الأزمة اليمنية ماضية إلى الحسم الميداني في ظل تعثر الحوار

الأزمة اليمنية ماضية إلى الحسم الميداني في ظل تعثر الحوار

_61838_yem4

ما فتئت القوات الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والمدعومة من طرف التحالف العربي، تحاول التقدم في مناطق يسيطر عليها الحوثيون في إطار هجوم واسع يهدف في النهاية إلى استعادة العاصمة صنعاء التي سقطت بأيدي المتمردين منذ سنة.

وقالت مصادر عسكرية موالية لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي إن الهجوم الذي أُطلق، الأحد الماضي، في محافظة مأرب التي تكتسي أهمية استراتيجية كبيرة، يجري على ثلاثة محاور تقع في شمال غرب هذه المنطقة الصحراوية باتجاه صنعاء.

وقال مصدر عسكري إنّ “الهدف من هذا الهجوم هو قطع طريق إمداد الحوثيين”.

وتحاول القوات الموالية للحكومة اليمنية التقدم انطلاقا من العبر، البلدة غير البعيدة عن الحدود مع السعودية، باتجاه أربع مناطق تقع في شمال غرب محافظة مأرب باتجاه صنعاء، هي قطاعا صرواح وجدعان ومفرق الجوف وحريت. لكن هذا التقدم يصطدم ببعض المقاومة على ما يبدو بعد إعلان مقتل جندي إماراتي في العمليات.

وقالت قيادة الجيش الإماراتي، بدورها، في بيان بثته وكالة أنباء الإمارات إنّ “قواتنا المسلحة شنت عمليات ناجحة حققت من خلالها تقدما على الأرض في مأرب ودحرت ميليشيات الحوثيين الإنقلابية في نطاق العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات التحالف العربي”.

وتزامنا مع هذه التطورات التي تشهدها الأحداث على الأرض بشكل يومي، في ظل إصرار القوات الحكومية وقوات التحالف العربي على دحر المتمردين واستعادة العاصمة في أقرب وقت، تجري العملية السياسية وفق قواعد جديدة وثبات واضح هذه المرّة من جانب حكومة عبدربه منصور هادي، التي رفضت مقترح المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، القاضي بالجلوس مع الانقلابيين وجها لوجه في إطار محادثات بمدينة مسقط.

واشترطت أن يعترف الحوثيون وعلي عبدالله صالح أولا بالقرار الدولي 2216، ليتم التحاور على كيفية تنفيذه فقط وليس الولوج في تفاصيله والتفاوض حول جوهره.

ويرى مراقبون أنّ هذا الموقف الأخير والتقدم الذي تحققه القوات الحكومية على الأرض، يوما بعد يوم، يوحي بأنّ الأمور سائرة على ما يبدو باتجاه الحسم الميداني، في ظل تعنت المتمردين.

سيناريو الحسم الميداني

في الوقت الذي يطرح فيه خيار السلام الآن في إطار البحث عن آلية لوقف إطلاق النار وأولويات المرحلة المقبلة، تستمر المعارك طاحنة بين قوات التحالف العربي من جهة، والحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح وابنه من جهة أخرى لتؤكد أن المواجهات على الأرض، باتت تعدو عدوا سريعا نحو مسار حرب عسكرية شاملة وبذهاب الجبهة الحدودية إلى ذروة معاركها على الإطلاق. ومع ذلك يواصل الوسيط الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد مشاوراته مع الحوثيين وحلفائهم، لتقريب وجهات النظر مع الحكومة اليمنية، تحت ضغط أممي ودولي.

وفي حال استمرار هذا الوضع الميداني وفشل محاولات التوصل إلى حل سلمي فإنّ ذلك سيضفي حتما، وفق آراء المحللين، إلى حسم الصراع العسكري لصالح الحكومة الشرعية واستعادة صنعاء وتعبيد الطريق لهزيمة الحوثيين واسترجاع اليمن بالكامل.

ويتوقف هذا السيناريو على مدى استعداد التحالف العربي وقوى المقاومة في الداخل على مواصلة التقدم العسكري من الجنوب إلى الوسط ثم من الوسط إلى الشمال، ومدى قدرتها على كبح جماح الحوثيين الذين يواصلون عملياتهم في مناطق متفرقة من اليمن مستخدمين عدة طرق ملتوية لا تستثني فيها استهداف المدنيين.

ويبدو أن التحالف العربي بقيادة السعودية قد اختار طوعا السير بشكل جدي وفق هذا السيناريو من خلال الحملة الإعلامية التي تدعم بكثافة تحرير صنعاء، فضلا عن التعزيزات العسكرية التي دفع بها التحالف نحو جبهة مأرب، التي تبعد 40 كلم عن صنعاء، حيث حقق الجيش الوطني اليمني مدعوما بمقاتلي المقاومة الشعبية الموالية للحكومة تقدما ميدانيا واضحا على حساب الحوثيين وقوات صالح.

وتمثلت تلك الإمدادات في هبوط 8 مروحيات قتالية من طراز “أباتشي” في مطار “صافر” العسكري، ووصول قوة عسكرية برية كبيرة تضم عشرات المدرعات والدبابات وناقلات الجند، إلى منطقة صافر النفطية وغيرها من الاستعدادات التي تدخل في إطار التحضير لعمليات عسكرية تصبّ في إطار تحرير صنعاء في خطوة استباقية لعملية قد تحسم الحرب.

ورغم تكبد قوات صالح خسائر مستمرة بعد المعارك العنيفة التي دارت خلال الأيام القليلة الماضية، لا سيما بعد شروع الجيش في إجراء عملية عسكرية واسعة لتطهير الطريق الرئيسية في منطقة الربيعي، غربي تعز منطقة العبور إلى مدينة المخا الساحلية، وتكثيف طيران التحالف غاراته شبه اليومية على مواقع الحوثيين في تعز، إلا أن الإجراءات التي تقوم بها المليشيات لتعزيز دفاعاتها في صنعاء ومحيطها، وتوزيع الآلاف من الألغام التي عكفت على زرعها منذ أشهر لإبطاء ومنع تقدم الجيش اليمني إلى المدينة، تبعث على القلق من مدى تأثيرها وفاعليتها على أرض المعركة. هذا إلى جانب الخوف من إمكانية توجه صالح وحلفائه إلى الدفع بسكان العاصمة البالغ عددهم حوالي ثلاثة ملايين نسمة إلى بؤرة النزاع، رغم تأكيدات التحالف وضعه خطة تتضمن الحرص على تقليل الخسائر بين المدنيين وفي صفوف الجيش الموالي للشرعية.

هذا ويواجه هذا السيناريو مخاوف تتعلق بأنّ مناطق الحاضنة الاجتماعية للحوثيين شمال صنعاء وغيرها من المناطق التي تشكل مناطق نفوذ قبلي قوي لا يمكن المرور منها إلا بعقد تحالفات ومعاهدات تضمن عدم تدخل تلك القبائل ضد قوات التحالف. غير أنّ العديد من التقارير أكّدت أن الجانب السعودي يبدو واعيا بهذا العائق وقد تمكن من اختراق تلك القبائل في وقت سابق وهو ما يحول دون فرضية التحاقها بالحوثيين وصالح، وهو بالتالي ما قد يسهل عملية حسم التحالف للمعركة وتحويلها لصالحه.

تهديد جهادي متنام

على الرغم من السيناريو الأوّل الذي يصب في سياق حسم المعركة لصالح القوات الشرعية ودحر المتمردين، والذي يعد الأقرب إلى الواقع، هو الذي بدأت ملامحه تتشكل على الأرض اليمنية، إلاّ أنّ تعقيدات المشهد تفرض بالضرورة طرح فرضية أخرى تتعلق بسيناريو ثان مفاده أن يتواصل الصراع العسكري بشكل عبثي دون أن تكون هنالك سيطرة واضحة لأيّ من طرفي النزاع على الوضع.

وهو ما من شأنه أن يُدخل البلاد في فوضى عارمة، لتصبح الطائفية، وفق المخطط الإيراني، هي المعيار البارز والوحيد الذي سينقسم وفقه المجتمع، لا سيما إذا ما فشلت قوات الجيش اليمني في السيطرة على الوضع برمته، لتتصاعد من ثمّة وتيرة أعمال العنف والمواجهات، وتتفاقم دورة الاقتتال الأهلي والاحتقان المجتمعي والطائفي.

وفي الأثناء من المرجح، وفق هذا السيناريو، أن يستمر الصراع في الوسط بين الحوثيين وتشكيلات المقاومة لفترة طويلة يتم فيها الاستيلاء على أحياء أو قرى ثم الانسحاب منها ثم العودة إليها مرة أخرى، في استنزاف كبير للموارد البشرية والعسكرية دون تحقيق إنجاز ذي مغزى وخاصة في ظل حالة الجمود العسكري التي تشوب طرفين النزاع هناك.

وهو ما سيخلق حالة فراغ أمني وسياسي تنفض الغبار عن حقيقة صعود تنظيم القاعدة كأبرز قوة في الساحة اليمنية، حيث سيبرز هذا الأخير ليكون المستفيد الأول ممّا ستؤول إليه الأوضاع الأمنية في الداخل، مستغلا حالة الإنهاك التي ستكون عليها قوات الجيش اليمني بعد فترة طويلة من النزاع مع المتمردين.

وتفيد العديد من المعطيات بأنّه ومنذ انطلاق التمرد الذي نفذه الحوثيين في اليمن وبداية التدخل العربي لإعادة الشرعية إلى الرئيس هادي، أصبحت هنالك مساحة أكبر لتحرك تنظيم القاعدة، حيث انصب معظم الاهتمام العربي على دحر المتمردين أكثر من غيرهم، مما ترك هامشا للحركة أمام الجماعات المتطرفة.

ورغم وعي قوات التحالف العربي بما يشكله هذا تنظيم القاعدة من خطر كبير إلاّ أن مناطق نفوذه لم تكن هدفا رئيسيا للعمليات العسكرية التي كانت تشنها عاصفة الحزم، عملا بمبدأ عدم تشتيت الجهود العسكرية، باستثناء عملية نوعية نفذتها طائرات من دون طيار وأسفرت عن مقتل عدد من قياداته بمن فيهم زعيمه ناصر الوحيشي.

وقد استغل تنظيم القاعدة هذا التركيز العربي الكلي على دحر المتمردين، من أجل تقوية نفسه ليصبح أكثر قوة وتنظيما، خاصّة أنه يجهز نفسه ليرث في النهاية تركة الحرب في اليمن.

ويسيطر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على مناطق إستراتيجية عديدة، كما تفيد بعض التقارير الاستخباراتية أن عدد أفراد التنظيم في اليمن قد ارتفع من 6 آلاف إلى أكثر من 30 ألفا.

وبناء عليه فقد تسهم جملة هذه العوامل، وفق مراقبين، في ترسيخ فرضية أن يخرج تنظيم القاعدة منتصرا في الحرب التي يخوضها التحالف الدائرة في البلاد، وإدراجها ضمن الفرضيات الممكنة.

وفي خضم كل هذه القراءات التي تطرحها تطورات الأحداث على الأرض تبقى الجهود التي يقوم بها التحالف العربي في اليمن، لا سيما في ما يتعلق بدعم بناء أجهزة الجيش والأمن والإدارة وإعادة الإعمار، بمثابة المعطيات التي قد تفند أي سيناريو يناقض إمكانية حل الأزمة اليمنية وتعزيز الشرعية وتحريرها بالكامل من قبضة المليشيات الحوثية وحلفائها.

صحيفة العرب اللندنية