الخرطوم – أكد متابعون لأحداث دارفور، التي أدت إلى مصرع وإصابة العشرات من المواطنين في الإقليم، أنها تعود في جانب رئيسي منها إلى تصفية الحسابات بين اثنين من أبرز أبناء الإقليم، وهما قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وقائد مجلس الصحوة الثوري موسى هلال، المحبوس في أحد معتقلات الأول، وهو صراع يعيق الاستقرار في الإقليم كما يعرقل التغيير في السودان ككل، ويفتح الباب أمام مزايدات النظام السابق بشأن فشل الانتقال السياسي.
وقالت مصادر سودانية، لـ”العرب”، إن كلا من مجلس السيادة والحكومة في السودان يعلمان الكثير من تفاصيل الصراع الخفي بين حميدتي وهلال ودوافع تجدده، غير أنهما لا يريدان تحريك خلافات قد تتسبب في صداع جديد يؤثر على التماسك الظاهر في جدران السلطة الانتقالية.
وأضافت هذه المصادر أن ما يحدث في دارفور له جذور قبلية بين ابنيْ العم، حميدتي وهلال؛ فمنذ أن قام الأول باعتقال الثاني قبل ثلاثة أعوام ونصف العام، وجهات كثيرة تعلم أن الأوضاع في دارفور لن تهدأ، فقوات الدعم السريع لها تواجد كبير في دارفور وتضم موزاييكًا قبليًّا، وتخشى قيام عناصر تابعة لهلال مدربة ومسلحة بتغيير الموقف على الأرض لصالحها.
وحذرت المصادر ذاتها من أن الصراع يفضي -في جانب منه- إلى الإساءة إلى حميدتي كشخصية رئيسية في الانتقال السياسي بالبلاد، ويفيد أجندة الإخوان والنظام السابق في إثارة الشكوك حول هذا الانتقال وتشويه صورته، ومن ثمة توظيف ذلك في الإساءة إلى الفاعلين في عملية الانتقال السياسي.
واتهم حميدتي، الثلاثاء، جهات (لم يسمها) بأنها “تريد أن تعم الفوضى وتسعى لمد الفترة الانتقالية لعشر سنوات، وإشعال الحرائق في البلاد”، مشددا على أن “الديمقراطية لا تعني الفوضى، بل الشورى والتحضر والتفاهم”.
ورغم أن اتفاق السلام مع الحركات المسلحة قضى بإطلاق سراح الكثير من الشخصيات المسلحة المعتقلة في العهد السابق، إلا أن هلال ورفاقه في مجلس الصحوة الثوري لهم خصوصية معقدة تجعلهم رهن الاعتقال فترة طويلة.
وتكمن خطورة هلال في ما يملكه من معلومات حول حميدتي، الذي كان مرؤوسا له، وعملا معا في ميليشيات الجنجويد التي تلاحقها الكثير من الاتهامات، ما جعل الأول مطالبا من المحكمة الجنائية الدولية. ثم لاحقا استقل حميدتي بقوات الدعم السريع وأحكم قبضته عليها، وأصبحت جزءا رئيسيا في السلطة الانتقالية بعد الثورة.
وتلتزم الكثير من القوى السودانية الصمت إزاء أزمة هلال المعقدة، وهي أزمة في نظر البعض أشبه بكرة لهب يمكن أن تحرق من يقترب منها بالسلب أو بالإيجاب.
ويقول مراقبون إن حميدتي يقف ضد توفير محاكمة هلال أمام القضاء المدني، وقد جرى وضعه تحت سيطرة قوات الدعم السريع وإخضاعه لمحاكمة عسكرية مفتوحة، وبذلك يضمن حميدتي عدم قيام هلال بفضح تفاصيل شراكتهما السابقة.
وتبدو الحالة التي يعيشها هلال مربكة سياسيا وقبليا وعسكريا؛ فلئن كان حميدتي يضع ابن عمه في معتقل تحت إشراف قواته، فإن هناك قيادات في السلطة الانتقالية تستخدمه أيضا كورقة ضغط على حميدتي نفسه لكبح جموحه السياسي، وهو أحد الأسباب التي تفسر الصمت العام داخل السلطة تجاه حسم مصير هلال.
وأكد عضو هيئة محامي دارفور نصرالدين يوسف وجود انقسام داخل قوات الدعم السريع أسهم في تفاقم الأوضاع في دارفور على نحو أدى إلى التوترات الأخيرة، لأن هذه القوات تتكون من خليط قبائلي مثير، وغالبيتها من أبناء الإقليم الذين يتصفون بصفاته.
وأضاف يوسف، لـ”العرب”، أن “هناك دلالات كثيرة تشير إلى وجود جهات تستغل هذه القوات، وتحاول دفعها إلى الانخراط في صراع جديد بالإقليم؛ ففي الوقت الذي يُعلن فيه قادة الدعم السريع رفضهم لتلك الممارسات التي تفضي إلى الصراع، هناك ميليشيات عربية تابعة لهم تستخدم الأسلوب القديم نفسه الذي انتهجته في السابق حين كان بعضها تحت إمرة الجنجويد”.
ولا يوجد دليل دامغ على تورط طرف بعينه حتى الآن في دارفور، لكن طبيعة عمليات الحرق والنهب والقتل التي حدثت خلال الأيام الماضية تؤكد أن هناك جهات من مصلحتها تجديد الصراع في المنطقة.
وينتمي حميدتي وهلال إلى القبائل العربية التي كانت تتقاتل بضراوة مع قبائل أفريقية في الإقليم، ويتبع الأول فخذ المهارية، بينما ينحدر الثاني من الرزيقات.
وأوضح المحلل السياسي المهتم بشؤون دارفور، محمد الفاتح همة، أن الصراع القائم حاليا له أبعاد سياسية وقبلية لا ينكرها سكان المنطقة، فثمة أطراف خفية تحركه من حين إلى آخر لعرقلة أي خطوات توقف الحرب نهائيا في دارفور.
وأشار، في تصريح لـ”العرب”، إلى أن “الخلافات داخل قوات الدعم السريع أحد الأسباب المهمة المؤدية إلى تجدد الصراع بين قبائل العرب الذين يشكلون قواما أساسيا فيها، وبين أبناء قبائل المساليت الذين ينتمي أغلبهم إلى قوات الجيش والشرطة”.
ولفت إلى وجود تأثير قوي لقبيلة هلال في الصراع الحالي، وتريد توظيفه لكسر شوكة حميدتي الذي لعب دورا مهما في خروج اتفاقية السلام مع الجبهة الثورية إلى النور، وأصبح أحد متصدري المشهد السياسي العام.
ويعلم أنصار هلال أن استقرار الأوضاع في دارفور يحسب لقائد قوات الدعم السريع، ما يضاعف من حظوظه السياسية، وبذلك فإن استمرار المناوشات يجعل الإقليم ساخنا على الدوام وينهك قوات الدعم السريع، ويجبره على التورط في الصراع مباشرة، وربما التورط في ارتكاب حماقات تؤلب عليه قوى داخلية وخارجية، ويصبح جزءا من المشكلة بدلا من أن يكون جزءا من الحل.
العرب