ينطوي الوصول إلى التكنولوجيا الرقمية واستخدامها على عواقب إيجابية واسعة النطاق إذا ما استنجدت بها حكومات الدول في الأزمات، كالتي يعيشها العالم اليوم مع الجائحة بعد بدء توزيع لقاحات كورونا حول العالم. ورغم ظهور اتجاهات لعدة بلدان بإصدار شهادات رقمية لمعرفة الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح، إلا أنها تعني زيادة معدلات انعدام المساواة مع الفقراء وأيضا قد تعيق الكثيرين أثناء التنقل.
لندن – تهدّد الضغوط من أجل إثبات الهوية والشهادات الرقمية باستبعاد الفئات الفقيرة والضعيفة من لقاحات كوفيد – 19 مع نشرها في جميع أنحاء العالم، والفوائد التي تأتي معه، الأمر الذي اعتبره حقوقيون معضلة قد تزيد من تعميق الهوة بين الفئات الاجتماعية ولاسيما الفقراء.
وأعلنت الهند خلال الأسبوع الحالي عن إرشادات تتعلق بالمرحلة الأولى من العملية التي من المقرر أن تشمل 300 مليون شخص وتتطلب من المؤهلين التسجيل عبر الإنترنت أولا بتحميل وثائق الهوية، بما في ذلك بطاقة الهوية الرقمية “آدهار”.
ويأتي ذلك بينما قال اتحاد النقل الجوي الدولي، إنه سيطلق تصريح سفر صحي رقميا في مطلع العام المقبل وسيشمل بيانات التلقيح الخاصة بالركاب. لكن، قد يعني الإصرار على بطاقة هوية رقمية للحصول على اللقاح أو الشهادات كدليل على تلقيه، استبعاد بعض الأشخاص ويثير هذا مخاوف بشأن الخصوصية والمراقبة.
وثمة اعتماد لهذه الإجراءات الجديدة دون إيلاء الكثير من الاهتمام لحقوق الإنسان أو تأثيرها التمييزي، بحسب ما أكّد توم فيشر، وهو باحث في منظمة الخصوصية الدولية غير الربحية، الذي رجّح أن تظل مثل هذه المتطلبات قائمة لفترة طويلة بعد نهاية الوباء، مما يزيد من ترسيخ التحيّز.
ويمثل ربط الرعاية الصحية بالبطاقات الوطنية مشكلة كبيرة، وقال فيشر لوكالة رويترز “يمتد مدى وصول بطاقة الصحة الرقمية إلى ما هو أبعد من المطار أين يفتقر الملايين حول العالم إلى هذه الأنظمة، وغالبا ما يكونون المستبعدين”.
ويعدّ الوصول إلى اللقاحات مشكلة بالفعل، وقد لا تشمل العملية الضرورية تسعة من كل عشرة أشخاص في العشرات من الدول الفقيرة خلال العام المقبل لأن الدول الغنية خزّنت جرعات أكثر مما تحتاج، وهو أمر أكده نشطاء خلال الأسبوع الماضي.
وفي نفس الوقت، تطرح المزيد من شركات التكنولوجيا شهادات رقمية يمكن لأرباب العمل وشركات الطيران وغيرهم الوصول إليها على الهواتف الذكية قبل التوظيف والسفر والسماح للمتقدّمين بها بالمشاركة في أنشطة أخرى.
خلق الحواجز
فيما قالت إسرائيل إنها تخطط لإصدار “جواز سفر أخضر” لأولئك الذين يحصلون على اللقاح، مما سيمنحهم سهولة الوصول إلى المطاعم والفعاليات الثقافية ويُعفيهم من قواعد الحجر الصحّي أو إجراء التحاليل قبل السفر، أشارت وزارة الصحة في الهند إلى أن كل شخص يلقّح سيحصل على شهادة إلكترونية تعتمد على رمز الاستجابة السريعة.
رامان جيت سينغ شيما: الشهادات الرقمية ستمس الحق في الخصوصية والتنقل
وفي هذا الإطار، قال مدير سياسة آسيا في منظمة أكسس ناو غير الربحية للحقوق الرقمية، رامان جيت سينغ شيما، إن “مثل هذه الشهادات الرقمية يمكن أن تمس الحق في الخصوصية والحركة وتؤثر على الحياة اليومية”.
ويرى شيما أن اعتماد الشهادات الرقمية في السفر أمر مقلق ستترتب عليه آثار على حقوق الإنسان الأساسية، فهو يحد من الحق في السفر، كما أنه لا يوجد وضوح بشأن الغرض الذي سيتم استخدامها فيه، وما إذا كان سيتم ربطها بقواعد البيانات الأخرى.
وتحتاج أي شهادة لقاح إلى تنظيم دقيق، مع تحديد واضح ومحدد الغرض للتحقق مما إذا كان شخص ما قد تلقى اللقاح. ولا ينبغي استخدامها للحد من السفر أو سبل العيش أو المشاركة المجتمعية، وفق المختصين.
ويبقى نشطاء الحقوق الرقمية في الهند قلقين بشأن الحاجة إلى التسجيل المسبق للقاح في المرحلة الأولى التي ستغطي من تجاوزوا الخمسين سنة. ووفقا لإرشادات الحكومة الصادرة هذا الأسبوع، لا يوجد شرط للتسجيل الفوري.
وهذه المرحلة وفق أسامة منزار، مدير مؤسسة التمكين الرقمي غير الربحية في دلهي، تخاطر باستبعاد الملايين من الأشخاص الذين لا يمتلكون هاتفا ذكيا أو جهازا رقميا آخر، أو يفتقرون إلى القدرة على استخدام التكنولوجيا.
وللهند بالفعل بنية لقاحات تحتية قوية ساعدت في القضاء على شلل الأطفال، وتقدم خدماتها لسكان الريف والمهمّشين الذين لا يستخدمون هواتف ذكية ولكن الإصرار على التسجيل للحصول على اللقاح ببطاقة هوية “لن يؤدي إلا إلى خلق فجوة بين أولئك القادرين على متابعة التعليمات والذين لا يستطيعون. ولا ينبغي أن نضع حواجز أمام مساعي الحصول على اللقاح”.
على الصعيد العالمي، يبلغ استعمال الهواتف الذكية حوالي 42 في المئة فقط، وتطال هذه الفجوة الرقمية البلدان الغنية أيضا، وهو ما برز أثناء الوباء عندما تحول العمل والدراسة إلى الإنترنت (عن بعد).
وتعدّ الفجوة أوسع في بلدان مثل الهند أو إندونيسيا، التي تفكّر في إصدار ما يسمى بجوازات سفر “الحصانة” التي تظهر ما إذا كان شخص ما قد أصيب بالفايروس أو تلقى لقاحا.
وتقول سويذا توتابالي، من دالبرغ لاستشاريي التنمية العالمية، إن ربط تسجيل اللقاح في الهند ببطاقة الهوية الرقمية “آدهار” يمثل مشكلة لأن قاعدة البيانات غير مكتملة، وتواجه مشاكل في التوثيق من حين لآخر.
وأظهر بحث الشركة الاستشارية أنه بعد أكثر من عقد من إطلاق المنصّة لا يزال حوالي 102 مليون شخص غير مرسّمين فيها، بما في ذلك 30 في المئة من السكان المشردين في البلاد وأكثر من ربع مواطنيها من الجنس الثالث. وقالت توتابالي “لا ينبغي أن نستخدم الهوية لاستبعاد الأشخاص. ويجب اعتماد عمليات بديلة بسيطة”.
والسلطات الإندونيسية تؤكد أنه يمكن اعتماد بطاقات هوية أخرى، وأن تتبع عمليات التلقيح من خلال قاعدة بيانات رقمية مخصصة مرتبطة بآدهار لتجنب التكرارات.
ويعتقد المختصون أن قاعدة المعطيات، التي تركز البيانات البيومترية والسجلات الصحية وغيرها من المعلومات الشخصية الحساسة، ستعمق التمييز وتخاطر بإنشاء بنية تحتية دائمة للمراقبة الصحية.
ويؤكد شاما أنه إذا تم دمج قاعدة بيانات اللقاحات مع قاعدة بيانات أخرى، أو إذا سُمح باستغلالها بما يتجاوز المتطلبات المحدودة للصحة والحجر الصحي، فسيكون هناك توسع تدريجي للمشروع خارج نطاقه الأصلي، وهذا ممكن مع أي شهادة لقاح رقمية، بما في ذلك شهادة تخطط لها منظمة الصحة العالمية.
ويعمل المنتدى الاقتصادي العالمي على تطوير برنامج آخر وقع تجريبه في شهر أكتوبر الماضي على رحلات كاثي باسيفيك والخطوط الجوية المتحدة (يونايتد إيرلاينز)، ويُطرح الآن على نطاق واسع. وأوضح أنه يمكن الوصول إلى بيانات اللقاح “دون الكشف عن أي معلومات أساسية أخرى تتعلق بالصحة الشخصية”.
وقال نائب الرئيس الأول، نيك كارين، إن تطبيق اتحاد النقل الجوي الدولي سيلتزم “بأعلى معايير حماية البيانات”، مع سيطرة الركاب الكاملة على خصوصياتهم، مشيرا إلى أنه بالنسبة إلى أولئك الذين لا يرغبون في استخدام بطاقة السفر، سيظل الخيار التقليدي المتمثل في الاستظهار بوثائق لموظفي شركة الطيران للتحقق منها متاحا.
العرب