المرأة في الصفوف الأولى تواجه كورونا وصوتها غير مسموع

المرأة في الصفوف الأولى تواجه كورونا وصوتها غير مسموع

تشكل النساء غالبية العاملين في قطاع الرعاية الصحية والاجتماعية، وتضع وظائف القطاع الصحي النساء في الصفوف الأمامية لمحاربة جائحة كورونا، ما يجعلهن عرضة للعدوى إذا لم تتخذ التدابير الوقائية الضرورية والمعدات الأساسية لحمايتهن. ورغم وجود النساء في الخطوط الأمامية لهذه الأزمة الإنسانية، إلا أنهن يُستثنين من العمل في خطط الاستجابة والتعافي من الفايروس. لكن الخبراء ينادون بضرورة أن تشارك النساء في الاستجابة الصحية لفايروس كورونا وفي جهود التعافي على جميع المستويات، بما في ذلك وضع السياسات والعلاجات.

حتمت جائحة كورونا على النساء أن يكنّ في الصفوف الأولى لمواجهة الوباء وأن يخرجن بمبادرات إنسانية لمساعدة المصابين وغير القادرين، وأن يتخطين ذلك إلى مساعدة الجهات المسؤولة في الدولة ورجال الأمن والأطباء. إلا أنهن يُستبعدن من العديد من خطط الاستجابة والتعافي من الفايروس.

قالت أمينة محمد نائبة الأمين العام للأمم المتحدة إن “هذه الأوقات الاستثنائية لحظات لا مثيل لها في التاريخ الحديث، حيث تتصدى النساء في الخطوط الأمامية لهذه الأزمة الإنسانية التي سببتها جائحة كوفيد – 19”، مشيرة إلى أن النساء هن أول من استجاب للعمل في مقاومة الجائحة بأروقة المستشفيات والعيادات ومراكز العلوم والبحوث وعلى الجبهات السياسية كذلك.

وأضافت أنه “حان الوقت للارتقاء بالقيادات النسائية ودعم إجراءات السيطرة على الوباء للخروج من هذه الأزمة أقوى من ذي قبل”.

كما أظهرت دراسة عالمية نشرت مؤخرا أن نسبة الإناث في خط المواجهة للوباء تصل إلى سبع نساء من كل عشرة عمال، لكن النساء يُستبعدن من العديد من خطط الاستجابة والتعافي من فايروس كورونا المستجد.

وجمعت الدراسة، التي أجرتها مجموعة “ويمين ديليفر”، للدفاع عن حقوق المرأة ومقرها نيويورك، ومنظمة الأبحاث “فوكس 2030” ومقرها باريس، آراء 17 ألف رجل وامرأة في 17 دولة.

أرادت غالبية النساء أن يكون لهن مجال أكبر في إبداء الرأي، وعبرن عن شعورهن بالقلق من أن الوباء قد أدى إلى انتكاس التقدم بالمساواة في الحقوق. وقالت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، فومزيل ملامبو نجوكا، في مؤتمر افتراضي “يدرك الناس في جميع أنحاء العالم أن المساواة بين الجنسين تعد إحدى قضايا عصرنا. وهي قضية أصبحت أكثر إلحاحا بسبب فايروس كورونا”.

وقال ثمانية من كل 10 مشاركين إن النساء يجب أن يشاركن في الاستجابة الصحية لفايروس كورونا وجهود التعافي على جميع المستويات، بما في ذلك وضع السياسات والعلاجات. وفي حين أن النساء يمثلن 70 في المئة من العاملين في الخطوط الأمامية، مثل التدريس أو الرعاية الصحية، فإن استجابة العالم لمقاومة فايروس كورونا الجديد فشلت في إشراك النساء إلى حد كبير.

واستشهد الاستطلاع ببحوث تظهر أنه في 30 دولة، تمثل النساء ربع صانعي القرار في لجان الاستجابة لفايروس كورونا، والتي تحدد كيفية التعامل مع حالة الطوارئ الصحية وتداعياتها الاقتصادية. وتبقى نسبة النساء في لجنة الطوارئ التابعة لمنظمة الصحة العالمية 20 في المئة فقط، على الرغم من أن “الأدلة الأولية” كشفت أن جهود الاستجابة كانت أفضل مع مشاركة النساء.

وحسب منظمة الصحة العالمية تشكل النساء غالبية العاملين في قطاع الرعاية الصحية والاجتماعية إذ تبلغ نسبة العاملين في هذا القطاع 70 في المئة. وتضع وظائف القطاع الصحي النساء في الصفوف الأمامية لمحاربة المرض ما يجعلهن عرضة للعدوى إذ لم تتخذ التدابير الوقائية الضرورية وتوفير المستلزمات والمعدات الأساسية لحمايتهن.

ووفق دراسة بعنوان “فايروس كورونا وتداعياته الاجتماعية على النساء” (إدارة الأزمة في كل من مصر وتونس ولبنان)، تجابه العاملات في القطاع الصحي العمومي بتونس فضلا عن خطر الإصابة بالعدوى صعوبات إضافية. فنتيجة للضغط المسلط على المنظومة الصحية تكون النساء العاملات في هذا القطاع غير قادرات على الحصول على إجازة للعناية بأطفالهن المتوقفين عن الدراسة بعد اتخاذ إجراءات إغلاق المؤسسات التعليمية توقيا من انتشار الوباء. كما أن مكافحة الوباء تتطلب منهن أداء وظائفهن لساعات طويلة تصل إلى اثنتي عشرة ساعة. وفي صورة التعامل مع مريض يتضح لاحقا أنه مصاب بالفايروس دون أخذ الاحتياطات يتم إخضاعهن لفترة عزل إجباري للتأكد من عدم إصابتهن بالفايروس.

عبدالستار السحباني: الثقافة الذكورية تجعل إسهامات المرأة محدودة مهما كان موقعها

وفي مصر استثني القطاع الصحي من الإجازات ما جعل ساعات العمل تكون طويلة. وعانت النساء في هذا القطاع من أعباء مضاعفة من بينها أنهن يضطررن للبقاء ساعات أطول في العمل ممّا هو معتاد عليه، وفي الوقت نفسه يبذلن جهدا في أداء أدوارهن ومسؤولياتهن العائلية. وتعمل في القطاع الصحي بمصر نسبة كبيرة من النساء وتمثل الطبيبات نسبة 42 في المئة من الأطباء المباشرين وتبلغ نسبة الممرضات بوزارة الصحة 91.1 في المئة. كما تمثل نسبة النساء 73.1 في المئة من طاقم التمريض في المستشفيات والمرافق العلاجية.

وامتدت أزمة كورونا لتطال النساء المستثناة من العمل اللائق على غرار البائعات اللاتي أثر قيام الحكومة بإخلاء الأسواق، سلبا عليهن. وضاعف من معاناتهن أن كثيرا منهن أميات وبياناتهن غير مسجلة في وزارة القوى العاملة ومجال عملهن غير مثبت على بطاقاتهن الشخصية ما صعب على الكثير منهن الحصول على الدعم الحكومي.

كذلك تحتاج النساء العاملات في القطاعات الثانوية بتونس واللاتي يواصلن نشاطهن خلال فترة الحجر الصحي العام ويعتبرن في الصف الثاني لمواجهة الوباء كعاملات النظافة والعاملات في المساحات التجارية الكبرى والعاملات في المصانع مثلا، إلى وسائل حماية تمكنهن من وقايتهن من العدوى كالكمامات والقفازات ووسائل التطهير. كما أن النساء الريفيات العاملات في القطاع الفلاحي الذي يندرج ضمن القطاعات الحيوية هن عادة نساء نلن حظا قليلا من التعليم، في حاجة ماسة إلى تزويدهن بالمعلومات الصحية المبسطة لضمان حمايتهن من تفشي الوباء.

وكان تأثير الأزمة الوبائية في تونس أشد وطأة على المجموعات الأكثر هشاشة من الناحية الاقتصادية كالنساء في القطاعين الخاص وغير المنظم. ففي حين تمتعت النساء العاملات في القطاع العمومي بالأمان الوظيفي وبصرف أجورهن كاملة حتى وإن كن ملزمات بالانقطاع عن الوظيفة وملازمة البيوت، فإن وضعية العاملات في القطاع الخاص تميّزت بهشاشة كبيرة سواء من حيث قدرتهن على الاحتفاظ بوظائفهن أو من حيث صرف أجورهن.

وتجـدر الإشـارة إلى أن العديد مـن القطاعـات المتـضررة من إيقاف النشاط نتيجة الحجر الصحي العام هي قطاعات توجد فيها النساء بنسب عالية على غرار قطاع الفنادق ومصانع النسـيج وريـاض ومحاضن الأطفال وكذلك المُعينات المنزليات.

وقال عبدالستار السحباني المختص التونسي في علم الاجتماع «إننا نحيا في مجتمع ذكوري يتحلّى بثقافة ذكورية، ما يعني أن المرأة مهما كان موقعها تظل إسهاماتها محدودة وتظل في موقع ثانوي، هذا إضافة إلى أن الجمعيات النسوية بدت ضعيفة جدا خلال هذه الأزمة وليس لها القدرة على التأثير على مراكز القرار”.

وأضاف لـ”العرب” أن القاعدة الاجتماعية ليست مهيّأة حتى توفر المصالحة للمرأة، مشيرا إلى أننا “نعيش نوعا من الحداثة السطحية وليست حداثة في العمق”.

بدورها ظلت المرأة الجزائرية المنتسبة إلى القطاع الصحي، في الصفوف الأمامية المواجهة لوباء كورونا، بمختلف الأسلاك والمهام، سواء كانت في المستشفيات الحكومية أو مصحات القطاع الخاص، غير أن الفاتورة كانت أغلى، حيث لا يزال الشارع الجزائري ينعى طبيبات وممرضات قضين بسبب الوباء، وهن يحملن في أحشائهن أجنة لم تر النور.

وسرد رياض ماحي، لـ”العرب”، حياة أسرته الصغيرة خلال تفشي الوباء، على اعتبار أن زوجته طبيبة عامة، تشتغل في مستشفى حكومي بالعاصمة، حيث يتداول الأقرباء على التكفل بالأطفال، لأن والدتهم كانت تشتغل لمدة أسبوع، وتقضي أسبوعين في حجر صحي حكومي، وهو ما اضطرّ الأقارب إلى التداول على رعاية الأطفال الثلاثة، ولولا الهاتف وشبكات التواصل الاجتماعي لانقطع الاتصال بها تماما.

وقال ماحي “الولدان الكبيران كانا يتفهمان الأمر نوعا ما، لكن البنت الصغرى كانت لا تتوقف عن السؤال لما ترى أمها بالزي الصحي المميز للعاملين في مصلحة مكافحة كوفيد – 19، وعانيت شخصيا من اضطراب في عملي اليومي، لأن تركيزي كان منصبا دائما على وضع الأطفال، والخوف على الزوجة، ومن العدوى”.

كما اضطرت طبية مرض السكري والغدد بالعاصمة حورية لاموشي، إلى غلق مكتبها الخاص في ذروة الاحترازات الحكومية المشددة خلال الصائفة الماضية، لكنها سرعان ما أعادت فتحه بعد أيام قليلة، للتكفل بمرضاها ومتابعة أوضاعهم الصحية، رغم أخطار العدوى التي سادت العاصمة آنذاك.

وفي تصريحها لـ”العرب”، أكدت أن عودتها السريعة إلى وظيفتها، كان تحديا شخصيا لها ولأفراد عائلتها، بغية الالتزام بواجبها ومسؤوليتها الأخلاقية تجاه المرضى الذين يعالجون عندها، فقد لقيت معارضة شديدة من أفراد الأسرة، لكن شعور الواجب كان أقوى.

وقالت “لم يكن مريحا لي أن أتخلف عن معركة الجيش الأبيض، ولم آخذ إجازتي السنوية، احتراما لمشاعر المرضى لكي لا يشعروا بأنني أنانية أو تخليت عنهم في الظروف الصعبة، وكان مكتبي مفتوحا أمامهم مع الاحترازات المشددة، لكن وضعي في البيت كان قاسيا جدا فقد دخلت في عزلة لأسابيع لعزل أفراد أسرتي من أي شكوك تساورهم”.

رغم وجود النساء في الخطوط الأمامية لهذه الأزمة الإنسانية، إلا أنهن يستثنين من خطط الاستجابة والتعافي من الفايروس

ولفتت المتحدثة، “لقد دفعت محاربات الجيش الأبيض ثمنا باهظا في ذروة العدوى، وفقدت العديد من الزميلات في مختلف الأسلاك الصحية، وكانت أخبار الوفاة تنزل تباعا، وطالما حدثت نفسي بالسؤال: هل أكون غدا من يعلن عن وفاتها بسبب كورونا؟”.

وكانت الحكومة الجزائرية، قد وضعت المرأة العاملة في مختلف المصالح الحكومية في أولى اهتمامات الإجراءات الصحية، ولاسيما الحوامل، وتم تسريح الجميع في إجازات مدفوعة، إلا أن المسألة كانت عكس ذلك في القطاع الصحي، نظرا إلى حاجة الوضعية لكل الكوادر الطبية وشبه الطبية خلال ذروة العدوى.

غير أن التضحيات التي قدمتها المرأة خلال الجائحة، خاصة في القطاع الصحي، يتم التعاطي معها الآن بنوع من الجفاف ودون مراعاة للخصوصيات النفسية والوجدانية للمرأة، فتجد الطبيبة أو الممرضة العاملة في القطاع الخاص حاليا، والطبيبة حورية لاموشي واحدة من هؤلاء، مقصيات من حملة التلقيح المفتوحة في البلاد، بعدما تم إقصاء القطاع الصحي الخاص من العملية بسبب تركيز السلطة الوصية على كوادر المرافق الحكومية فقط.

كما تجري برمجة العاملات في القطاع الصحي، كغيرهن من الرجال في الحصول على الإجازات السنوية التي فتحت خلال الأسابيع الأخيرة، بعد تراجع العدوى والضغط على المستشفيات، وهو ما يتنافى مع الطبيعة الأنثوية التي تحتاج إلى تكافل ورعاية خاصة بعد الجهود والتضحيات المبذولة من طرف الجيش الأبيض.

وعموما كانت المرأة في عدد من البلدان العربية سباقة للتصدي لجائحة كورونا سواء بوجودها في الصفوف الأمامية على غرار نساء القطاع الصحي أو بخلق المبادرات التي تساعد على الحد من انتشار الفايروس ومنهن سيدة الأعمال المصرية هبة السويدي، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة “أهل مصر”، التي أطلقت مبادرة “خليك في البيت”، ووسم “أهل مصر قد (على قدر) المسؤولية”. وكانت السويدي تحث المواطنين على البقاء في المنزل واتباع إجراءات الوقاية نظرا إلى خطورة وسرعة انتشار الفايروس، وقد تفاعل معها الكثير من الشخصيات العامة، من إعلاميين وفنانين ولاعبي كرة القدم.

بدورها، بادرت الناشطة العراقية نادية محمد العزاوي، رئيسة مؤسسة المظلة لحقوق الإنسان، بصنع الكمامات يدويا وتوزيعها مجانا على غير القادرين على الحصول عليها.

وفور إعلان ذلك، انضم إليها عشرات المتطوعين، ما ساهم في رفع الإنتاج إلى أكثر من 350 وحدة في اليوم وتوزيعها في الأحياء والمناطق الفقيرة.

العرب