تصريحات قائد الجيش اللبناني كانت بمثابة صرخة في وجه العهد وأقطابه، الذين يصرون على تجاهل غليان الشارع، وعدم الإقرار بالمسؤولية عما آل إليه وضع البلد، وبدل أن ينصت هؤلاء لكلام العماد انبروا يهاجمونه ملمحين إلى وجود طموحات رئاسية خلف مواقفه التي تلقفها الشارع بإيجابية.
بيروت – شكّلت تصريحات قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، الرافضة للزج بالمؤسسة العسكرية في مواجهة مع المتظاهرين، صفعة لأقطاب العهد لاسيما للرئيس ميشال عون، الذي كان دعا في وقت سابق إلى التصدي للاحتجاجات وعمليات قطع الطرقات.
ويشهد لبنان منذ أكثر من أسبوع مسيرات احتجاجية تنديدا بالوضع الاجتماعي والمعيشي وتهاوي القدرة الشرائية للمواطنين جراء انهيار الليرة مقابل الدولار الأميركي، وسط استمرار القيادات السياسية في المكابرة ورفض الاعتراف بالأزمة من خلال البحث ككل مرة عن شماعة المؤامرة.
وتقول أوساط سياسية إن عون والقوى السياسية المتحالفة معه، قرروا على ما يبدو اللجوء إلى السياسة الخشنة في التعاطي مع المحتجين، في ظل عجزهم عن تقديم أي حلول، وخشيتهم من انهيار نفوذهم، مع استشعارهم خطورة موجة الاحتجاجات الحالية.
وتلفت الأوساط إلى أن موقف مؤسسة الجيش التي تعاني هي الأخرى وطأة الظروف الاقتصادية، من شأنه أن يزيد من اختناق هذه القوى، التي تتمسك بنهج الهروب إلى الأمام.
وكان العماد جوزيف عون وجّه إثر اجتماع مع أركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى والأفواج المستقلة في حضور أعضاء المجلس العسكري، جملة من الرسائل للسياسيين قائلا “إلى أين نحن ذاهبون، ماذا تنوون أن تفعلوا، لقد حذرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره”.
قيمة الراتب الأساسي الشهري للجندي أو رجل الشرطة في لبنان، تدنت من حوالي 800 دولار، إلى أقل من 120 دولارا
وقال إن “العسكريين يعانون ويجوعون مثل الشعب”، وتساءل “أتريدون جيشا أم لا؟ أتريدون مؤسسة قوية صامدة أم لا”؟
وانتقد جوزيف عون التعيينات والخفض المستمر لموازنة الجيش ومحاولات ضرب صورته قائلا “الجيش لن يكون مكسر عصا لأحد ولن يؤثر هذا الأمر على معنوياتنا ومهماتنا”.
وتدنت قيمة الراتب الأساسي الشهري للجندي أو رجل الشرطة في لبنان، من حوالي 800 دولار، إلى أقل من 120 دولارا في الوقت الراهن. ودفعت تخفيضات موازنة الجيش إلى استبعاد اللحوم من قائمة وجباته في العام الماضي. وأصبح الجيش اللبناني يتلقى اليوم مساعدات أجنبية، ليس لتعزيز ترسانته العسكرية، بل من المواد الغذائية.
وتوضح الأوساط أن تصريحات قائد الجيش هي صرخة في وجه الطبقة السياسية الحاكمة، وهي تعكس حجم التململ داخل المؤسسة العسكرية حيال الوضع السائد.
وكان قائد الجيش حريصا على انتقاء كلماته بعناية في تصريحاته المعلنة بيد أنه ووفق مصادر حضرت الاجتماع، وجه كلاما قاسيا حيال سياسات النخبة الحاكمة قائلا “الجيش ليس شرطة مرور”.
ونقل موقع “القوات اللبنانية” الثلاثاء عن مصادر حضرت الاجتماع رفض العماد جوزيف عون فرض “الحلول العسكرية” على الأرض في مواجهة الحراك الشعبي، وشدد على أن “الحلول يجب أن تكون إصلاحية بالدرجة الأولى، وتقع على عاتق السياسيين، ومهمة الأجهزة الأمنية هي حفظ الأمن”.
وأوضح قائد الجيش خلال الاجتماع “ليس من المعقول أو المقبول استمرار تكليف الجيش وحده بمهمات لوجيستية، وتتعامل الوحدات العسكرية كأنها شرطي مرور، مكلف بفتح منافذ لخطوط السير في هذا الاتجاه أو ذاك”.
ويعتمد المحتجون في التعبير عن غضبهم إزاء الوضع في لبنان على قطع الطرقات بالإطارات المشتعلة على أمل لفت أنظار الطبقة السياسية الحاكمة.
وقال الرئيس اللبناني الاثنين في اجتماع أمني واقتصادي “إذا كان من حق المواطنين التعبير عن رأيهم بالتظاهر، إلا أن إقفال الطرقات هو اعتداء على حق المواطنين بالتنقل والذهاب إلى أعمالهم خصوصاً بعد أسابيع من الإقفال العام”.
ولفت عون إلى أن ما يجري من قطع الطرقات يتجاوز مجرد التعبير عن الرأي إلى عمل تخريبي منظم يهدف إلى ضرب الاستقرار، مطالبا الأجهزة الأمنية والعسكرية أن تقوم بواجباتها كاملة وتطبيق القوانين دون تردد. ونبّه الرئيس اللبناني المواطنين إلى خطورة الشعارات التي تمس بوحدة الوطن وإثارة الفتن والنيل من الدولة ورمزها.
وانبرى أنصار الرئيس اللبناني وحزب الله إلى مهاجمة العماد جوزيف عون عقب المواقف التي أعلنها، وربط البعض بأن للرجل طموحات سياسية، في علاقة برئاسة الجمهورية، وقالت الأوساط إن حملة التشويه التي يتعرض لها قائد الجيش اليوم متوقعة، خصوصا وأن الأخير يرفض محاولات تدجين المؤسسة العسكرية وتحويلها إلى عصا لحماية العهد
العرب