نشرت صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) الأميركية تقريرا يروي فيه لاجئون من إقليم تيغراي (شمالي إثيوبيا)، ممن أجبرهم اندلاع القتال في الإقليم بين القوات الحكومية وعناصر الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على الفرار إلى السودان المجاور بحثا عن الأمان، تفاصيل عن صراع مدمر ومعقد يهدد استقرار إثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي بأكملها.
سحل وقتل
يحكي اللاجئ الإثيوبي أشنافي هايلو (24 عاما) لمراسل الصحيفة عبدي لطيف ضاهر -الذي أعد التقرير- كيف قام مسلحون بإيقافه وجرّه بحبل على طول الطريق الترابي الذي كان يسلكه.
يقول أشنافي إنه كان يقود دراجته النارية مسرعا لمساعدة أحد أصدقاء طفولته، بعد أن علم أنه حوصر في هجوم عسكري شنته القوات الحكومية الإثيوبية في المنطقة الشمالية من تيغراي، عندما واجهه رجال مسلحون قالوا إنهم أعضاء في مليشيا مجموعة عرقية منافسة، فسلبوه النقود التي كانت بحوزته ودراجته النارية وضربوه وهم يضحكون بشكل هستيري.
اضطر أشنافي وعشرات من سكان تيغراي للفرار من العنف ليستقروا على مشارف بلدة حمداييت السودانية قرب الحدود الإثيوبية، والتي لا يتجاوز عدد سكانها بضعة آلاف.
حجم المأساة
يقول مراسل الصحيفة إن الروايات التي يرويها اللاجئون عما عاشوه بعد شهر من إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الحرب على تيغراي، تكشف عن صراع مدمر أفسح المجال لعمليات النهب المروعة والعداء العرقي والقتل.
وقد أدى الوضع الأمني في الإقليم إلى فرار نحو 50 ألف شخص إلى السودان حتى الآن، فيما وصفته الأمم المتحدة بأنه أسوأ نزوح جماعي للاجئين شهدته إثيوبيا منذ أكثر من عقدين.
ووفقا لتقرير الصحيفة، فإن روايات اللاجئين الذين فروا إلى السودان تتعارض مع المزاعم التي ما فتئ يرددها رئيس الوزراء الإثيوبي، الحائز على جائزة نوبل للسلام العام الماضي، من أن العمليات العسكرية ضد تيغراي لم يصب فيها مدنيون.
ويصف الفارون من جحيم تيغراي كيف وجدوا أنفسهم تحت رحمة القصف العسكري العشوائي، وحملة القتل والاغتصاب والنهب من قبل المليشيات العرقية المتحالفة مع الحكومة. وقد أخبر العديد منهم مراسل نيويورك تايمز أنهم رأوا عشرات الجثث على طول الطريق وهم يفرّون من متاجرهم ومنازلهم ومزارعهم، ويقطعون الطريق الطويل المؤدي إلى الحدود مع السودان في الحر الشديد.
ويحذر مراسل الصحيفة من أن الصراع قد يتحول إلى حرب عصابات تهدد بتفكيك النسيج الوطني الإثيوبي، كما تهدد استقرار منطقة القرن الأفريقي بأكملها، بما في ذلك إريتريا المتحالفة مع إثيوبيا ضد تيغراي والتي تعرضت للقصف من قبل قوات المتمردين، والسودان الذي نشرت جيشه بكثافة على طول حدوده مع إثيوبيا رغم سماحه للاجئين بالعبور نحو أراضيه.
مليشيات عرقية
ومما يفاقم الوضع -بحسب المراسل- تورّط المليشيات العرقية المتنافسة، ومن بينها “فانو”، وهي مليشيا من العرقية الأمهرية، شاركت إلى جانب قوات الأمن التابعة لحكومة إقليم أمهرة في العمليات العسكرية في تيغراي.
ووفقا للمحلل السياسي الإثيوبي ويليام دافيسون، فإن مصطلح فانو الذي يستخدم عادة بشكل فضفاض للإشارة إلى المليشيات الأمهرية أو الشباب أو المحتجين، فإنه أيضا “الاسم الذي يطلق على مجموعات أمهرة الأهلية الشبابية التي تصبح أكثر نشاطا خلال الأوقات التي يسود فيها انعدام للأمن ويخرج عن سيطرة السلطات”.
وذكر التقرير أن العديد من اللاجئين الذين فروا من تيغراي إلى السودان يقولون إن مقاتلي فانو هاجموهم ونهبوا ممتلكاتهم وقاموا بابتزازهم أثناء محاولتهم الفرار نحو الأراضي السودانية، كما قال العديد منهم -ومن بينهم أشنافي- إنهم يخشون العودة إلى تيغراي، وإن ما عاشوه خلّف لديهم مشاعر عميقة من الخوف والأرق.
المصدر : نيويورك تايمز