بداية متعثرة لإعادة إعمار جامع النوري: معماريون عراقيون يحذرون من تشويه المعلم

بداية متعثرة لإعادة إعمار جامع النوري: معماريون عراقيون يحذرون من تشويه المعلم

الجدل الدائر في العراق حول مشروع ترميم جامع النوري في الموصل يعدّ انعكاسا للمشاكل التي تواجه عملية إعادة إعمار المناطق المدمّرة بفعل حرب داعش والتي لا تقتصر على تأخر السلطات في إطلاق العملية الضرورية لبسط الاستقرار في تلك المناطق بسبب عجزها المالي وفشلها في جلب مملوين ومستثمرين، ولكنها تطال أيضا طريقة إدارة السلطات للمشاريع القليلة التي توفر لها التمويل مثلما هي الحال بالنسبة لمشروع ترميم الجامع التاريخي.

الموصل (العراق) – أثار إهمال السلطات العراقية لمشروع إعادة إعمار جامع النوري المتضرّر من حرب داعش في مدينة الموصل بشمال العراق، وتعويلها بالكامل على منظمة اليونسكو في إنجاز المشروع، غضب المهندسين المعماريين الذين حذّروا من ضياع هوية المعلم التاريخي البارز بعد أن اعتمدت المنظمة الأممية المعنية بشؤون التربية والعلم والثقافة تصميما لمعماريين مصريين، متجاوزة المدرسة العراقية بكل إنجازاتها وكفاءاتها ذات الشهرة العالمية.

وفاز ثمانية مهندسين معماريين مصريين بمسابقة دولية لإعادة بناء الجامع الذي لحقت به أضرار جسيمة خلال معارك استعادة مدينة الموصل مركز محافظة نينوى من داعش عام 2017.

وتشكل إعادة إعمار الجامع الذي بني في القرن الثاني عشر ميلاديا والمعروف بمنارته الحدباء جزءا من مشروع المنظمة لإحياء مدينة الموصل القديمة.

وقد اختير المشروع المصري الحامل لعنوان “حوار الأروقة” من بين 123 تصميما كانت قد شاركت في المسابقة التي نظمتها اليونسكو.

وردّ مهندسون معماريون عراقيون على هذا الاختيار معتبرين أنّه يرقى إلى مستوى “الفضيحة”. وقال المهندس معاذ الألوسي إنّ مشروع إعادة بناء جامع النوري أصبح بمثابة أكبر استهانة بالمعمار العراقي الذي يعود عمره إلى سبعة آلاف سنة، معتبرا ذلك “فضيحة تنطوي على تجاهل متعمد”.

وقالت المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي إنّ “إعادة إعمار مجمع جامع النوري وهو أحد المعالم التاريخيّة المُتأصّلة في نسيج مدينة الموصل وتاريخها، ستترك بصمة بارزة ضمن الجهود المبذولة للدفع بعجلة تحقيق المصالحة والتلاحم الاجتماعي في المدينة التي مزقت الحرب أوصالها”.

وأضافت “تُحفّز مواقع التراث والمعالم التاريخية شعور الناس بالانتماء وبالمجتمع وبالهوية، وتضطلع بدور أساسي في إحياء روح الموصل خصوصا والعراق عموما”.

لكنّ نقابة المهندسين العراقيين رأت أنّه لا يوجد أصلا مبرّر لإقامة مسابقة لاختيار تصميم للمشروع لأنّ الأمر يتعلق وفق النقابة بإعادة بناء الجامع الذي تضررت أجزاء كثيرة منه أثناء العمليات العسكرية وليس بإقامة جامع جديد محل الجامع المتضرّر.

كما أكدت النقابة على ضرورة أن تقوم المنظمة الدولية بالاستعانة بخبرات معمارية عراقية من أجل تنفيذ ذلك المشروع الذي ينبغي أن يلتزم بحدود إعادة الإعمار.

وما يذكي غضب المعماريين العراقيين وجود مسؤولية مباشرة لسلطات البلاد في “الانحراف الذي وقع في مشروع إعادة إعمار جامع النوري” ذلك أنّ الخطوات التي اتبعتها اليونسكو جرت بالتنسيق مع وزارة الثقافة العراقية وديوان الوقف السني.

وكان من المستغرب أن يستبعد من اللّجان المكلّفة بمتابعة المشروع أهل الاختصاص، حيث لم تضم اللجان أي مهندس معماري عراقي.
د أثار المهندس المعماري ومؤرخ العمارة العراقي إحسان فتحي الكثير من النقاط الخلافية قبل الإعلان عن المسابقة البالغة مكافأتها خمسين ألف دولار وبعدها، وبالأخص ما يتعلق بالطابع المعماري الذي يمكن من خلاله تشخيص الهوية العراقية والحفاظ على أصالة المكان، شكلا ووظيفة. غير أن الخلاف استمر من خلال إصرار المنظمة الدولية على اجراء المسابقة.

ويقول الفريق المصري صاحب التصميم الفائز إنّ الأخير لا ينطوي على تغيير في شكل مجمّع المعلم وأنّ الأمر سيقتصر على توسعة يقتضيها تطور العصر وضرورة استيعاب الجامع لأكبر عدد ممكن من المصلين، لكنّ المعماريين العراقيين يعتبرون أنّ التصميم في حال تنفيذه سيضر بالمدينة وسيكون بداية سيئة لمشروع إحياء الجزء التاريخي منها.

ويهدف المشروع الذي يفترض أن يبدأ تنفيذه في أواخر الخريف القادم إلى “إعادة بناء قاعة الصلاة التاريخية في جامع النوري وتحقيق الانسجام بين أركان المجمّع وهو أكبر مكان عام في مدينة الموصل القديمة، ومحيطه الحضري، وذلك من خلال استحداث أماكن عامة مفتوحة ذات خمسة مداخل تربطها بالشوارع المحيطة بها” بحسب اليونسكو.

وأطلقت المنظمة المسابقة في نوفمبر الماضي ضمن مشروع يطلق عليه اسم “إحياء روح الموصل” ويهدف إلى إعادة إحياء المدينة القديمة في الموصل وحياتها الثقافية وتعزيز نظامها التعليمي.

وشهدت المدينة ذات الخصوصيات الثقافية والحضارية والمعروفة بتعايش سكانها الذين يدين قسم منهم بالمسيحية، بين سنتي 2014 و2017 إحدى أحلك فتراتها عندما سيطر عليها تنظيم داعش وطبّق تعاليمه المتشدّدة على سكّانها. وتمكّنت القوات العراقية في الأخير من استعادة المدينة التي يشقّها نهر دجلة من التنظيم بدعم كبير من قوات التحالف الدولي.

لكنّ الحرب التي دارت داخل أحياء المدينة وشوارعها أوقعت خسائر كبيرة في أرواح المدنيين كما ألحقت أضرارا بالغة ببناها التحتية ومنشآتها بما في ذلك معالمها التاريخية.

وينتقد كثيرون طريقة إدارة الحرب في الموصل ويتهمون القوات العراقية والميليشيات الرديفة لها وكذلك قوات التحالف باستخدام مبالغ فيه للقوّة النارية في تلك الحرب بما في ذلك القصف المدفعي والجويّ، لكن العسكريين يردّون بأن داعش تمترس بين السكّان واتّخذ منهم دروعا بشرية ولم تكن ثمة خيارات كثيرة لاستعادة المدينة من قبضته وإنهاء معاناة سكّانها.

العرب