“العفو الشامل” وصفة تأزيم مُرحلّة إلى البرلمان الكويتي الجديد

“العفو الشامل” وصفة تأزيم مُرحلّة إلى البرلمان الكويتي الجديد

الكويت – يمثّل “قانون العفو الشامل” وصفة جاهزة لليّ الذراع بين السلطة الكويتية ونواب المعارضة في البرلمان الجديد، حيث بدأ هذا القانون يُطرح بشكل مبكّر كعنوان للمعركة التشريعية الأبرز في دور الانعقاد الأوّل لمجلس الأمّة الذي انتخب في الخامس من ديسمبر الجاري.

وبادر خمسة من نواب المعارضة هم حمد المطر وفايز الجمهور وعبدالعزيز الصقعبي وأسامة الشاهين وثامر السويط بتقديم مقترح قانون بشأن العفو الشامل، حيث اعتبر بعضهم إقرار القانون بمثابة فتح “صفحة جديدة عنوانها المصالحة الوطنية”.

ويعكس الحرص المعلن أثناء الحملة الانتخابية وبعدها على تمرير هذا القانون أهميته الاستثنائية، خصوصا لدى نواب المعارضة الإسلامية الذين يعتبرونه بمثابة رفع تحدّ مترتّب عن البرلمان السابق الذي أسقط القانون بدفع من السلطة وبمساعدة النواب الموالين لها بمن فيهم رئيس مجلس الأمّة السابق والحالي مرزوق الغانم.

ويتلخّص القانون إجمالا في إصدار عفو شامل يسقط العقوبات ويردّ الاعتبار لمن تمتّ محاكمتهم في قضية اقتحام مبنى مجلس الأمّة والعبث بمحتوياته في نوفمبر 2011 ومن بينهم معارضون كويتيون معروفون ونواب في برلمانات سابقة.

ويمكن للمدانين أن يتمتّعوا بعفو خاص يصدره أمير البلاد ويتم بفعله إلغاء العقوبة أو تخفيضها دون إسقاط الجريمة. أما العفو الشامل فمن اختصاص البرلمان وتلغى العقوبة بفعله وتسقط الجريمة عن مرتكبها.

ويبدو أنّ المتورّطين في قضية اقتحام مقر مجلس الأمّة لا يقرّون بارتكابهم جريمة ويعتبرون ما أقدموا عليه “نضالا”، وهو ما يفسر سعيهم للتمتّع بعفو شامل.

ولا تريد السلطة إحداث سابقة تجعل من الاضطرابات التي حرّكها الإسلاميون في الكويت تفاعلا مع ما عُرف بأحداث الربيع العربي التي انطلقت مطلع العشرية الحالية في عدد من البلدان العربية “عملا نضاليا مشروعا” مثلما تريد المعارضة تصويره من خلال العفو على المشاركين في تلك الأحداث ورد الاعتبار القانوني والسياسي لهم.

وعلى هذه الخلفية تمسّكت السلطة بمسار وحيد للعفو عن المدانين في القضية، وهو عودة الفارين منهم إلى الخارج والشروع في قضاء محكوميتهم وتقديم طلب عفو خاص لأمير البلاد، وهو المسار الذي طُبّق بالفعل على حالة النائب السلفي السابق وليد الطبطبائي الذي عاد من تركيا ودخل السجن لفترة وجيزة تقدم بعدها بمطلب عفو لأمير الكويت السابق الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وحصل عليه بالفعل.

ومن أبرز الوجوه المدانة في القضية النائب السابق الإخواني جمعان الحربش الذي تمسّك بالفرار إلى تركيا، معوّلا على نجاح تياره في الضغط على السلطة عبر البرلمان والنجاح في تمرير قانون العفو الشامل، وهو ما لم يتمّ إلى اليوم.

وقرّرت مجموعة من نواب البرلمان الجديد إعادة الدفع بالقانون خلال دور الانعقاد الجديد معوّلة على التغييرات الحادثة في المشهد العام في البلاد، حيث يتوقّعون أنّ الأزمة الاقتصادية الحادّة جعلت السلطة في موقف أضعف وقد تكون أكثر استجابة للضغوط النيابية، فضلا عن الزيادة المسجّلة في حضور المعارضة في مجلس الأمّة المنتخب حديثا.

ويأمل الإسلاميون بشكل خاص في أن يكون رحيل الأمير الشيخ صباح الأحمد لما له من خبرة وهيبة وكاريزما قد أضعف السلطة وجعلها أكثر مرونة واستعدادا لتمرير التغييرات التي يريد هؤلاء إحداثها منذ سنوات طويلة ويضعونها تحت عنوان براق هو الإصلاح وتعديل المسار الديمقراطي أملا في فتح مسارات لهم للوصول إلى السلطة والقبض على أهمّ مفاصلها.

ويعتبر إسقاط قانون العفو الشامل في البرلمان السابق أحد أسباب العداء بين نواب المعارضة ورئيس مجلس الأمّة الغانم الذي يتهمه المعارضون الإسلاميون بلعب دور كبير في منع إقرار القانون.

وسبق للغانم أن وصف إثارة قضية العفو الشامل بالمفتعلة، قائلا إنّ الهدف من ذلك هو “خلق أبطال وهميين”.

وعلى هذه الخلفية حاولت المعارضة دون جدوى منع الغانم من العودة إلى رئاسة المجلس، لكنّه تمكّن عبر سلسلة من التسويات والصفقات غير المعلنة من التغلّب على منافسه بدر الحميدي رغم أنّ الأخير كان قد حظي في ترشّحه لتولي المنصب المهمّ بدعم عدد كبير من نواب المعارضة.

وشهد البرلمان الكويتي السابق “معارك” حامية بسبب قانون العفو الشامل وصلت حدّ تشابك النواب بالأيدي تحت قبةّ عبدالله السالم.

ومطلع السنة الجارية كان القانون على وشك الإقرار بعد حملة ضغوط ضارية من قبل الإسلاميين الذين نجحوا في الدفع به إلى البرلمان، لكن اللجنة التشريعية البرلمانية خلطت الأوراق بأن أدمجت ضمن مقترحات القانون إمكانية أن يشمل العفو العام في حال إقراره النائب السابق عبدالحميد دشتي المحكوم عليه في عدّة قضايا تتعلّق بالإساءة للحكومة الكويتية وبلدان خليجية، وأيضا المدانين في قضية خلية العبدلي المتعلّقة بخلية إرهابية ذات صلة بإيران وحزب الله اللبناني تم تفكيكها سنة 2015.

ورأت المعارضة أنّ إدماج تلك القضايا كان بمثابة حيلة قانونية تواطأ الغانم في نسجها حتى يصبح إقرار القانون أمرا مستحيلا، إذ لم يكن مقبولا من أحد أن يتم العفو عن مسيئين وإرهابيين.

وقال النائب السابق محمد الدلال عن الحركة الدستورية الإسلامية، إنّ دمج مقترحات العفو الشامل في قانون واحد مع قضايا دخول المجلس وخلية العبدلي وعبدالحميد دشتي إجراء غير دستوري ولا قانوني، ومسار سياسي سلبي وعبثي هدفه إسقاط كل هذه المقترحات وإرباك النواب والمجتمع.

العرب