لم يُعرف عن أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، أنها صاحبة لسان وضمير حارّين، في تعاطيها مع القضية الفلسطينية، على ما في وقائع الاحتلال الصهيوني من جرائم مرهقة للضمير الإنساني، غير أن السيدة المستشارة تعاطت، بلسان وضمير شديدي الحرارة، مع قضيةٍ ومشهد يفتتا قلب الحجر، فأرسلت إلى اللاجئين السوريين رسالة حب مستحقة لهم، ومُلغّمة ضد عُرب وعجم، كثُرت ثرثراتهم الكريمة لصالح شعب سورية، وقَلّ إحسانهم!
نافذة الإحساس الرقيق، المُقدّر، انفتحت على قلب ميركل، بتأثير خلفيات تاريخية. وكان ذلك من حُسن حظ ما يُقدر بـ 800 ألف عربي سوري، مرشحين للزيادة مع الزحف إلى ألمانيا من اليونان وإيطاليا، لكي يطلبوا اللجوء. وثمة ما ساعد على إطلاق رسالة الحب، وهو أن الفاعلين الذين فتكوا بالشعب السوري، من جزاري البراميل والغازات والقصف العشوائي؛ لا تجمعهم مع اليمين الألماني أية عناصر ومشاعر مشتركة، فمجرمو النظام وشبيحته، ومعهم المخلوقات المتوحشة مصاصة الدم، التي تحز الرقاب باسم الإسلام، لم يكونوا، في ذاكرة ميركل، ضحايا سابقين، كاليهود في بلادها، ثم تحولوا إلى مجرمين راهنين تحت بيرق الصهيونية، يُغفَر لهم ويصح التجاوز عن خطاياهم.
فاللاجئون السوريون المعذبون، في ناظر ميركل، محض مادة إنسانية خام، لم يهجموا على أحد، وهم أشتاتٌ من شعب خلاّق ومبدع ومسالم ومنفتح، هجم عليه الغول الطائفي الذي يتمثله نظام استبدادي كريه، لم يدع شعباً في بلده وفي جواره، ولا طائفة ولا حزباً ولا قضية، إلا وتعّمد إيذاءها وأثخنها بالجراح، ولا زال يحصد الأرواح ويسفك الدم، لكي تنجو “الزرافة” الوضيعة المتذاكية والمتفاحصة التي تقتل وتقتل، ثم ترسم ابتسامة تحاكي ابتسامات عذبة، يرسمها المنتصرون والفرسان الشرفاء على شفاههم.
في يوليو/تموز الماضي، تعرضت المستشارة الألمانية لانتقادات واسعة، من مجتمع المنظمات الإنسانية في أوروبا، لأن قلبها لم يرقّ لفتاة فلسطينية، اختزلت أمامها، بدموعها، عرضاً لمأساة أسرتها المهددة بالطرد من بلاد الألمان. قالت ميركل للفتاة إنها لا تستطيع وقف قرار ترحيل أسرتها. لكن ميركل نفسها، وفي حسبة الخلفيات، قالت، في رسالة الحب للاجئين السوريين، إنها قادرة على وقف العمل باتفاقية دبلن الأوروبية، بخصوصهم. فثمة حِسٌّ تاريخي، تأسست عليه هذه الانتقائية التي جاءت حميدة وسليمة في المحصلّة، فميركل لا زالت في حال التشاجر مع الشيوعية والإسلاموية. وفي لفتتها الكريمة حيال اللاجئين السوريين، غرّد مؤيدوها عبر صفحات التواصل، مستذكرين نجاشي الحبشة، ملكاً مسيحياً، أوى المسلمين الفارّين من بلادهم، في هجرتهم الكبيرة الثانية (628 م) وأحسن وِفادتهم، ومستذكرين، أيضاً، أن أريحية النجاشي تعاظمت، لأن المسلمين المهاجرين احترموا قوانين الحبشة، وعملوا في الصناعة والتجارة، وأنعشوا الاقتصاد، مثلما يتوقع الألمان اليوم، من المهاجرين السوريين. وسرعان ما اشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي الألمانية، بتعليقاتٍ لاذعة ومريرة، تزجر العرب الذين ضنّوا على اللاجئين السوريين، بمجرد معسكرات، في أراضيهم الشاسعة، تصلح للعيش الآدمي. ومعلوم أن العرب رسبوا في الاختبار، وأحالوا النتيجة إلى سجل طويل من الخيبات. سقطوا فعلاً، وخصوصاً أولئك المتوفرين على خزائن مال كبرى، فقد استذكر الألمان أن مكة المكرمة، برمزيتها وبما تعنيه، أقرب وأحق من برلين في استيعاب إخوتها المسلمين. وفي بطن المقارنة، رُميت غمزات مستترة، تتعلق بتخلف الذهنية السياسية العربية، في القرن الحادي والعشرين، عن ذهنية النجاشي ملك الحبشة في الربع الأول من القرن السابع. فقد أدرك ذلك الملك، آنذاك، معنى البشر باعتبارهم ثروة وقيمة إنتاجية فضلاً عن كونهم آدميين، لهم الحق في النجاة وفي الحياة وفي الكرامة.
ربما هذا هو الذي جعل المغردين العرب السوريين، في تعليقاتهم وشعاراتهم الجوابية، يصفون ميركل بأنها “الحبشية”. ولم لا؟ فهي ولدت لقس في كنيسة، وزعيمة حزب مسيحي، يضاهي بالنسبة لهم الملك المسيحي في القرن السابع، وهي آوت المسلمين في هذه السنة، بأكثر مما آوت أوروبا كلها من مهاجرين من كل الأجناس، فأصبحت حبشية ونجاشية بامتياز.
فاللاجئون السوريون المعذبون، في ناظر ميركل، محض مادة إنسانية خام، لم يهجموا على أحد، وهم أشتاتٌ من شعب خلاّق ومبدع ومسالم ومنفتح، هجم عليه الغول الطائفي الذي يتمثله نظام استبدادي كريه، لم يدع شعباً في بلده وفي جواره، ولا طائفة ولا حزباً ولا قضية، إلا وتعّمد إيذاءها وأثخنها بالجراح، ولا زال يحصد الأرواح ويسفك الدم، لكي تنجو “الزرافة” الوضيعة المتذاكية والمتفاحصة التي تقتل وتقتل، ثم ترسم ابتسامة تحاكي ابتسامات عذبة، يرسمها المنتصرون والفرسان الشرفاء على شفاههم.
في يوليو/تموز الماضي، تعرضت المستشارة الألمانية لانتقادات واسعة، من مجتمع المنظمات الإنسانية في أوروبا، لأن قلبها لم يرقّ لفتاة فلسطينية، اختزلت أمامها، بدموعها، عرضاً لمأساة أسرتها المهددة بالطرد من بلاد الألمان. قالت ميركل للفتاة إنها لا تستطيع وقف قرار ترحيل أسرتها. لكن ميركل نفسها، وفي حسبة الخلفيات، قالت، في رسالة الحب للاجئين السوريين، إنها قادرة على وقف العمل باتفاقية دبلن الأوروبية، بخصوصهم. فثمة حِسٌّ تاريخي، تأسست عليه هذه الانتقائية التي جاءت حميدة وسليمة في المحصلّة، فميركل لا زالت في حال التشاجر مع الشيوعية والإسلاموية. وفي لفتتها الكريمة حيال اللاجئين السوريين، غرّد مؤيدوها عبر صفحات التواصل، مستذكرين نجاشي الحبشة، ملكاً مسيحياً، أوى المسلمين الفارّين من بلادهم، في هجرتهم الكبيرة الثانية (628 م) وأحسن وِفادتهم، ومستذكرين، أيضاً، أن أريحية النجاشي تعاظمت، لأن المسلمين المهاجرين احترموا قوانين الحبشة، وعملوا في الصناعة والتجارة، وأنعشوا الاقتصاد، مثلما يتوقع الألمان اليوم، من المهاجرين السوريين. وسرعان ما اشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي الألمانية، بتعليقاتٍ لاذعة ومريرة، تزجر العرب الذين ضنّوا على اللاجئين السوريين، بمجرد معسكرات، في أراضيهم الشاسعة، تصلح للعيش الآدمي. ومعلوم أن العرب رسبوا في الاختبار، وأحالوا النتيجة إلى سجل طويل من الخيبات. سقطوا فعلاً، وخصوصاً أولئك المتوفرين على خزائن مال كبرى، فقد استذكر الألمان أن مكة المكرمة، برمزيتها وبما تعنيه، أقرب وأحق من برلين في استيعاب إخوتها المسلمين. وفي بطن المقارنة، رُميت غمزات مستترة، تتعلق بتخلف الذهنية السياسية العربية، في القرن الحادي والعشرين، عن ذهنية النجاشي ملك الحبشة في الربع الأول من القرن السابع. فقد أدرك ذلك الملك، آنذاك، معنى البشر باعتبارهم ثروة وقيمة إنتاجية فضلاً عن كونهم آدميين، لهم الحق في النجاة وفي الحياة وفي الكرامة.
ربما هذا هو الذي جعل المغردين العرب السوريين، في تعليقاتهم وشعاراتهم الجوابية، يصفون ميركل بأنها “الحبشية”. ولم لا؟ فهي ولدت لقس في كنيسة، وزعيمة حزب مسيحي، يضاهي بالنسبة لهم الملك المسيحي في القرن السابع، وهي آوت المسلمين في هذه السنة، بأكثر مما آوت أوروبا كلها من مهاجرين من كل الأجناس، فأصبحت حبشية ونجاشية بامتياز.
عدلي صادق
صحيفة العربي الجديد