رغم ما تتسم به ماليزيا كونها دولة تعددية ذات ديانات وثقافات وأعراق مختلفة، ومستقرة سياسياً وأمنياً، فإنها لم تستطع القضاء كلياً على التمييز العرقي بين فئات المجتمع، الأمر الذي اعتبره رئيس وزرائها الحالي “مشكلة حقيقية” ما زالت “تعصف بالبلاد”.
وماليزيا بلد عرقيات ثلاث رئيسة هي الملايو والصينيون والهنود، ولكل عرق أحزابه السياسية ومدارسه الخاصة ولغته الأم. بينما يعد التعدد العرقي والديني ميزة أساسية وعلامة بارزة في المجتمع الماليزي، ويرى مراقبون أن القيادات السياسية السابقة نجحت طوال العقود الماضية في إدارة هذا الملف، وتجنب آثاره السلبية التي قد تفضي إلى عواقب وخيمة قد تؤدي إلى حرب أهلية أو تقسيم البلاد.
ومع ذلك فإن قضية التعددية العرقية اتسمت بمنحنيات تاريخية، فقد شهدت البلاد أحداث عنف عرقي في 1969، أسفرت حينها عن مصرع نحو مئتي شخص، وعام 2008 كان شاهداً على توتر جديد، حين خرجت الأقلية الهندية محتجة في شوارع كوالالمبور، منددة بتهميشها وتقييد حقوقها.
جذور المشكلة
قبيل استقلال ماليزيا عام 1957، جلب البريطانيون عمالة من أصل هندي وصيني للعمل في المناجم والمزارع في الأرخبيل. ومع خروج الاستعمار مُنح هؤلاء الجنسية الماليزية، بناءً على اتفاق مسبق، مع منح عرق الملايو وقبائل السكان الأصليين، وضع “بوميبوترا” الخاص أي (سكان الأرض)، وفقاً للمادة 153 من الدستور الماليزي. وميَز قانون بوميبوترا الملايو بامتيازات وتفضيلات عديدة من دون غيرهم، في التعليم والجيش والخدمات العامة والمناصب السيادية.
لكن، ذلك “العقد الاجتماعي” لم يعترف بأحفاد التجار الهنود والصينيين الذين وصلوا قبل الاستعمار، الأمر الذي لا يزال منغصاً ومصدراً للخلاف حتى هذه اللحظة.
وتظهر تلك المشكلة جلياً في ملفات حساسة، مثل توزيع الثروة، إذ تشعر عرقية الملايو، التي تشكل أكبر جزء في المجتمع الماليزي، باضطهاد، وتوجد مطالبات عديدة من قبل الملايو بمزيد من الدعم الاقتصادي للحفاظ على هوية البلد. والأمر يقابله امتعاض من قِبل العرقية الصينية والهندية، التي ترى أن معظم الدعم يصب في مصلحة الملايو.
وترى القيادة السياسية للبلاد أن عرق الملايو يحتاج إلى مزيد من الدعم الاقتصادي، لرفع مستوى المعيشة، ليتساوى مع المستوى المعيشي لغيرهم من الأعراق، خصوصاً الصينيين.
اعتراف حكومي
وقال رئيس الوزراء الماليزي تان سري محيي الدين ياسين، إن التوتر العرقي “مشكلة ما زالت تعصف بالبلاد”. واعترف أنه “لا يمكن” محو التوترات العرقية بالكامل، لكنه أكد إمكانية تحييد تلك التوترات، وتجنب أي تأثير سلبي لها. مشدداً على خطورة ما قد تؤدي إليه وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت في متناول الجميع، حينما يتعلق الأمر بالعرق أو الدخل أو الدين.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يعبر فيها محيي الدين عن قلقه إزاء تلك القضية، فقد أشار غير مرة عندما كان وزيراً للداخلية في ظل حكومة تحالف الأمل السابقة، إلى “تزايد مشاعر الكراهية” تجاه العرق والدين والملكية في البلاد.
اقرأ المزيد
مهاتير محمد يستقيل… وماليزيا تبحث عن زعيم الأغلبية
رئيس وزراء ماليزيا الثامن … صاحب التحالفات الغامضة
وسعت الحكومات المتعاقبة للتخفيف من وطأة الاختلاف العرقي والديني، للتغلب على المخاطر المحتملة، فقد أطلقت الحكومة برنامجاً للقضاء على الفقر، ولم تكتفِ بمراعاة التكوين العرقي والإثني، لكن أيضاً حرصت على وجود كثير من العوامل الأخرى، لخلق فرص عادلة ومتساوية للجميع. وقال محيي الدين إن مثل تلك البرامج تهدُف إلى “ضمان توزيع ثروة البلاد، والتمتع بها على قدم المساواة بين أبناء الشعب”.
وحول رؤية الرخاء المشترك الجديدة 2030، التي أطلقها مهاتير محمد العام الماضي، يرى رئيس الوزراء السابق أن السياسات الواردة في الرؤية “لن تحل” جميع مشكلات الدولة، لكنها يمكن أن تساعد في التغلب على كثير من عدم المساواة في المجتمع.
فجوة عرقية
ووضع محيي الدين ياسين، أجندة سياسية واقتصادية تراعي الانسجام العرقي والسلام الوطني، وقال إنه “لن يساوم” على أي شكل من أشكال التطرف الذي يمكن أن يهدد ذلك الانسجام. مؤكداً أن نشر أي أيديولوجيات أو ممارسات متطرفة من أي جهة كانت ستواجه بإجراءات صارمة تستند إلى القانون. لكنه في الوقت نفسه، عبر عن دعمه المنظمات الإسلامية غير الحكومية، للحفاظ على عقيدة المسلمين بعيدة عن التطرف.
بينما يرى مهاتير محمد، أن الفجوة العرقية كانت وما زالت أحد أسباب عجز البلاد عن تحقيق مكانة متقدمة، مثل كوريا الجنوبية والصين. باعتبار أنها تخلق تبايناً بين طبقة الأغنياء والفقراء. محذراً من أن ذلك الوضع قد يقود إلى حركات ثورية كتلك التي تحدث في الدول الأوروبية. لكنه يرى أن ماليزيا قادرة على التغلب على محاولات بعض الجماعات، لإحداث انقسامات بلعبها على وتر العرقية.
الخط الجاوي
خلال فترة حكم تحالف الأمل، أثارت قضية تدريس الخط الجاوي، (نظام كتابة مشتق من الأبجدية العربية، تكتب به اللغة الملايوية في بروناي وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وبعض ولايات تايلندية ما قبل الاستعمار)، في المدارس الماليزية بشكل إلزامي، وأقرت الحكومة الأمر رغم تبعاته على التحالف والشارع الماليزي، ما أدى إلى إشعال شرارة الاختلاف الثقافي في البلاد، وأثار ردود فعل غاضبة من قبل الصينيين والهنود الماليزيين على المستويين الشعبي والسياسي، على رغم أن الكتابة الجاوية بالخط العربي ما زالت معتمدة في الإدارات الثقافية والدينية في بعض الولايات الماليزية، مثل كيلانتان وترينغانو.
وصرح حزب العمل الديمقراطي، ذو العرقية الصينية، عبر وسائل الإعلام بالخروج من التحالف الحاكم، الأمر الذي مثل تهديداً حقيقياً لبقاء مهاتير في السلطة. بينما أصر مهاتير على قراره، مدعياً أن المعترضين يمثلون شريحة بسيطة في المجتمع، كما حذر من “رد فعل الملايو” على التحركات المناهضة للخط الجاوي. لكنه استجاب للضغط الذي مورس من قِبل كيانات غير ملاوية، أفضت إلى استقالة وزير التعليم في الحكومة.
مؤتمر كرامة الملايو
تعرض “مؤتمر الملايو للكرامة” لانتقادات من قادة حزب العمل الديمقراطي المعروف بالحزب الصيني، إذ سأل ليم كيت سيانغ، عما إذا كان منظمو المؤتمر سيلتزمون الدفاع عن قضية الجماعات العرقية الأخرى. مضيفاً أنه لا يمكن أن تكون هناك كرامة لماليزيا، إلا إذا كانت كل مجموعة عرقية ودينية في البلاد تتمتع بالكرامة، وملتزمة المبادئ الأساسية في الدستور.
وكان المؤتمر الذي نظمته عدة جامعات قد ركز على المشكلات التي يواجهها مجتمع الملايو في مجالات التعليم والدين والثقافة والسياسة والاقتصاد.
التعددية الدينية
على رغم التعددية الدينية فإن الدستور الماليزي ينص على أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام. وتظهر التعددية الدينية جلية لزائري ماليزيا، خصوصاً في عاصمتها، فبين كل مسجد وكنيسة ومعبد بضعة أمتار، كما تظهر حرية العبادة مع اختلاف الديانات بين السكان كما تسعى السلطات إلى نشر التعاليم الإسلامية الوسطية.