انسحاب تكتيكي أميركي وشيك من الخليج والعراق للتركيز على الصين

انسحاب تكتيكي أميركي وشيك من الخليج والعراق للتركيز على الصين

العرب (مكتب واشنطن) – بدأ الشهر الماضي فريق خاص واسع الصلاحيات يتألف من 15 شخصا رفيع المستوى في وزارة الدفاع الأميركية بالعمل على وضع خطة متكاملة نحو تجهيز القوات والعتاد العسكري الأميركي المنتشر في مختلف أرجاء العالم استعدادا لمواجهة الخطر الصيني الآتي من الشرق. ويأتي ضمن هذا المسار التخفيف من الوجود العسكري في الخليج والعراق.

ومن المنتظر أن يقدم هذا الفريق الذي يرأسه الخبير في شؤون آسيا والصين إيلي راتنر تقريرا متكاملا في الأسابيع القادمة إلى وزير الدفاع الأميركي ولجنة الأمن القومي عن الاحتياجات الدفاعية اللازمة في حالة وقوع مواجهة عسكرية مع الصين، مما يشمل السياسة الدفاعية والحاجات من الأفراد والأسلحة والنقص التقني والسيبراني في الترسانة الأميركية.

وبالرغم من أن التقرير لم يصدر بعد إلا أن مصدرا مطلعا على النقاشات التي تدور بين فريق العمل وجهات رسمية أميركية أخرى أكد أن هذا التقرير سيتضمن توصيات ستؤدي بلا شك إلى إعادة انتشار واسع النطاق للقوات الأميركية الموجودة في قواعد خارج أراضي الولايات المتحدة.

وأضاف المصدر أن حوارا عميقا يدور الآن حول مدى تأثير إعادة الانتشار هذه على تعداد القوات الأميركية في منطقة الخليج العربي.

ورغم أن النقاش لم يصل إلى مرحلة تحديد كم ونوع القوات التي ستنقل من الخليج شرقا، فإنّ من المؤكد اليوم أن الوجود الأميركي في الخليج سوف لن يبقى على ما هو عليه الآن. وبدأ بالفعل جدل أميركي داخلي حول تأثير أي تغيير يطال الجاهزية الأميركية في الخليج على قدرة الولايات المتحدة على حماية مصالحها ومصالح حلفائها مع استمرار وجود خطر إيران وعملائها في المنطقة.

وتتمحور الحلول المقدمة حول تطوير القدرات الدفاعية في منطقة الخليج، خصوصا تلك المضادة للصواريخ والطائرات التقليدية منها والمسيّرة لتعويض النقص البشري. أما من جهة الممرات البحرية فيدور الحديث حول تفعيل اتفاق حماية الملاحة بشكل أوسع ورفع مستوى الاعتماد على دول المنطقة في الدفاع عن مياهها ضد أي اعتداءات إيرانية.

ومن المتوقع أن تكون المملكة العربية السعودية الأكثر تأثرا من إعادة الانتشار الأميركي بسبب الوجود الواسع للقوات الأميركية على أراضيها من جهة والخطر المتموضع على حدودها الجنوبية مع اليمن من جهة أخرى.

ومع أن الولايات المتحدة بدأت فعلا بسحب بعض القطع العسكرية الثقيلة من السعودية خلال الأيام الماضية بما فيها بطاريات صواريخ “باتريوت” وحاملة الطائرات دائمة التواجد في المياه السعودية، بسبب الحاجة إلى هذه المعدات في مناطق أخرى حسب التصريحات الأميركية، إلا أنه من المتوقع أن تكون التغييرات القادمة أكبر وأوسع مع التركيز على إبقاء أسلحة الدفاع الصاروخي المتطورة “ثاد” وقوة جوية دفاعية وهجومية متكاملة على الأراضي السعودية.

ويبدو أن الحديث الذي تم التطرق إليه حديثًا في بيان مشترك بين البلدين إثر هذه المحادثات الاستراتيجية الافتراضية، والمتمحور حول وجود القوات الأميركية هو إعادة صياغة للواقع الحالي أكثر من كونه تحولًا إستراتيجيًا. ويقود التحالف من بغداد العميد في مشاة البحرية الأميركية الجنرال رايان ريداوت الذي انتقل رسميًا إلى منصب استشاري رسمي في يوليو الماضي.

وفي تعليق على أنباء الانسحاب قالت وزارة الدفاع الأميركية إنها ستعيد نشر عناصرها بناء على التهديدات في العالم.

ويقول خبراء إن الولايات المتحدة تنظر إلى الصين كخطر إستراتيجي ذي أولوية، ولذلك يمكن أن تخفف وجودها في مناطق من الشرق الأوسط حتى لو كان ذلك في خدمة إيران.

لكنهم لفتوا إلى أن الانسحاب سيكون تدريجيا وستركز واشنطن من خلاله على تخفيف الوجود المباشر في قواعدها بالخليج والعراق، على أن يستمر الوجود الجوي أو يتدعم كاستراتيجية مستقبلية في المنطقة.

واتفقت واشنطن وبغداد خلال محادثات الأربعاء على سحب آخر القوات الأميركية المقاتلة في العراق.

وأكد البلدان في البيان المشترك أن “مهمة الولايات المتحدة وقوات التحالف تحولت إلى (مهمة) تدريب ومشورة، ما يتيح تاليا إعادة نشر أي قوة مقاتلة لا تزال في العراق، على أن يحدد الجدول الزمني (لذلك) خلال محادثات مقبلة”.

ويأتي هذا القرار فيما تتعرض القوات الأميركية في العراق بشكل شبه يومي لهجمات صاروخية تنسب إلى فصائل شيعية مسلحة مرتبطة بإيران. ومن شأن هذا الانسحاب، الذي لا يعرف إلى حد الآن ما إذا كان انسحابا فعليا أم إعادة تحريك للقوات، أن يسحب مبررات الاستنفار لدى الميليشيات الحليفة لإيران خاصة أنها تريد توظيف ورقة الانسحاب الأميركي في الانتخابات.

وتقول أوساط سياسية عراقية إن سحب الأميركيين لقواتهم من القواعد الموجودة في العراق سيمنحهم حرية أكثر في الحركة واستهداف الميليشيات الموالية لإيران عن بعد. كما أن هذه الخطوة ستخدم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في مواجهة الميليشيات، وتتيح له الاستمرار في خطابه بشأن جمع السلاح، وكذلك الانفتاح على الأميركيين والعرب.

ويتعرض الكاظمي لضغوط من الميليشيات المدعومة من إيران بسبب وجود 2500 جندي أميركي، لكن المسؤولين الأمنيين العراقيين يقولون إن هذا الوجود المحدود لا يزال ضروريًا بالنسبة إلى العراق.

وقد وصفت رندا سليم، مديرة حل النزاعات وبرنامج حوارات المسار الثاني في معهد الشرق الأوسط، البيان المشترك الصادر يوم الأربعاء بأنه نتاج رسائل حذرة ولكنها مصحوبة بالقليل من التغيير.

وقالت إن الهدف من البيان أولا “تعزيز موقف رئيس الوزراء”، وثانيا “إرسال رسائل إلى الشعب العراقي مفادها أن هذه علاقة مختلفة بين الولايات المتحدة والعراق، والتي لا تركز فقط على الأمن”.

لكن جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، قال إنه ليس هناك أي تفاهم مع بغداد حول الجدول الزمني المتعلق بعملية سحب “القوات القتالية” لبلاده من العراق.

العرب