خطط البنتاغون في لعبة: خارطة وجنود ونرد

خطط البنتاغون في لعبة: خارطة وجنود ونرد

تبدو لعبة مصممة خصيصا لأكبر وزارة دفاع في العالم في غاية الأهمية من حيث الحصول على أدوات لتطوير مهارات التفكير الإستراتيجي وتنميته بما يتناسب مع التطورات الحالية والمستقبلية. فلعبة “هيدجمون” تدرب مخططي البنتاغون والدارسين والباحثين والعسكريين على كيفية إنشاء سياسة دفاعية توازن بين الأهداف والوسائل في ظل ميزانية محدودة.

واشنطن – لم تكن لعبة “هيدجمون” للخيارات الإستراتيجية مجرد لعبة عادية تحاكي صراعات وحروبا تقليدية بين جيوش نظامية أو لعبة فيديو عن حروب العصابات، بل هي من الألعاب التي صممت خصيصا لمساعدة مخططي وزارة الدفاع الأميركية على صياغة إستراتيجية الدفاع الوطني وإدارة الصراعات والتخطيط العسكري الاستراتيجي في مناطق مختلفة حول العالم.

ولم تكن اللعبة هي الأولى التي تستخدمها وزارة الدفاع الأميركية في تعليم وتدريب عناصرها وقادتها العسكريين على تطوير مهاراتهم القتالية والخطط العسكرية الإستراتيجية، لكنها ساهمت في صياغة إستراتيجية دفاعية لأقوى قوة عسكرية في العالم.

في العام 2018، طلب جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، الذي استقال من منصبه في العام الموالي، من مؤسسة “راند” الفكرية مساعدة فريقه في البنتاغون على صياغة إستراتيجية الدفاع.

عملت مؤسسة “راند” التي تقدم تحليلات وأبحاثا للقوات المسلحة الأميركية، على صناعة اللعبة لتدريب مخططي البنتاغون على كيفية إدارة خطط عسكرية إستراتيجية، وكيفية إنشاء سياسة دفاعية توازن بين الأهداف الإستراتيجية والوسائل العسكرية وميزانية دفاع محدودة.

وتظهر لعبة “هيدجمون” عالما مقسما إلى أوامر مقاتلة أميركية مثل القيادة المركزية أو القيادة الهندية والمحيط الهادئ أو القيادة الأوروبية. يتم أخذ الفرص من خلال رمي النرد ورسم “بطاقات الأحداث”، التي يمكن أن تحاكي حوادث عشوائية مثل هجوم إرهابي أو اضطراب سياسي في الداخل أو في الخارج.

تقول المؤسسة الأميركية إن اللعبة، التي تساعد على معرفة ما يحدث عندما تتعارض الموارد والالتزامات العسكرية، ستكون لمتخصصي الدفاع الطموحين في كليات الدراسات العليا للسياسة العامة وكليات الأركان العسكرية.

ويرى مايكل بيك، المختص في شؤون الدفاع في مجلة “فورين بوليسي” في تقرير نشره بشأن اللعبة الجديدة أن “رسم البنتاغون بالحبر على صندوق اللعبة والمحاط بالدبابات والطائرات الصغيرة يوحي بأنها ليست لعبة عادية”.

ويشير إلى أن هناك دليلا آخر على أن هذه اللعبة تركز على البنتاغون؛ هو الخارطة.

وتهدف اللعبة إلى مساعدة صانعي السياسات في الولايات المتحدة في مواجهة التحدي الدائم الذي يلاحقهم في مسألة تطوير إستراتيجيات الدفاع الوطني وتقديم قوات عسكرية ذات مصداقية قتالية تحافظ على الردع في زمن الحرب وتوفير الأمن القومي.

وينقل عن مايكل سبيرتاس، أحد مصممي لعبة “هيدجمون” قوله إن “راند تصنع الألعاب منذ الخمسينات من القرن الماضي، لكنها لم تصنع لعبة واحدة للبيع لعامة الناس حتى الآن”.

تقول مؤسسة راند إن اللعبة تحفز على أن تكون القوات العسكرية جاهزة للقتال والانتصار إذا فشل الردع في مواجهة مجموعة متنوعة من التهديدات في بيئة أمنية عالمية متطورة.

وتشير المؤسسة إلى أن اللعبة تقدم للاعبين، الذين يمثلون الولايات المتحدة وشركاءها ومنافسيها الإستراتيجيين، وضعا عالميا وحوافز وقيودا وأهدافا وطنية متنافسة، عبارة عن مجموعة من القوات العسكرية ذات القدرات المحددة والموارد المتجددة بشكل دوري لتمكين اللاعبين من تحديد إستراتيجياتهم واتخاذ الخيارات الصعبة لتحقيق أهدافهم.

ويؤكد سبيرتاس أن “هناك عددا قليل جدًا من الأماكن يمكن فيها للأشخاص المهتمين بالسياسة الدفاعية رؤية وزارة الدفاع بشكل أوضح” وذلك من خلال لعبة “هيدجمون”.

ويقول في هذا السياق “عادة ما يتناول الناس مجالاً واحداً، مثل العمل على الاستعداد أو الموقف الدفاعي. ومن النادر جدًا الحصول على رؤية أوسع لوزارة الدفاع”، وطريقة التخطيط العسكري الإستراتيجي التي تتم عادة داخل أروقة البنتاغون.

تعد لعبة “هيدجمون” واحدة من الألعاب التي تسعى مؤسسة راند إلى استغلالها لمحاكاة جوانب الحرب على المستويات التكتيكية والتشغيلية والإستراتيجية لفحص مفاهيم القتال. وأطلقت المؤسسة اللعبة سنة 2020 لتكون ضمن خطط التدريس في كليات عسكرية وسياسية لتنمية مهارات التخطيط لدى الباحثين والطلاب والعاملين في هذا المجال.

يقول العالم في مؤسسة راند مايكل سبيرتاس إنه تم إضافة حرف “دي” في وسط الكلمة “هيدجمون Hedgemony” لحث اللاعبين على تبني استراتيجيات تحوط تقوم على المقايضة بين الأولويات المختلفة.

وتتكون اللعبة من فريق أزرق يمثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي/ الناتو، وفريق أحمر (حيث يهزم البنتاغون الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية على سبيل المثال). يتم تكليف اللاعبين بأدوار محددة، أهمها وزير الدفاع الأميركي وموظفو الوزارة من مساعدين وموجهي المخابرات. تركز اللعبة على اللون الأزرق، مع وجود الأحمر فقط لجعل اللعبة تعليمية وصعبة.

من جانبه، يوضح مايكل بيك أن اللعبة قد تكون الوحيدة غير المصنفة التي تقسم العالم، ليس بالحدود الجغرافية أو السياسية بل من خلال أوامر المقاتلين الإقليمية للجيش الأميركي، مثل القيادة الهندية والقيادة الأوروبية والقيادة المركزية.

ويقول إن اللون الأزرق ينشر قواته العسكرية بين هذه الأوامر باستخدام رموز صغيرة من الورق المقوى، وإن هناك أيضا بطاقات أحداث يتم سحبها عشوائيا لمحاكاة التطورات المحلية والعالمية، من انقلابات وحروب أهلية إلى الهجمات الإرهابية والاختراقات التكنولوجية.

ويتابع أن “تحديد الانتصار في اللعبة يتم من خلال نقاط التأثير التي يربحها اللاعبون أو يخسرونها اعتمادا على الإجراءات المتخذة من قبلهم وخصومهم”.

ويشير إلى أن الأشخاص الخبيرين بلعبة الحرب الباردة الشهيرة “توايلايت ستراغل Twilight Struggle”، التي نشرت في العام 2005، سيلاحظون التشابه بينها وبين هذه اللعبة.

واللاعبون في “توايلايت ستراغل” هم الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي المتنافسان الرئيسيان للتأثير على خارطة العالم باستخدام البطاقات التي تتوافق مع الأحداث التاريخية.

وتتشابه اللعبتان عن طريق الحصول على المكافآت، حيث تمتلك كل دولة مجموعة من نقاط الموارد التي يساعد إنفاقها في بناء القوات العسكرية والحفاظ عليها، وإعادة نشر تلك القوات بين قيادات المقاتلين، والاستثمار في البحث عن قدرات مختلفة مثل الصواريخ بعيدة المدى والدفاع الصاروخي وقوات العمليات الخاصة.

عمل البنتاغون على صقل القدرات العسكرية لقادته وجنوده المنتشرين في مناطق مختلفة حول العالم، لتأمين مصالح الولايات المتحدة. وتعد لعبة “هيدجمون” ضمن الألعاب التي تستخدمها وزارة الدفاع الأميركية لتدريب العسكريين في مختلف القطاعات على التعامل مع الأخطار التي تواجههم وكيفية استكشاف السيناريوهات المحتملة لهذه الأخطار.

ويبدو أن اللعبة المصممة خصيصا لوزارة الدفاع، تعكس طبيعة التحالفات العالمية الحالية، وكيفية إدارة الصراعات والخيارات المتاحة للتعامل مع الأخطار المحتملة، إضافة إلى التدريب على مناورات عبر “تمارين الخارطة الورقية” والألعاب المدعومة بالكمبيوتر.

ويقول المختص في شؤون الدفاع مايكل بيك “إذا كانت لعبة هيدجمون تبدو بسيطة ظاهريا، فربما لن تكون محاكاة واقعية لكيفية عمل البنتاغون”.

ويوضح أن “لكل دولة – حتى تلك التي تنتمي إلى نفس الفريق – أهدافها الخاصة. وهذا يعني أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة متحالفة في الغالب ضد الدول الحمراء، فإنها تتنافس أيضا مع أوروبا الزرقاء”.

ويشير إلى أنه يمكن أن يكون هناك فائزون متعددون، لكن يجب أن يخسر شخص ما. ويعطي مثالا على ذلك: تخسر أوروبا إذا حققت روسيا أهدافها، وتخسر الولايات المتحدة والصين إذا فازت كوريا الشمالية، مما يعني أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة والصين قد تكونان خصمين في هذه اللعبة، إلا أن لديهما أيضا سببا للتعاون في بعض القضايا.

ويبين بيك في تقريره أن الولايات المتحدة تبدأ في اللعبة “بمجموعة أكبر بكثير من نقاط الموارد التي يجب إنفاقها مقارنة بالدول الأخرى، لكن يتم استهلاك معظم الميزانية من خلال الحفاظ على القوات الحالية، وللبحث عن تقنيات جديدة أو تحديث الجيش، يعني التخلي عن مورد آخر”.

ويقول إن الدول الأخرى في اللعبة “تملك موارد أقل بكثير، مثلا كوريا الشمالية لديها ثمن إجمالي الولايات المتحدة، لكن ليس لديها أيضا التزامات عالمية”.

وتؤكد مؤسسة راند في هذا السياق أن هدف اللعبة هو جعل القوات قادرة على القيام بمهامها في ظل مخاطر مقبولة سواء في الوقت الحاضر أو ضد تهديدات تظهر في المستقبل.

العرب