المعادن النادرة.. هل تكون أداة الصين لكبح الصناعات العسكرية الأميركية؟

المعادن النادرة.. هل تكون أداة الصين لكبح الصناعات العسكرية الأميركية؟

تعد سوق تجارة المعادن الأرضية النادرة عالميا صغيرة نسبيا مقارنة بالسلع الأخرى، فقد شكلت جزءا بسيطا من واردات النفط الخام العالمية في عام 2019 بواقع 1.15 مليار دولار في كل أنحاء العالم.

ومع ذلك، فإن القيمة الإجمالية للسلع المنتجة باستخدام التربة النادرة هائلة، فهل تعلم أن جهاز آيفون واحدا يحتوي على 8 معادن أرضية نادرة مختلفة؟

بالنظر إلى الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية وصولا إلى الأشعة السينية وحتى الصواريخ الموجهة، ما كان للعديد من التقنيات الحديثة أن تكون كما هي عليه الآن من دون المعادن الأرضية النادرة، وهي مجموعة مكونة من 17 عنصرا ضرورية لعدد من الصناعات واسعة النطاق.

الهيمنة الصينية
ورغم وجود رواسب المعادن الأرضية النادرة في جميع أنحاء العالم، فإن أغلب عمليات التعدين والتكرير تحدث في الصين.

ومع توسع قدرة التعدين، نتيجة عقود من السياسات الصناعية الصينية المستهدفة، التي سعت لتجاوز الدول الأخرى، كان لبكين اليد العليا في التحكم بالحصص التصديرية، وبالتالي في الأسعار، كما كانت لديها وفرة الإمدادات في الداخل، وهو ما منحها قدر السيطرة على كل السوق العالمية تقريبًا.

واعتبارا من 2019، لا تزال الصين تنتج نحو 85% من أكاسيد الأتربة النادرة، وما يقرب من 90% من المعادن الأرضية النادرة والسبائك والمغناطيس الدائم حول العالم.

إزاء هذا التفوق الصيني، يشعر صانعو السياسة الأميركية بالقلق بشكل خاص من تهديد سلسلة التوريد لصناعة الدفاع الأميركية، التي تستخدم العناصر الأرضية النادرة في مجموعة واسعة من التقنيات.

ووفقا لتقرير خدمة أبحاث الكونغرس لعام 2013، فإن كل مقاتلة أميركية من طراز “إف-35” (F-35) متعددة المهام تحتاج 427 كيلوغراما من التربة النادرة، في حين تتطلب كل غواصة نووية من طراز فرجينيا نحو 4.2 أطنان مترية.

ووفقا لما نشرته صحيفة فايننشال تايمز (Financial Times) الأميركية، فإن وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية نشرت الشهر الماضي مسودة ضوابط على إنتاج وتصدير المعادن الأرضية النادرة في الصين.

ونقلت الصحيفة الأميركية عن مصادر شاركت في استشارة حكومية، أن بكين تريد أن تفهم بشكل أفضل مدى سرعة الولايات المتحدة في تأمين مصادر بديلة للأتربة النادرة وزيادة طاقتها الإنتاجية.

ويرى الباحث في الاقتصاد السياسي أحمد عمر أن تطبيق ضوابط صينية على التصدير من شأنه أن يؤثر بشكل واسع على قدرة الولايات المتحدة في استمرار إنتاج الأسلحة، كما سيؤثر على الشركات التكنولوجية في الحصول على المواد الأساسية التي تلزم الصناعات المتقدمة تكنولوجيا، الأمر الذي سيقلل قدرة الصناعات العسكرية الأميركية على المنافسة بسبب زيادة كلفتها.

وأشار عمر -في حديث للجزيرة نت- إلى أن هذه الضوابط ستزيد جدوى الاستثمار في الصناعات التكنولوجية داخل حدود الصين للحصول على هذه الواردات التي تعد أساسية للإنتاج.

وبهدف تقليل الاعتماد على الصين في توفير المعادن الأرضية النادرة، جعلت الولايات المتحدة واليابان من أولوياتها تنويع مصادر المعادن الأرضية النادرة، حيث أصدر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أمرا تنفيذيا بتشجيع الإنتاج المحلي، في حين تبذل اليابان جهودًا لتقليل حصة الصين من إجمالي وارداتها لأقل من 50% بحلول عام 2025.

وذكرت الإدارة العامة للجمارك في الصين أن بلادها صدرت 45 ألفا و552 طنا متريا من العناصر الأرضية النادرة بقيمة 398.8 مليون دولار عام 2019، وذهب نحو 36% من حيث الحجم إلى اليابان، مما يجعلها الوجهة الأولى للأتربة الصينية النادرة، وجاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، بحصة بلغت 33.4% من الصادرات الصينية.

الأدوات الأميركية
وبلغت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة من عنصر اللانثانوم عام 2019 نحو 19 ألفا و397 طنا، وهو ضروري لصناعة البطاريات القابلة لإعادة الشحن والهواتف الذكية ومواد أخرى، وترى العديد من الصناعات الأميركية أن الضوابط الصينية على التصدير سيكون لها تأثير مدمر على كثير من الصناعات الحيوية.

ويرى أحمد عمر أن الصين لن تلجأ لهذا السلاح بشكل واسع؛ “كونها لا تعتبر نفسها في مواجهة فعلية مع الولايات المتحدة، وتعلم بضرره العكسي عليها”، وإنما تقوم بردود أفعال مسيطر عليها في حال وصول العلاقات بين الطرفين إلى نقطة حاسمة، “أو ربما تلجأ لفرض ضوابط صارمة في حال وجود مؤشرات على الاستعداد للحرب، وبالتالي محاولتها التأثير على الصناعات العسكرية الأميركية”.

ويضيف للجزيرة نت أن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك أدوات ضغط مباشرة وغير مباشرة تستطيع من خلالها التأثير على قرارات الصين في هذا المجال.

وأوضح عمر أن الصين تعتمد بشكل كبير على الواردات من النفط، ويمكن لواشنطن أن تضغط على حلفائها بمنع إمدادات النفط عن بكين، كما يمكنها تقديم الدعم العسكري للهند، التي تتصف علاقتها مع الصين بالمتوترة.

واستكمالا للحرب التجارية بين الجانبين، يمكن لواشنطن فرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية للسوق الأميركية، كما يمكنها منع شركات صينية من التداول في السوق الأميركية أو التأثير على قيمتها السوقية من خلال فرض عقوبات عليها.

وتبرز علامات على أن لاعبين آخرين بدؤوا التخلص من هيمنة الصين في مناطق معينة، وهو ما يمنح واشنطن خيارات أخرى تبعدها عن دائرة الهيمنة الصينية. إضافة إلى ذلك، فقد تضاعف الاستهلاك المحلي للصين للأتربة النادرة بشكل كبير؛ إذ يتوقع أن تصبح مستوردا صافيا بحلول منتصف العقد الحالي، مما سيقلل تأثير بكين على صناعة المعادن النادرة بشكل كبير.

المصدر : الجزيرة