كثيرا ما ارتبط مصطلح الإسلاموفوبيا بوضعية المسلمين في الغرب وما يتعرضون له من انتهاكات من قبل تنظيمات يمينية متطرفة معادية للمهاجرين، إلا أن ذلك ليس صحيحا تماما فنسبة هامة من المسلمين في عالمنا الإسلامي تعاني من الإسلاميين وبرامجهم وأشكالهم، مما جعل الإسلاموفوبيا نتيجة حتمية لحكم هذه التنظيمات.
لندن – تعمل المشاعر المتزايدة ضد الإسلام في دول مثل الصين وميانمار والهند والغرب على خلفية دعم الجماعات المعادية للهجرة والجماعات اليمينية والقومية كقوة دافعة للمتنافسين على فرض القوة الناعمة الدينية وقيادة العالم الإسلامي.
وبالنسبة إلى تركيا وإيران وباكستان، التي تتبنى كل منها مفاهيم مختلفة للإسلام السياسي، تمثل الإسلاموفوبيا محاولات لتصوير نفسها كمدافعة عن قضايا المسلمين مثل حق الفلسطينيين في القدس، وهي ثالث أقدس مدينة في الإسلام، والمصاعب التي يواجهها الروهينغا في ميانمار، والصراع في منطقة كشمير ذات الغالبية المسلمة.
وهناك أمر يغيب عن قائمة المتنافسين، وهو الحملة التي شنتها الصين على المسلمين الأتراك في إقليم شينغيانغ الواقع في الشمال الغربي. وقد صادقت الصين، التي سعت إلى تسلّم المسلمين الأتراك، على معاهدة تسليم في الوقت الذي تعهدت فيه تركيا، وهي موطن لأكبر عدد من اللاجئين من إقليم شينغيانغ، بعدم تعريض الأويغور للخطر.
وعلى نفس المنوال، استغل زعماء غربيون -مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار النمساوي سيباستيان كورتس- مفهوم الإسلاموفوبيا لشن حملة ضد الإسلام السياسي وإعادة صياغة الدين وفقاً لمنافسي تركيا في الشرق الأوسط.
تتبنى دول الخليج مفاهيم غامضة للإسلام المعتدل تدعو إلى طاعة الحاكم طاعة مطلقة، وهو شكل من أشكال الإسلام الهادئ وغير السياسي. حتى أن هذه الدول ذهبت إلى حد دعم الحملات التي تشنها الصين وأقنعت منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 دولة إسلامية، بتأييد السياسة الصينية باعتبارها وسيلة فعالة في مواجهة التطرف والعنف السياسي.
ويعد الاقتصاد والتجارة أهم عاملين يمنعان دول العالم الإسلامي من إدانة الصين. ولكن الأمر نفسه ينطبق على النقاط التي حصلت عليها الدول المتنافسة ذات الأغلبية المسلمة لفرض القوة الناعمة في بكين، حيث أن انتقاد المسلمين للحملات التي تشنها الصين من الممكن أن يحدث فرقاً من خلال الضغط على الصين لتغيير سياساتها.
وقضية المسلمين الأتراك في الصين ليست الوحيدة التي يتعثر فيها المتنافسون، بما في ذلك الدول الآسيوية مثل إندونيسيا، بغض النظر عن مفهوم الإسلام الذي يروجون له، في سعيهم لفرض القوة الدينية الناعمة.
وهذا هو الاختبار الحقيقي الآخر لادعاء أغلب المتنافسين تبنيهم التسامح الديني والحوار بين الأديان، وهو ما يثير التساؤل عما إذا كان يجب على المتنافسين تنظيف منازلهم أولاً لإضفاء المصداقية على تبنيهم الإسلام “المعتدل”.
وتعد الإمارات، التي تسكنها أغلبية من غير المواطنين، أحد متنافسيْن اثنين فقط يعترفان بتغيير المواقف والحقائق الديموغرافية.
ورفعت السلطات في نوفمبر الماضي الحظر المفروض على تعاطي الكحول والمعاشرة بين غير المتزوجين. وخلال الأسبوع الماضي، فتحت الإمارات الباب أمام تجنيس الأجانب.
أما المنافس الآخر، وهو حركة نهضة العلماء التي تعد أكبر حركة إسلامية في العالم، فقد شرع في معالجة الإصلاح القانوني والديني للإسلام بتشجيع من الحكومة. قدمت الحركة في أكتوبر الماضي منبرًا لوزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو لانتقاد معاملة الصين للمسلمين الأتراك.
وعلى النقيض من ذلك، وضعت باكستان مؤخرًا تحديًا في هذا النضال لتحديد الحرية الدينية من خلال السعي لحجب وإغلاق موقع إلكتروني مقره الولايات المتحدة بسبب تعاونه وتأييده للأحمديين.
استهدفت الأحمدية -وهي طائفة أقلية ينظر العديد من المسلمين إلى أفرادها على أنهم زنادقة- في إندونيسيا وأماكن أخرى، واستهدف الأحمديون بشكل أكبر في باكستان حيث تم تصنيفهم غير مسلمين، ويُعاقب على التجديف في باكستان بعقوبة الإعدام.
وبدأ الجهد الباكستاني في وقت تتزايد فيه المشاعر المعادية للأحمدية والشيعة في باكستان، موطن أكبر أقلية شيعية في العالم. وقد نددت المظاهرات الجماهيرية الأخيرة بالشيعة ووصفتهم بـ”الكفرة” ودعت إلى قطع رؤوسهم بسبب عدد قضايا التجديف المرفوعة ضد الشيعة في المحاكم.
وظل خصوم باكستان في المنافسة على القوة الدينية الناعمة صامتين إلى حد كبير بشأن هذا الاتجاه المقلق، مما أثار تساؤلات حول نزاهة التزامهم بالحرية الدينية والتسامح وكذلك رفضهم للإسلاموفوبيا.
وقد أثبت وزير الشؤون الدينية الإندونيسي المعين حديثًا، ياقوت شليل قماس -أحد كبار مسؤولي حركة نهضة العلماء- أنه الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. حيث تعهد قماس في أول تصريح له كوزير خلال زيارة أداها إلى الكنيسة البروتستانتية بحماية حقوق الشيعة والأحمديين.
وقال الباحث الإندونيسي ألكسندر أريفينتو “مبادرات قماس الجديدة كوزير للشؤون الدينية هي خطوة مرحب بها لمواجهة تأثير الإسلاميين المتطرفين ومعالجة الظلم ضد الأقليات الدينية. وعليه الآن أن يثبت أن هذه ليست شعارات فارغة، ولكنها محاولة جادة لتعزيز المواطنة المتساوية لجميع الإندونيسيين بغض النظر عن معتقداتهم الدينية”.
يرى الباحث الأميركي من أصل مصري توفيق حميد أن جانبا من المسؤولية عن تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا في عالمنا الإسلامي يتحمله المسلمون أنفسهم .
ويقول حميد “بدلاً من لوم الغرب على نبذ المسلمين، عليهم مراجعة أنفسهم، فالحل بأيديهم وليس بيد غيرهم، وذلك لأن كراهية الإسلام لم تكن موجودة بهذا الشكل في الغرب قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وعلينا أن نسأل أنفسنا لو أن الغرب لديه كراهية للإسلام كيف سمح بدخول الملايين من المسلمين كمهاجرين إليه؟ ولماذا قبل وجود الآلاف من المساجد والمكتبات الإسلامية في بلاده؟”.
وانتشرت الإسلاموفوبيا على نطاق واسع في مصر أثناء حكم الإخوان المسلمين وما رافقه من تجوّل مجموعات من الملتحين والمنقّبات في الشوارع للقيام بدور حراس الفضيلة ومراقبة المواطن المصري من ناحية لباسه وسلوكه ومظهره وبشكل خاص النساء، مما دفع نسبة كبيرة من المصريين إلى مواجهة الجماعة عبر الشارع.
وفي إيران لا يختلف الوضع كثيرا حيث يتم سجن النساء لعدم تقيدهن بارتداء الحجاب، كما تنفذ الإعدامات في الساحات العامة لبث الخوف في نفوس المواطنين. وبشكل عام فإن القيود الاجتماعية والسياسية في دولة ولاية الفقيه الشيعية مماثلة لتلك الموجودة في المناطق التي كانت خاضعة لحكم جبهة النصرة في سوريا وحركة طالبان السنيّة في أفغانستان.
ويمكن مشاهدة الإسلاموفوبيا عند شعب العراق أيضا، نتيجة الاغتيالات المنتظمة التي تنفذها ميليشيات مرتبطة بإيران ومتداخلة مع مؤسسات الدولة العراقية مثل الحشد الشعبي وغيره، والتي لا تكتفي باغتيال المعارضين للنفوذ الإيراني من الشيعة والسنّة، بل تستهدف السيدات الناجحات والأطباء والعلماء ومحلات بيع المشروبات الروحية وصالونات الحلاقة والتجميل.
وعلى نفس الشاكلة استهدف حزب الله اللبناني -وهو أيضا ميليشيا مرتبطة بنظام ولاية الفقيه الإيراني- العشرات من القادة السياسيين والمثقفين اللبنانيين بعمليات اغتيال منظمة يعرف الجميع أنه يقف خلفها، وأكدت على ذلك مؤخرا المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ولكنه يرفض تسليم المجرمين من أعضاء حزبه للعدالة لأن هذا سيقود إلى إدانة قيادة الحزب نفسها بهذه الجرائم. كما منع حزب الله المشروبات الكحولية وثياب البحر في الكثير من المناطق اللبنانية تحت التهديد بالقتل أو تكسير الأرجل، رغم التركيبة متعددة الطوائف وخلفية لبنان المسيحية.
ويقول الدكتور عماد بوظو إن “من يريد مشاهدة الإسلاموفوبيا (عليه) أن يذهب إلى إيران أو مصر أو أفغانستان أو العراق أو أي منطقة يكون لرجال الدين فيها نفوذ أو دور في حكمها، فهناك سيشاهد الإسلاموفوبيا على حقيقتها والتي تفوق بكثير الخوف من الإسلام في دول الغرب”.
العرب