بالتزامن مع الاحتفال العالمي الـ51 بيوم الأرض، استضاف الرئيس الأميركي جو بايدن صباح أمس قادة 40 دولة من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في قمة مفترضة بشأن المناخ، من أجل دفع الاقتصادات العالمية إلى الحفاظ على هدف الحدّ من الاحترار عند 1.5 درجة مئوية، وبناء مستقبل خال من انبعاثات الكربون.
وبدأ الرئيس بايدن القمة بإعلان هدف أميركي جديد لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بمقدار النصف على الأقل في العقد المقبل، وهو إلى حد بعيد الهدف المناخي الأكثر طموحا الذي تسعى إليه الحكومة الأميركية على الإطلاق.
قمة المناخ.. بايدن يلغي إرث ترامب وتعهدات من أردوغان وبوتين وشي جين بينغ
ولا تزال الولايات المتحدة من أكبر مصادر تراكم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم بعد الصين، في وقت تنخفض فيه نسب الانبعاثات الأميركية ببطء، وهو ما يصعب معه تجنب الآثار الأكثر كارثية لتغير المناخ، بما في ذلك فيضانات المناطق الساحلية والعواصف المدمرة وحرائق الغابات وموجات الحرارة المرتفعة.
بايدن يفي بتعهداته
وجاءت قضايا المناخ والبيئة على رأس وعود بايدن في حملته الانتخابية، وتعهد حينئذ بعودة انضمام بلاده إلى اتفاق باريس التاريخي للمناخ الموقع عام 2015.
وبالفعل أعاد بايدن، في اليوم الأول من دخوله البيت الأبيض، بلاده إلى الاتفاقية، كذلك سمي وزير الخارجية السابق جون كيري مبعوثا ومسؤولا عن ملفات البيئة والمناخ، وهو ما عكس جدّية بايدن تجاه هذا الملف.
واستكمالا لتعهداته، ترأس بايدن “قمة عالمية مناخية” للدفع باتجاه أجندة عالمية تؤدي إلى انخفاض الانبعاثات الكربونية العالية.
وأمضى كيري، المبعوث الخاص للمناخ، الأشهر القليلة الماضية في جولة في أنحاء العالم، في محاولة لطمأنة قادة العالم بأن الولايات المتحدة يمكن الوثوق بها للوفاء بوعودها، خاصة عقب انسحاب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب منها فور وصوله إلى الحكم في 2017.
وتمثل القمة أول فرصة رئيسة لإدارة بايدن لإعادة تموضع الولايات المتحدة في دور لاعب جدير بالثقة في دبلوماسية المناخ الدولية.
الوعد الأميركي البيئي الجديد
وتعد الولايات المتحدة بخفض الانبعاثات الأميركية من ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرهما من الغازات المسببة لاحترار كوكب الأرض بنسبة تراوح بين 50 و52% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2005.
ويتطلب تحقيق هذا الهدف أن يأتي ما يقارب نصف الكهرباء في البلد من الطاقة المتجددة، وسيتعين أيضا تغيير وسائل النقل بمختلف أنواعها بوجه كبير، لتصبح أكثر اعتمادا على السيارات والشاحنات الكهربائية.
وعلى مدى سنوات حكم ترامب الأربع، لم تفعل الحكومة الأميركية أي شيء تقريبا لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بل تراجعت عن القيود المفروضة على الانبعاثات من السيارات والشاحنات وعمليات استخراج النفط والغاز ومحطات الطاقة.
وقد حاولت بعض الولايات والمدن والشركات الحد من الانبعاثات بمفردها، لكن التقدم كان بطيئا جدا. وفي الأسبوع الماضي دعت أكثر من 300 شركة أميركية إدارة بايدن إلى خفض انبعاثات الكربون إلى النصف على الأقل بحلول عام 2030، على أساس مستويات التلوث في عام 2005.
انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ في يناير/كانون الثاني 2017، وعادت إليها رسميا بعد وصول بايدن إلى الحكم. ودفع الانضمام إلى الاتفاقية بكثير من الدول المتقدمة إلى التعهد بالتصدي لتغير المناخ، مثل خفض معدلات الانبعاثات الحرارية.
والآن بعد أن أعلنت الولايات المتحدة معدلاتها المستقبلية المستهدفة، أمام الحكومة الفدرالية 6 أشهر للعمل على وضع خطة أكثر تفصيلا قبل المفاوضات الدولية السنوية بشأن المناخ في مدينة غلاسكو بأسكتلندا في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وقدمت إدارة بايدن حزمة تشريعات طموحة لتطوير البنية التحتية يُنتظر أن يبحثها الكونغرس الصيف المقبل. وكجزء من الحزمة، اقترحت إدارة بايدن إنهاء الدعم المقدم لشركات الوقود الأحفوري، وبناء مزيد من مصادر الطاقة الشمسية وكهرباء الرياح، ووضع معايير انبعاثات أكثر صرامة للسيارات والشاحنات.
وقال مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، وهو جماعة نشطة مؤيدة لتطوير سياسات المناخ، إن هدف خفض الانبعاثات بنسبة 50% الذي أشار إليه بايدن من شأنه أن “يساعد على انتشال البلاد من الركود الناجم عن وباء كورونا بتوفير فرص عمل جديدة لملايين الأميركيين كل عام، فضلا عن تجنب عشرات الآلاف من الوفيات المبكرة”.
وقدمت النائبة الديمقراطية التقدمية، ألكسندريا أوكتافو كورتيز، خطة طموحة أُطلق عليها “الصفقة الخضراء” للانتقال كلية إلى مصادر الطاقة النظيفة، وتلقى الخطة دعما واسعا من رموز التيار اليساري بالحزب وعلى رأسه السيناتور بيرني ساندرز.
وقالت كورتيز في تقديمها للخطة “إننا نرفض السماح لاقتصاد ينتقل من سيطرة رجال النفط إلى سيطرة رجال الطاقة الشمسية. سوف ننتقل إلى اقتصاد خال من الكربون بنسبة 100%، أكثر اتحادا، وأعدل، وأكثر كرامة، ويضمن مزيدا من الرعاية الصحية والإسكان أكثر من أي وقت مضى”.
وهاجم قادة الحزب الجمهوري الجهود الأميركية الداعمة لمصادر الطاقة البديلة على حساب مصادر الطاقة التقليدية، ولقيت دعوة التوجه إلى مصادر الطاقة النظيفة رفضا عاما من الحزب القريب من كبريات شركات النفط والغاز الأميركية.
وغردت السيناتورة الجمهورية هايدي سميث، من ولاية ميسيسبي، قائلة إن “الصين وروسيا والهند من بين أكبر الملوثين في العالم، ومع ذلك فإن اتفاقية باريس للمناخ ترفض محاسبتهم، في حين سيضحى بالوظائف في ميسيسبي وفي جميع أنحاء البلاد”.
بدوره قال توم كوتون، السيناتور الجمهوري من ولاية أركانساس، الذي يعدّه البعض مرشحا رئاسيا محتملا لانتخابات 2024، “إن الصين تقود العالم في نمو انبعاثات الكربون، لكن الرئيس بايدن يتجاهل الصين ويلقي باللوم على الأميركيين بدلا من ذلك”.
المصدر : الجزيرة