تفشل روسيا بعد تخليها عن النظام السوفييتي في تشكيل دولة معاصرة، تتبنى نمطاً اقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً متحضراً. وعلى الرغم من الرتوش الديمقراطية، والشكل الخارجي الذي يعتمد على الشعارات الغربية نفسها، فإن السياسة الروسية ما تزال ذات أسلوب “باطني”، على نمط المذاهب التي تنشأ على تخوم الديانات الكبرى، فتتمسح بشعاراتها وسلوكياتها وعقائدها، وتمارس طقساً سرياً خاصاً بأهدافٍ ومرامٍ مغايرة، وقد تكون مناقضة. المظهر الأول والأساسي لدجل السياسة الروسية هو فشل نظامها، على مدى خمسة عشر عاماً من محاولات تركيز معظم السلطات بيد فلاديمير بوتين، في إنتاج رئيس جديد للبلاد. فباستثناء ستالين وبريجينيف من بين رؤساء الاتحاد السوفييتي؛ لم نجد رئيساً روسياً تفوق على بوتين، من حيث عدد السنين التي أمضاها في السلطة. والمظهر الآخر حالة النوستالجيا العميقة لكل ما كان يمت للاتحاد السوفييتي السابق بصلة، مثل علاقات روسيا بالشرق الأوسط التي تحولت إلى نوع من الكآبة المفرطة، خصوصاً عند مراقبة موقع سورية الجغرافي الذي يكاد ينزلق، بالقدم الروسية، إلى مهاوٍ خطيرة.
تشمِّر روسيا عن ساعديها وساقيها بطريقة تُظهر على الجسد الروسي الملامح السوفييتية الواضحة، والهدف اليوم مساعدة النظام في “مواجهة الإرهاب”. يقصد الروس بالإرهاب تنظيم الدولة والنصرة والفصائل المتشددة التي أثخنت كبد النظام، واستنزفته أو كادت؛ وروسيا الآن تنقل عتاداً ثقيلاً وخفيفاً، ومن أوزان متعددة، إلى السواحل السورية، ولا تخفي أنها بدأت نقل قوات برية، قوامها جنود وضباط وخبراء، تحت شعار مكافحة الإرهاب نفسه الذي يُثمل رؤوس الدول الغربية، وفي مقدمتها أميركا، فمحتواه السيميولوجي متعدد، ويمكن أن يتم تأويله على مذهب فقهاء “ردي ميد” بطريقة مريحة، إذ يكتفي مَنْ لا يريد أن يوافق علناً بالقلق بشكل بونكيموني، فيؤدي واجبه الدبلوماسي والإعلامي، ولا يعترض على الطريقة الروسية ذات الجوهر السوفييتي، لأن الوضع لا يعنيه، ولا يرى من مأساة اللاجئين غير “الزق” الذي وضعته المصورة المجرية لأحدهم في أثناء هربه من شرطة بلادها.
سورية التي تتعامل معها روسيا الآن، وتعتمدها جغرافياً بوصفها كياناً راهناً ومفيداً، هي الشريط الساحلي ودمشق، أو ما تبقى منها، مع رابط أسفلتي باتجاهين يربط هذه الجغرافيا. في هذه البقعة، يتم إنزال المعدات العسكرية و”الإنسانية” الروسية. وعلى هذه البقعة، سيتم بناء استراتيجية مكافحة الإرهاب، بإنشاء خطوط دفاعية متعددة، وقوية صعبة الاختراق، وستكون الاستماتة في الدفاع عنها بإبقاء ما هو خارجها خارجاً، والاعتماد بشكل كبير على الممر المائي للبحر المتوسط، لتلقي الدعم بكل أنواعه وامتلاك الأجواء بشكل مطلق، حتى مسافات كافية تغطي احتياجات سورية “الجديدة” دفاعياً، مع حرمان الطرف المقابل من أي ميزة جوية، دفاعية كانت أو هجومية. جوهر هذا التحرك هو الحفاظ على الأسد، بموروثه وثقافته المنسوجة على قياس الروس، من دون نسيان إيران “الجديدة”، المتحررة من قيود النووي، والموسومة ببراءة ذمة، حصلت عليها من أميركا، تخولها لعب دور مساعد ومساند لما تقوم به روسيا؛ وبالنغمة السوفييتية القديمة نفسها.
سورية “المجدية” هي الجغرافيا التي تقع تحت يد النظام حالياً، وهي ما تريد روسيا الحفاظ عليه، بقيادة أسدية تقليدية، تحت شعار مكافحة الإرهاب، الملاذ الدافئ للسياسة الروسية الذي اعتمدته منذ بداية الثورة السورية لسهولة تسويقه عبر مندوب علاقات خارجية بليد، كوزير الخارجية الروسي الذي لم يجد غضاضة في استخدام الفيتو مرتين، قبل أن يوجد على أرض سورية “الطبيعية” إرهابي واحد.
تعترف روسيا بالتدخل الصريح، ولا تستبعد تدخلاً أوسع، ولا علاقة لحجمه بعمق الشريط الذي تجاهد للحفاظ عليه، فهي تريده بما يكفي لمنع الداخل السوري من الشواطئ، وتعتقد وتسوق وتعمل على إقامة شاطئ وعاصمة خاليين من تنظيمات إرهابية بالمقياس الغربي، والحفاظ على الإرهاب المتمثل بالقيادة الحالية، لأن هذا الجزء هو سورية المجدية بالنسبة لروسيا، أما ما بقي منها، فلتحرقه طائرات التحالف.
تشمِّر روسيا عن ساعديها وساقيها بطريقة تُظهر على الجسد الروسي الملامح السوفييتية الواضحة، والهدف اليوم مساعدة النظام في “مواجهة الإرهاب”. يقصد الروس بالإرهاب تنظيم الدولة والنصرة والفصائل المتشددة التي أثخنت كبد النظام، واستنزفته أو كادت؛ وروسيا الآن تنقل عتاداً ثقيلاً وخفيفاً، ومن أوزان متعددة، إلى السواحل السورية، ولا تخفي أنها بدأت نقل قوات برية، قوامها جنود وضباط وخبراء، تحت شعار مكافحة الإرهاب نفسه الذي يُثمل رؤوس الدول الغربية، وفي مقدمتها أميركا، فمحتواه السيميولوجي متعدد، ويمكن أن يتم تأويله على مذهب فقهاء “ردي ميد” بطريقة مريحة، إذ يكتفي مَنْ لا يريد أن يوافق علناً بالقلق بشكل بونكيموني، فيؤدي واجبه الدبلوماسي والإعلامي، ولا يعترض على الطريقة الروسية ذات الجوهر السوفييتي، لأن الوضع لا يعنيه، ولا يرى من مأساة اللاجئين غير “الزق” الذي وضعته المصورة المجرية لأحدهم في أثناء هربه من شرطة بلادها.
سورية التي تتعامل معها روسيا الآن، وتعتمدها جغرافياً بوصفها كياناً راهناً ومفيداً، هي الشريط الساحلي ودمشق، أو ما تبقى منها، مع رابط أسفلتي باتجاهين يربط هذه الجغرافيا. في هذه البقعة، يتم إنزال المعدات العسكرية و”الإنسانية” الروسية. وعلى هذه البقعة، سيتم بناء استراتيجية مكافحة الإرهاب، بإنشاء خطوط دفاعية متعددة، وقوية صعبة الاختراق، وستكون الاستماتة في الدفاع عنها بإبقاء ما هو خارجها خارجاً، والاعتماد بشكل كبير على الممر المائي للبحر المتوسط، لتلقي الدعم بكل أنواعه وامتلاك الأجواء بشكل مطلق، حتى مسافات كافية تغطي احتياجات سورية “الجديدة” دفاعياً، مع حرمان الطرف المقابل من أي ميزة جوية، دفاعية كانت أو هجومية. جوهر هذا التحرك هو الحفاظ على الأسد، بموروثه وثقافته المنسوجة على قياس الروس، من دون نسيان إيران “الجديدة”، المتحررة من قيود النووي، والموسومة ببراءة ذمة، حصلت عليها من أميركا، تخولها لعب دور مساعد ومساند لما تقوم به روسيا؛ وبالنغمة السوفييتية القديمة نفسها.
سورية “المجدية” هي الجغرافيا التي تقع تحت يد النظام حالياً، وهي ما تريد روسيا الحفاظ عليه، بقيادة أسدية تقليدية، تحت شعار مكافحة الإرهاب، الملاذ الدافئ للسياسة الروسية الذي اعتمدته منذ بداية الثورة السورية لسهولة تسويقه عبر مندوب علاقات خارجية بليد، كوزير الخارجية الروسي الذي لم يجد غضاضة في استخدام الفيتو مرتين، قبل أن يوجد على أرض سورية “الطبيعية” إرهابي واحد.
تعترف روسيا بالتدخل الصريح، ولا تستبعد تدخلاً أوسع، ولا علاقة لحجمه بعمق الشريط الذي تجاهد للحفاظ عليه، فهي تريده بما يكفي لمنع الداخل السوري من الشواطئ، وتعتقد وتسوق وتعمل على إقامة شاطئ وعاصمة خاليين من تنظيمات إرهابية بالمقياس الغربي، والحفاظ على الإرهاب المتمثل بالقيادة الحالية، لأن هذا الجزء هو سورية المجدية بالنسبة لروسيا، أما ما بقي منها، فلتحرقه طائرات التحالف.
فاطمة ياسين
صحيفة العربي الجديد