ليس هناك شيء غير طبيعي في التقارب العراقي السعودي. الحدث ليس استثنائيا لولا أن ظروف العراق تضفي الطابع الاستثنائي على كل حدث.
بالنسبة للسعودية فإنها لا ترمي من وراء مد يد العون للعراق سوى إلى المساهمة في إنقاذ جار شقيق. تكفي إحدى الصفتين لكي تكون مسوغا للقيام بدور إيجابي، يكون من شأنه أن ييسر ما صار إنجازه صعبا.
أما بالنسبة للعراق فإن امتناعه عن طلب النجدة من أخوته يعد نوعا من الانتحار الذي لا يمكن القبول به إنسانيا وسياسيا.
لقد صار من الصعب بعد كل هذه السنين العجاف التي مرت على العراق تخيل أن يكون تابعا لدولة أخرى ومسيرا من قبلها. فالعراق ليس دولة صغيرة أو قليلة السكان وهو أيضا ليس بلدا فقيرا بالرغم من الفساد الذي نخره سيظل يدفع به إلى حافات الإفلاس. والعراق أيضا لا يفتقر إلى الخبرات في كل المجالات وبالأخص الاقتصادية والنفطية والتقنية والصحية.
ليس من المستبعد أن تتوجه عيون العراقيين إلى عرعر باعتبارها بوابة الأمل. ذلك سيكون بداية للتغيير. وهو ما ينتظره العراقيون بعد أن تعبوا من انتظار غير مجد
أما وقد انقلبت أحواله رأسا على عقب بعد الاحتلال الأميركي وصار جهلته يديرون شؤونه بحيث صار عراقا آخر. دولة لا يتعرف عليها حتى أبناؤها. فذلك لن يشكل سببا لأن يتخلى عنه أخوته. فالعراق مريض.
نعم. العراق مريض بالطائفية التي تم غرز جراثيمها في جسده منذ أن استباح الأميركان كل شيء فيه ولم يحترموا القوانين الدولية التي تدعو المحتل إلى الحفاظ على الدول التي يحتلها. بشرها وثرواتها وقوانينها ومؤسساتها ومظاهر التمدن والبنية التحتية فيها.
لقد هدم الأميركان كل شيء. عبثوا بكل شيء. أزاحوا كل شيء عن مكانه. ووضعوا الحكم عهدة بأيدي أحزاب باركت احتلالهم واستمرت في السير على الخط الأميركي في الهدم والسرقة والتدمير والوحشية والقتل إلى أن انتهى العراق بلدا موحشا يقف الفساد بينه وبين رؤية أي نوع من أنواع الثقة على وجوه أبنائه. لا يثق العراقيون بأنفسهم ولا يثقون بالآخر.
لقد رأوا من أنفسهم ما لا يتوقع المرء أن يراه في نفسه من شرور.
كل هذا من أجل مَن ومن أجل ماذا؟
لقد جروا وراء الأكاذيب فيما كان اللصوص يهربون بثرواتهم. انفصلوا عن محيطهم العربي من أجل أن يكسبوا حب إيران غير أنهم وجدوا أنفسهم يمشون في حقول ألغام أقامتها الميليشيات الإيرانية أو العصابات التي وضعت نفسها في خدمة إيران ولم تكن إيران نفسها لتملك إلا ثقافة الموت بضاعة تعيش عليها وتصدرها وتقدم نفسها إلى العالم من خلالها.
في واقع الأمر فإن إيران استهلكت كل ما يمكن أن تقدمه وهي صغيرة في ما تملكه قياسا بالخزين الثقافي العراقي الذي صار يضيق بما يجري حوله رغم فوهات البنادق المصوبة إلى رؤوس الشباب المحتجين.
لا يليق بالعراقي أن يعيش بالطريقة التي قررها النظام الإيراني والحرس الثوري. لن تتمكن الأسلحة من تقديم الحل وإيران لا تملك سوى الأسلحة. هنالك قوة أكبر من إيران أجبرتها على الصمت وتجميع عصاباتها في مكان بعيد عن المكان الذي تجرى فيه المفاوضات العراقية السعودية. ليست الولايات المتحدة هي تلك القوة وإن كانت طرفا ثالثا في الاتفاق الاستراتيجي. الشعب العراقي هو تلك القوة.
ولا أعتقد أن المملكة العربية السعودية تغامر بهيبتها في التفاوض مع دولة تحكمها ميليشيات دولة عدوة. لا يضع السعوديون أقدامهم على أراض زلقة. لذلك فإنهم حين يوقعون اتفاقيات في مجالات الكهرباء والبتروكيماويات والغاز والزراعة فإنهم يدركون جيدا أنهم يتعاملون مع عراق مختلف، عراق غير ذلك الذي أشاع الإيرانيون أنه صار حديقتهم الخلفية.
لقد صار من الصعب بعد كل هذه السنين العجاف التي مرت على العراق تخيل أن يكون تابعا لدولة أخرى ومسيرا من قبلها
ولكن ما رأي الميليشيات؟
لا رأي للميليشيات. هناك هدنة ضمنية بين السعودية وإيران موضوعها العراق. فمن غير الاستثمارات السعودية فإن العراق قابل للانفجار. ذلك ما صارت إيران على يقين منه منذ سنوات. وهو ما صار يهدد وجودها في العراق وهو وجود لا بد أن يتهاوى إذا ما أحكم العراقيون سيطرتهم على حياتهم.
وليس من المستبعد أن تتوجه عيون العراقيين إلى عرعر باعتبارها بوابة الأمل. ذلك سيكون بداية للتغيير. وهو ما ينتظره العراقيون بعد أن تعبوا من انتظار غير مجد. فهل نحن متفائلون إلى درجة تفاجئ السياسيين، كونهم يتعاملون مع نتائج أعمالهم بحذر؟
العراق المتفائل هو ما تحتاجه المنطقة كلها. وإذا كانت إيران قد تعاملت معه بغباء عبر السنوات الماضية فإنها اليوم في وضع، تحتاج فيه إلى عراق يقيم علاقات سوية مع جيرانه الآخرين.
العرب