكردستاني من جهة والأحزاب السياسية الكردية الأخرى (حزب الإتحاد الديمقراطي، وحركة التغيير، والإتحاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية) من جهة ثانية.

 فتأجيل الانتخابات يعني تمديد مدة رئاسة مسعود برزاني، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية مباشرة وهذا ما يسعى إليه الحزب الديمقراطي، في حين ترفض الأحزاب الاخرى ذلك، مطالبة بتعديل قانون رئاسة الإقليم، والحد من صلاحيات منصب الرئيس، وانشاء نظام نيابي.

وكما هو معروف انتُخب الرئيس مسعود البرزاني من قبل المجلس النيابي الكردي في العام 2005م، ثم اعيد انتخابه بالاقتراع العام في عام 2009م، وفي آب/ أغسطس 2013م، جرى تمديد مدة حكمه بعامين توافقا، بموجب اتفاق بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، وجميع القوى السياسية الكردية.

وحاول الحزب الديمقراطي الكردستاني القيام بمناورة جديدة هذا العام؛ بهدف تجديد مدة حكم رئيسه لولاية جديدة، إلا أنه فوجئ بتغيير موقف الأحزاب السياسية الأخرى في الإقليم. وهذا التغيير بمواقف الأحزاب ليس ببعيد عن ارتباطاتها الإقليمية. وعلى الرغم من إظهار الحزب الديمقراطي الكردستاني استعداده للتفاوض، خاصة مع صعوبة تنظيم انتخابات رئاسية والتي ستتطلب اكثر من 6 أشهر من التحضير، فإن الأحزاب السياسية المشار إليها آنفاً أرادت حل هذه الأزمة في المجلس النيابي، وليس على أساس التوافق، ليتسبب الاختلاف بشأن مسألة الرئاسة في إبراز صراعات تعود إلى أبعد من النقاش الديمقراطي.

ويمكن القول أن الأزمة المستفحلة بإقليم كردستان في الوقت الراهن سببها إنقسام الإدارة فعلياً في الإقليم بين الحزبين، الديمقراطي برئاسة مسعود برزاني، والاتحاد الوطني برئاسة جلال طالباني، بموجب اتفاق أبرم في 2007م، حيث سمح لهما بمناصفة السلطة والثروة. ليجري الحديث عن فساد مستشري في مناطق الإدارتين، جراء الهيمنة المطلقة لكلا الحزبين على القوى الغليظة من أمن وبيشمركة وموارد. وبالرغم من بروز قوى سياسية جديدة، كحركة التغيير “كوران” بقيادة نوشيروان مصطفى، ومجيئها في المرتبة الثانية بعد الديمقراطي الكردستاني على مستوى الإقليم في الإنتخابات النيابية الأخيرة، وفوزها بأغلبية المقاعد في السليمانية متفوقة على الإتحاد الوطني الكردستاني، فضلا عن النجاح الملحوظ للقوى الاسلامية، إلا أن خارطة إقتسام السلطة والثروة والنفود لم تتغير في الإقليم. حيث بقيت توزيع الموارد والعطايا والعائدات في نطاق المسؤولين المحسوبين على الديمقراطي والاتحاد الوطني، الأمر الذي أعطى الانطباع بأن الأزمة الاقتصادية والاعباء التي ترتبت عنها والمصاعب العامة التي يواجهها الإقليم مصدرها استمرار هيمنة الحزبين.

وما زاد من شدة الأزمة، لجهة تذمر المواطنين وإستياءهم، هو التراجع المخيف في مستوى الخدمات، حيث توقفت المشاريع، وهربت رؤوس الأموال والمستثمرون، وأصبح من الصعب دفع رواتب الموظفين والعاملين في الدوائر الحكومية، بالإضافة الى إنقطاء الكهرباء لساعات طويلة، وبخاصة في درجات حراة غير مسبوقة منذ عقود، ونقص حاد في الوقود، كل ذلك دون أن يؤثر على مستوى ومداخيل المسؤولين واتباعهم في الإقليم، الأمر الذي خلق شرخاً إجتماعياً واسعاً، بين فئة حاكمة تزداد ثروتها باضطراد، وعموم المواطنين، في ظل نظام وصف بنظام سلطاني، يبتعد عن المعايير الديمقراطية وتحركه الولاءات العشائرية والمناطقية السائدة.

والخارطة السياسية للإقليم مثلها مثل جميع دول في بيئة الشرق الأوسط لها أبعادها الإقليمية، حيث يقف حزب الديمقراطي الكردستاني حليفاً لتركيا والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بينما يقف معارضوه في حركة التغيير وحزب الاتحاد الكردستاني مع المحور الإيراني. ويتهم سياسيون في إقليم كردستان، إيران بتحريك حلفائها، لزعزعة استقرار الإقليم، في وقت تقوم فيه الولايات المتحدة وبريطانيا، بدعم برزاني للبقاء في سدة الحكم. إذ مارس بريت ماكغورك نائب ممثل الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وبلاد الشام، ضغوطاً على حلفاء إيران في كردستان لضرورة التوافق لضمان دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإقليمهم في حربهم ضد التنظيم، كما هدد بسحب الإستثمارات الأمريكية في حال إذا شهد إقليم كردستان فراغاً سياسياً واقترح على بقاء الأمور على حالها لحين الإنتخابات النيابية القادمة في أيلول/سبتمبر عام2017م.

على ان توافقا إيرانيا امريكا يلاحظ بهذا الصدد، فقاسم سليماني قائد “فيلق القدس” الإيراني في زيارته للإقليم مؤخرا، اكد من جانبه على ضرورة التوافق حول منصب الرئيس، وتجديد ولاية البرزاني مع ضرورة تحديد الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها، وان من اولويات الامور اليوم عدم افساح المجال امام الانقسام الكردي ليعرقل العمليات العسكرية ضد “داعش”.

ومن جهته، وبحسب ما أوضحه المحاضر في جامعة “صلاح الدين” أوميد رفيق، بأن الولايات المتحدة لن تسمح بوصول التمدد الإيراني الذي اجتاح معظم الأراضي العراقية إلى إقليم كردستان، مضيفاً أن إيران تتحكم بسياسة الحكومة المركزية في بغداد، وتحاول من خلال حلفائها في الإقليم إفشال تجربة “العراق الفيدرالي الديموقراطي”، عبر زعزعة استقرار الإقليم، لتهيئة المناخ لإقامة كانتونات سياسية للقوى التي تتحكم بالقرار السياسي في الإقليم. وأشار رفيق في حديثه لـ”المدن” إلى أن مشروع الإدارة الذاتية هو مشروع إيراني، الهدف منه تأسيس كيانات سياسية وعسكرية تخدم أجندتها.

 أما رئيس الكتلة البرلمانية لحزب “الديموقراطي الكردستاني” أوميد خوشناو، أكد في مؤتمر صحافي، 19 آب/أغسطس الجاري، “أن دول إقليمية ومن خلال أحزاب كردستانية حليفة لها في الإقليم، تسعى إلى زعزعة استقرار الإقليم، وإفشال تجربته” وهي إشارة واضحة لدور إيران السلبي في الإقليم.

لمواجهة الأزمة الحالية، ثمة مقاربات مختلفة وقراءات متعددة لسبل الخروج منها. وهناك أشبه ما يكون بصراع بين حلول شكلية جزئية ترفض معالجة الجذور الحقيقية للأزمة، وبين إقتراحات جذرية لإصلاح النظام السياسي وشكل الإدارة برمته في الإقليم. تنطلق الأولى من ضرورة أخذ المخاطر التي تتهدد الإقليم، من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، بعين الإعتبار، لما يترتب عن ذلك من تهديد وجودي للإقليم وشعبه، وترى في شخصية رئيس الإقليم مسعود البرزاني، المنتهية ولايته حسب القانون، منذ 20 من الشهر الجاري، الضمانة الحقيقة لمواجهة “داعش”، والكاريزما القيادية الوحيدة القادرة على ضمان إستمرار الدعم الدولي لجهود محاربة “الدولة الإسلامية” على تخوم إقليم كردستان العراق.

في حين ترى الثانية أن الإقليم بحاجة الى مراجعة شاملة لتجربته، وإتفاق بين القوى الرئيسة فيه على شكل النظام السياسي، وإقرار دستور، وإنهاء حالة الإنقسام الإداري، ومعالجة كل المشاكل تحت قبة البرلمان، من خلال جعل هذا الأخير المنظم والموجه الأساسي للحياة السياسية في كردستان، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل الصلاحيات الحالية لرئيس الإقليم، وهيمنة مراكز الفساد المستفيدة من الإدارة الحالية.

ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن رئيس إقليم كردستان، يشغل منصبه منذ عام 2005م وحتى الآن. ويتمتع بصلاحيات واسعة أهمها، اتخاذ قرار مشاركة قوات البيشمركة في أي حرب داخل أو خارج البلاد، وتعيين القائد العام لقوات البيشمركة، ورئيس جهاز الاستخبارات، ومدير الأمن العام، ورئيس المحكمة الدستورية العليا، والنواب العامين.

ومن صلاحياته أيضا: الموافقة على، أو رفض القوانين الصادرة عن البرلمان، وتحديد مدة الانتخابات البرلمانية العامة، وحل البرلمان في حالات الطوارئ، وإصدار المراسيم التي هي بحكم القوانين، ويحق للرئيس في إقليم شمال العراق، إصدار قانون للعفو العام، ووقف أحكام الإعدام وتحويلها لسجن مدى الحياة، وإعلان حالات الطوارئ، وترؤس جلسات مجلس الوزراء إذا اقتضت الضرورة، وتشكيل الحكومات الانتقالية، والمصادقة على قائمة أسماء الوزراء، أو رفضها، وإحداث أو إلغاء مؤسسات، أو هيئات جديدة.

لعل ما يثير الانتباه هنا، أنه رغم تصريحات كافة الجهات السياسية الفاعلة في كردستان وتاكيدها على النظام البرلماني في الإقليم، ونبذها لكل اشكال الفساد والنهب، إلا أن الواقع الفعلي وممارسات القوى المهيمنة والعراقيل امام إقرار دستور في الإقليم ومعارضتها لرفع الغطاء عن المسؤولين وأبناءهم والمحسوبين عليهم وممارستهم غير قانونية تجعل من إصلاح الاوضاع في الإقليم امر في غاية الصعوبة، ما يستدعي حسب البعض، تشكيل حراك مدني سلمي ضاغط في الشارع، وإعلام حر. وإذا ما أضفنا عامل إتفاق القوى السياسية على موقفها الداعي الى ضرورة إنتخاب الرئيس في أروقة البرلمان، بعد تقليص صلاحياته، لصالح رئيس الحكومة، وضرورة ممارسة الحكومة والنظام لسلطته على كامل تراب الإقليم، وليس على جزء منه، كما هي عليه الان، والإصرار على جعل قوات الشرطة والبيشمركة والأمن قوات غير تابعة لهذا الحزب أو ذاك، عندها يمكن القول أن الإقليم سيشهد تحسناً في أوضاعه وذلك سينعكس على المواطنين وحياتهم ومستقبلهم.

د. معمر فيصل خولي

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية