ستّة قتلى هي الحصيلة التي أوقعتها الصدامات بين محتجين في ساحة “الحبوبي” بالناصرية وأتباع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في تطور يرى مراقبون أنه سيزيد من إحراج رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يجد نفسه بين خيارين كلاهما مر؛ فإما الذهاب في مواجهة شاملة مع ميليشيات إيران في العراق أو ترك البلاد تحت الهيمنة الإيرانية.
بغداد – أفادت مصادر طبية في العراق، السبت، بمقتل ستة أشخاص في الصدامات التي جدت في الناصرية الواقعة جنوبي البلاد وذلك بعد مهاجمة أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لمعتصمين في ساحة “الحبوبي”.
وكان نشطاء مناهضون لحكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ويعتصمون في ساحة “الحبوبي”، قد اتهموا أنصار الصدر بمهاجمتهم بأسلحة نارية وعصي وهراوات، علاوة على حرق خيامهم، وذلك بعد دعوة رجل الدين الشيعي أنصاره إلى التظاهر ’’ضد الفساد‘‘، في ما اعتبره مراقبون ضوءا أخضر من الصدر لتدشين حملته الانتخابية.
ومع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة في يونيو المقبل في البلاد التي مزقتها التدخلات الخارجية ولاسيما إيران التي تدعم ميليشيات شيعية، خرج أتباع الصدر في محاولة لاستعراض القوة السياسية، قبل أن يهاجموا محتجين كانوا معتصمين في ساحة “الحبوبي”.
وفي أول تعليق له على الحادثة، أمر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الجمعة، بفتح تحقيق في أحداث العنف التي شهدتها محافظة ذي قار، جنوبي البلاد، وأسفرت عن مقتل 6 محتجين وإصابة أكثر من 60 آخرين، وفق مصدر طبي.
وفي وقت سابق الجمعة، هاجم العشرات من أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، محتجين معتصمين في ساحة “الحبوبي” وسط مدينة الناصرية (عاصمة ذي قار) مستخدمين في هجومهم أسلحة نارية وأخرى بيضاء وعصيّا وهراوات، وفق شهود عيان.
وكانت ساحة الحبوبي مركز المظاهرات الشعبية الاحتجاجية بمدينة الناصرية قد شهدت ليلة الجمعة – السبت أحداث عنف عندما اقتحمت مجموعات من أتباع الصدر الساحة، وقامت بإحراق خيم الاعتصام رافقتها اشتباكات بين الطرفين استمرت حتى ساعات متأخرة من ليل الجمعة – السبت.
وتمكنت القوات الأمنية من السيطرة على الأحداث وإعادة الاستقرار إلى مناطق وسط مدينة الناصرية والانتشار في الشوارع لمنع تجدد الاشتباكات، فيما تعرض منزل أحد الناشطين المدنيين إلى هجوم بعبوة ناسفة في قضاء الرفاعي شمالي مدينة الناصرية دون وقوع إصابات، واقتصر الهجوم على حدوث أضرار مادية.
وقال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، في بيان، إن “القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء، أصدر قرارا بإقالة قائد الشرطة في محافظة ذي قار حازم الوائلي من منصبه”.
وأضاف رسول، أن الكاظمي قرر “تشكيل لجنة للتحقيق في أحداث الجمعة التي جرت في المحافظة، وفرض حظر التجوال فيها، وإلغاء إجازات (تراخيص) حمل السلاح، لمنع المزيد من التداعيات التي تضر السلم الأهلي في العراق”.
وفي تحد للصدر وأتباعه، عاود المحتجون التجمع مساء الجمعة وصباح السبت.
وتعليقا على ذلك، قال المقرب من الصدر، صالح محمد العراقي، الذي يقول كثيرون إنه اسم وهمي لزعيم التيار الصدري نفسه “بالأمس أثبت عشاق آل الصدر انضباطهم وتنظيمهم الدقيق وبالشروط الصحية الحضرية فشكرا لهم، إلا أن الجوكرية (وهو مصطلح ابتكرته الميليشيات التابعة لإيران لوصف المتظاهرين المستقلين) في الناصرية الفيحاء أَبوا إلا التعامل مع الوضع وفق أجندات خارجية مشبوهة أدت إلى تفاقم الوضع لولا رجالات الناصرية الفيحاء الذين أبوا إلا أن ترجع محافظتهم إلى أهلها وإلى رونقها الأول”.
وأضاف العراقي “وبالفعل فقد انتهت أفعالهم السيئة من قطع الطرق والحرق والصلب في تلك المحافظة”.
وتابع “واليوم إذ يعودون إلى التظاهر لسويعات فهذا من حقهم، لكن دون التعدي على الشعب والدولة والشرع والقانون، وإلا فالدولة ملزمة بحماية المحافظة، فإن لم تستطع فإن للعراق جنوده”.
وختم المقرب من الصدر بالقول “أتمنى من المتظاهرين التشرينيين عدم الانجرار خلف شهوات الجوكرية، فنحن والتشرينيون في خانة الإصلاح ما داموا لا يدعمون الشغب والأعمال الإرهابية”.
ويقول مراقبون إن التصعيد الشيعي في بغداد والناصرية يضع الكاظمي في موقف حرج، فإن تحرك لمواجهته قيل إنه يخطو نحو اقتتال شيعي داخلي، وإن أحجم سيُتهم بالضعف وترك الدولة لقمة في يد إيران.
وكان أنصار الصدر قد تجمعوا الجمعة في بغداد ومدن أخرى وسط وجنوب البلاد بينها الناصرية، للتعبير عن دعمهم لزعيمهم مقتدى الصدر في الانتخابات المقبلة.
وسبق لأنصار الصدر أن هاجموا المحتجين في ساحات عامة بأرجاء البلاد قبل أشهر.
وتابع رسول “الكاظمي أكد أن توتر الأوضاع في العراق ليس في مصلحة البلد، وأن لا بديل عن القانون والنظام والعدل، ومن ضمن ذلك العدل تجاه الدماء التي أريقت في أحداث الجمعة”.
وأشار إلى أن “الحكومة العراقية التزمت بتعهداتها، وحددت موعدا للانتخابات (6 يونيو 2021)، ليكون صندوق الاقتراع هو الفيصل الوحيد لتحديد المواقف، وأن بديل هذا الصندوق هو الفوضى التي لا يقبلها دين ولا مبدأ ولا منطلق وطني”.
وتأتي هذه المستجدات في وقت تتسارع التطورات في العراق في سياق ضغط المجموعات الشيعية الموالية لإيران على مصطفى الكاظمي، وهو ما قد يدفع الأخير إلى استقالة مفاجئة تؤدي إلى قلب المعادلة السياسية في البلاد.
ويتوقع المراقبون أن تكون الأيام القليلة القادمة حافلة بالمستجدات، بما في ذلك ردة فعل قوية من الكاظمي ضد هذا التصعيد الشيعي الخطير، أو استقالته.
العرب