خطوات سودانية بطيئة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية

خطوات سودانية بطيئة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية

الخرطوم – أعادت أحداث العنف التي وقعت في عدد من الولايات السودانية الحديث هذه الأيام عن ضرورة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وسط ضغوط يمارسها تحالف قوى الحرية والتغيير على مجلس السيادة الانتقالي، تطالب بسرعة إجازة قانون تشكيل جهاز الأمن الداخلي، ومهمته التعامل مع العناصر المحسوبة على الحركة الإسلامية التي تسعى إلى إثارة القلاقل الأمنية في البلاد.

واتهم عدد من الولاة المدنيين عناصر للشرطة ينتمون إلى نظام عمر البشير، بالساهمة في إشعال أعمال السرقة والنهب التي طالت عددا من الولايات.

وطالب والي ولاية الجزيرة عبدالله إدريس الكتين، بضرورة استبعاد عناصر للشرطة تابعة للنظام السابق، وكان لها دور في تسهيل عمليات السلب والنهب.

وقام رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، الاثنين، بزيارة هي الأولى من نوعها منذ توليه منصبه لوزارة الداخلية، والتقى خلالها بعدد من قيادات وعناصر الأجهزة الأمنية.

ويقول مراقبون إن هذه الخطوة تشكل بداية لاتخاذ قرارات مرتبطة بإعادة تشكيل بعض القطاعات الأمنية، وتقديم الدعم اللازم لقوات الشرطة التي ستتحمل أعباء إضافية خلال الفترة المقبلة مع إقدام الحكومة على اتخاذ قرارات صعبة، بدأتها بإعادة تعويم الجنيه.

وعقد عضو مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، ووزير شؤون مجلس الوزراء، خالد عمر يوسف اجتماعات منفصلة مع وزير الداخلية الفريق عزالدين الشيخ قبل أيام، تطرقت إلى توفير كافة احتياجات ومستلزمات قوات الشرطة ومعالجة قضايا الأجهزة الأمنية، بما يمكنها من أداء واجبها الوطني تجاه المواطنين، والمحافظة على أمنهم واستقرارهم.

إبراهيم الأمين: المطلوب بناء فلسفة جديدة لمفهوم الأمن الوطني

وتواجه السلطة الانتقالية صعوبات عديدة في طريقها لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية التي تحمل صبغة سياسية فرضها عليها نظام البشير. ولم تتمكن القوى الثورية من تحقيق رؤيتها بشأن إحداث هيكلة شاملة لجميع الأجهزة، واقتصر الأمر على إصدار قرارات الإحالة للمعاش وتغيير عدد من القيادات.

وأقرت الحكومة تكوين جهاز أمن داخلي عقب محاولة اغتيال حمدوك في مارس الماضي، غير أنه لم ير النور حتى الآن، على إثر خلافات حول تبعيته لمدير قوات الشرطة الذي كانت لديه الكلمة العليا على مستوى الأجهزة الأمنية في أثناء عهد البشير، أو لوزير الداخلية الذي لديه مهام تنفيذية أكبر الآن.

وأكدت قوى الحرية والتغيير أن قانون تشكيل جهاز الأمن الداخلي من المقرر إجازته خلال الاجتماع المقبل بين المجلس المركزي لها، والحكومة ومجلس السيادة، وهناك توافق بين المكونين المدني والعسكري على تشكيله لمواجهة عمليات تهريب العناصر الإرهابية عبر حدود ولايات دارفور الشاسعة، وتكون أدواره معلوماتية وأمنية عبر التنسيق مع القوات العسكرية في ولايات الهامش.

وكشفت مصادر أمنية لـ”العرب”، عن مخاوف من تكرار الاحتجاجات المسلحة التي وقعت في الخرطوم قبل نحو عام ، على خلفية قرارات إعادة هيكلة جهاز المخابرات العامة، ما يجعل عملية إعادة الهيكلة تسير بوتيرة بطيئة.

وأوضحت المصادر ذاتها، أن الأشهر الماضية شهدت العديد من القرارات في قطاعات أمنية مختلفة، وجرى استبعاد المئات من العناصر، وتمت إحالتها على التقاعد بعد ثبات عملها لصالح النظام السابق.

وثمة رغبة حكومية في أن تسير عملية إعادة هيكلة قوات الجيش والعناصر المسلحة بالتوازي مع هيكلة الأجهزة الأمنية، على فترات زمنية متباعدة، لتلافي حدوث فراغ أمني قد تستغله قوى معادية.

وقرر حمدوك تعيين فريق شرطة خالد مهدي إبراهيم، مديرا لقوات الشرطة السودانية، خلفا للفريق شرطة عزالدين الشيخ، الذي عُين مؤخرا وزيرا للداخلية، وكان له دور مهم في تمرير عدد من قرارات الإقالة لمسؤولين أمنيين، كذلك فصل المئات من طلاب كلية الشرطة ثبت انتماؤهم سياسيا للحركة الإسلامية.

وأكد القيادي بقوى الحرية والتغيير، إبراهيم الأمين، أن حال الأجهزة الأمنية كحال باقي مؤسسات الدولة، بحاجة إلى إعادة هيكلة سريعة لمجابهة المخاطر المحيطة بالسودان.

حمدوك قرر تعيين فريق شرطة خالد مهدي إبراهيم، مديرا لقوات الشرطة السودانية، خلفا للفريق شرطة عزالدين الشيخ، الذي عُين مؤخرا وزيرا للداخلية، وكان له دور مهم في تمرير عدد من قرارات الإقالة لمسؤولين أمنيين

وأضاف لـ “العرب”، أن هيمنة أنصار البشير على الأجهزة يُعقّد إعادة الهيكلة، والمطلوب بناء فلسفة جديدة لمفهوم الأمن لا ترتبط فقط بالجوانب العسكرية المباشرة، والتي بمقتضاها تكون هناك قناعة لدى عناصر تلك الأجهزة بتأمين المواطن وليس النظام.

وشدد الأمين، وهو أحد الشخصيات التي شاركت في وفد قوى الحرية والتغيير الذي تفاوض مع المجلس العسكري لإعادة هيكلة الشرطة، على أن هناك توافقا ليكون الإصلاح مسؤولية الشق العسكري بمجلس السيادة، ويصبح الأمر بعيداً عن التوجهات الحزبية.

وتكمن الأزمة الأكبر في ملف إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في جهاز المخابرات العامة، وتستهدف السلطة الانتقالية تحويله إلى جهاز مدني يختص بالمعلومات بدلا من كونه جهازا اختص بحماية نظام البشير، وهناك أكثر من 10 آلاف عنصر في هيئة العمليات التابعة للجهاز لم تجر إعادة هيكلة أدوارهم ودمجهم في المنظومة الأمنية.

وتمارس الحركات المسلحة ضغوطا حثيثة لإعادة هيكلة جهاز المخابرات، وسط خلافات سابقة نشبت بين قادة تلك الحركات وعناصر تلك الأجهزة، ومتوقع أن يسهم حضور الجبهة الثورية على رأس هياكل السلطة الحاكمة في تحريك هذا الملف قريبا.

وتوقع المحلل السياسي محمد شناوي، أن يكون حضور قوات عدد من الحركات المسلحة في الخرطوم بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والعسكرية، مقدمة للانخراط بشكل مباشر في تنفيذ ملف الترتيبات الأمنية وإعادة الهيكلة.

ووصلت إلى الخرطوم مؤخرا قوات تتبع حركة تحرير السودان، وهو جناح مني أركو مناوي بكامل عتاده الحربي، قبيل بدء تنفيذ الترتيبات الأمنية غير أن وجودها أثار حفيظة العديد من القوى السياسية.

وأوضح شناوي لـ”العرب”، أن الرغبة الحثيثة لدى الحركات المسلحة في دمج عناصرها بالأجهزة الأمنية والمؤسسات العسكرية، إضافة إلى الدعم الدولي الذي يلقاه السودان لإنزال اتفاق جوبا، يسهم في تخطي العقبات التي تواجه السلطة الانتقالية.

العرب