التوتر في الشرق الأوسط يفتح فصلا جديدا في سباق التسلح

التوتر في الشرق الأوسط يفتح فصلا جديدا في سباق التسلح

رغم الكمّ الهائل من الاتفاقيات التي أبرمتها البلدان طيلة سنوات لتنظيم عمليات التسلح، إلا أن أحدث المؤشرات تدل على أن هذا السباق، الذي يشهده العالم وبلغ أوجه إبان الحرب الباردة مازال في نسق تصاعدي يشي بفتح فصل جديد في هذا المضمار، وخاصّة بالنسبة إلى الدول الساعية إلى حفظ أمنها الإقليمي والقومي، وفي مقدمتها منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن الشركات الصانعة للأسلحة التي تريد بدورها الحفاظ على مصالحها وأسواقها الحيوية.

ستوكهولم – عندما بدأت جائحة كورونا في الانتشار عالميا العام الماضي رجح خبراء عسكريون أن تواجه حكومات الدول ضغوطا لكبح الإنفاق العسكري بسبب أولويات تفرضها مواجهة هذه الأزمة الطارئة، فضلا عن تحول جبهات الصراع الراهنة إلى جبهات أخرى وهو ما قد يقوض أي خطة لزيادة تمويل الحروب على المدى البعيد.

ولم تجد تلك التوقعات مكانا لها في الواقع الملموس، حيث أن إحصائيات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، والتي أعلن عنها الاثنين، كشفت أن سباق التسليح استمر بوتيرة مستقرة، بسبب التوترات الإقليمية وخاصة تلك التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.

وحتى الآن، لا يزال القلق يراود المتابعين من تواصل الأعمال الحربية في كل من اليمن وسوريا والعراق وليبيا، وكذلك أجزاء أخرى من قارة أفريقيا مثل منطقة الساحل والصحراء والقرن الأفريقي، بالإضافة إلى منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى ولاسيما أفغانستان.

ازدهار تجارة السلاح
تحرك الصراعات الجيوسياسية بين القوى العالمية الكبرى تلك التوترات، كما أن التحشيد العسكري بين التحالفات الإقليمية والدولية لمطاردة فلول الجماعات المتشددة تشكل دوافع كبيرة للحكومات بهدف زيادة نفقات التسليح، والإصرار على تعزيز الترسانات العسكرية لمواجهة كافة التحديات.

وشهدت تجارة الأسلحة الدولية استقرارا في السنوات الخمس الماضية للمرة الأولى منذ مطلع القرن الحالي، ويعود ذلك خصوصا إلى أن الكثير من الدول المستوردة قد شرعت في إنتاج الأسلحة. وقال المعهد إنه “في كل أنحاء العالم، ظل حجم صادرات الأسلحة مستقرا بين 2016 و2020 مقارنة بالفترة الفاصلة بين 2011 و2015”.

ووجد معهد سيبري في أحدث مراجعة لعمليات نقل الأسلحة العالمية، التي لا تتضمن الأسلحة الصغيرة، أنه بمقارنتها بمبيعات فترة السنوات الخمس السابقة من 2011 إلى 2015، لم يكن هناك تغير ملحوظ في حجم صادرات الأسلحة على مستوى العالم للفترة الأخيرة.

وتشير بيانات المعهد إلى أن أكثر من ثلث الأسلحة العالمية التي تم بيعها في جميع أنحاء العالم خلال السنوات الخمس الماضية كان مصدرها الولايات المتحدة، مما يؤكد دورها كأكبر مصدر للأسلحة في العالم.

وقد شكلت صادرات الولايات المتحدة قرابة 37 في المئة من مبيعات الأسلحة العالمية خلال الفترة من 2016 إلى 2020، وباعت الأسلحة إلى 96 دولة، وأن نصف مبيعاتها ذهبت إلى الشرق الأوسط.

ويأتي هذا الاتجاه في سياق ارتفاع الإنفاق العسكري العالمي، ففي العام الماضي بلغ الإنفاق العسكري للدول حوالي 1.83 تريليون دولار أي بزيادة في الأرقام الحقيقية نسبتها 3.9 في المئة مقارنة بالعام 2019.

ووفقا للتقرير السنوي لمعهد آي.آي.أس.أس البريطاني، فإن ذلك الارتفاع الكبير في الإنفاق جاء مدعوما خصوصا بتعزيز قدرات البحرية الصينية.

وفي حين ظلت الصادرات عند أعلى مستوى لها منذ نهاية الحرب الباردة، إلا أنها المرة الأولى منذ الفترة الفاصلة بين 2001 و2005 التي لم تشهد فيها الصادرات ارتفاعا.

وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، زادت ثلاثٌ من أكبر خمس دول مُصدّرة في العالم هي الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، مِن صادراتها، لكنّ هذه الزيادات قابلها انخفاض لدى مُصَدّرين رئيسيّين، هما روسيا والصين.

وتمثل روسيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم، بما يعادل خمس شحنات الأسلحة العالمية. ومع ذلك، انخفضت مبيعاتها بنسبة 22 في المئة مقارنة بالفترة بين 2011 و2015 ويرجع ذلك أساسا إلى الانخفاض الكبير في واردات الهند.

وقال المعهد، الذي يعتمد في إحصاءاته على مصادر عامة تتراوح بين الصحف الوطنية والإقليمية إلى المجلات الدولية المتخصصة فضلا عن التقارير الحكومية والصناعية، إن فرنسا كانت ثالث أكبر دولة مصدرة بنسبة 8 في المئة وأبرمت عدة صفقات كبيرة مع دول من بينها الهند ومصر وقطر. وأكملت ألمانيا والصين قائمة أكبر خمس دول مصدرة.

يبدو نمو واردات الأسلحة في الشرق الأوسط بواقع 25 في المئة، خلال السنوات الخمس الماضية، مقارنة مع الفترة السابقة المنتهية في 2015، مدفوعا بتطلعات بلدان المنطقة لتحقيق أمنها القومي وعلى رأسها السعودية.

فقد استحوذت السعودية، التي تعتبر أكبر مستورد للأسلحة في العالم، على نحو 11 في المئة من الواردات العالمية في تلك الفترة وتلتها على قائمة كبار المستوردين الهند ومصر وأستراليا والصين.

ويقول المعهد إن الزيادة تعود بالأساس إلى المنافسة الاستراتيجية الإقليمية بين عدة دول في منطقة الخليج العربي، وهي ذات الفترة التي شهدت حصارا على قطر بدأ في يونيو 2017 حتى مطلع هذا العام، إذ ارتفعت واردات السعودية من الأسلحة بنسبة 61 في المئة من خلال شراء 91 طائرة مقاتلة أميركية، بينما ارتفعت واردات قطر 361 في المئة.

في المقابل، انخفضت واردات الإمارات من الأسلحة بواقع 37 في المئة، إلا أن العديد من عمليات التسليم المخطط لها للأسلحة الرئيسية بما في ذلك 50 طائرة مقاتلة من طراز أف 35 من الولايات المتحدة موافق عليها في العام الماضي، تشير إلى أن البلد الخليجي سيستمر في استيراد كميات كبيرة من الأسلحة.

وكانت الإمارات قد أسست في العام 2019 المجموعة المتخصصة في قطاع الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة (إيدج) لتتولى إنتاج جزء من استهلاكها في الصناعات العسكرية. وإلى جانب دول الخليج، زادت واردات مصر من الأسلحة بواقع 136 في المئة في السنوات الخمس الماضية مقارنة مع الفترة السابقة، تركز معظمها في الصناعات الدفاعية البحرية.

أما الهند، التي كانت أكبر مستورد للأسلحة في العالم، انخفضت الواردات بنسبة 33 في المئة ويعود ذلك أساسا إلى تعقيد عمليات الشراء، فضلا عن محاولة لتقليل اعتمادها على الأسلحة الروسية.

ويقول سايمن ويزمان الباحث في سبيري إنّ تراجع واردات الأسلحة في بلد ما لا يعني دائما انخفاض الاهتمام بالقطاع. ويضيف أنّ الأميركين في بعض الأحيان مجرّد مسألة خفض في الميزانية أو تأثير دوريّ مرتبط بتجديد ترسانة عسكرية وطنية قبل فترة قصيرة.

لكنّ الإنتاج المحلّي للأسلحة، وهو اتّجاه لوحِظ في السنوات الأخيرة في الكثير من البلدان المستوردة، يُفسّر أيضا هذا الانخفاض في التجارة في هذا القطاع. ويقول ويزمان إنّ “الطلب على واردات الأسلحة يتراجع لأنّ (الدول) قادرة على إنتاج المزيد بنفسها”.

وفي حين تأثّرت الكثير من القطاعات الصناعية في العام الماضي بجائحة كوفيد – 19، لكن صناعة الأسلحة وضعها جيّد حتى الآن. ويوضح ويزمان أنّه لا يزال من المبكر جدا تحديد الأثر الحقيقيّ لفايروس كورونا على القطاع، قائلا “قد يسود اعتقاد بأنّ الآثار، وخصوصا الآثار الاقتصاديّة التي ستتبعه، ستكون كبيرة جدا، لكنّنا لم نرَها”.

وعلى المدى الطويل يتوقع ويزمان أن تُعيد البلدان تقييم ميزانياتها وأن تكون هناك منافسة بين الإنفاق العسكري واحتياجات أخرى. لكن من جهة أخرى عليها أن تجد توازنا مع رؤيتها للتهديدات والتوترات. ويشير إلى أنّه في أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك أوروبا، ثمة “شعور واضح جدّا بأنّ العالم لم يعد مكانا آمنا”.

العرب