أيرلندا الشمالية تحيي ذكرى مئوية بائسة وسط جراح بريكست

أيرلندا الشمالية تحيي ذكرى مئوية بائسة وسط جراح بريكست

تحيي أيرلندا الشمالية الاثنين الذكرى المئوية لتأسيسها دون احتفالات ووسط تداعيات هزة بريكست وأعمال عنف غير مسبوقة سببها حالة التفكك الاقتصادي الناجمة عن الانفصال وتوترات قائمة بين سكان موالين للوحدة مع المملكة المتحدة وآخرين قوميين موالين لأيرلندا، وفيما ألقى الانقسام العميق بظلاله على الاحتفالات، يتوقع المتابعون أن تشكل المشاعر الانفصالية المتنامية وما خلفته من اضطرابات سياسية، أول خطوة لتفكك المملكة المتحدة.

دبلن – تحيي أيرلندا الشمالية الاثنين الذكرى المئوية لتأسيسها دون احتفالات، ما يعكس الهوة التي أحياها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما زالت تفصل بين المجموعتين اللتين تشكلان سكان المقاطعة البريطانية، فيما يتوقع متابعون أن تضع المشاعر القومية المتنامية لدى الانفصاليين، وما رافقها من توتر مؤخرا، المملكة المتحدة على طريق التفكك.

ومنذ أن تحررت جمهورية أيرلندا من الحكم البريطاني في الثالث من مايو 1921، شكل وجود أيرلندا الشمالية التي أنشئت في الوقت نفسه وألحقت بالمملكة المتحدة، محور مواجهة كانت دموية في بعض الأحيان بين البلدين.

ويقوم خلاف منذ عقود حول وضع وطنهم بين الوحدويين الذين يدافعون عن الانتماء إلى المملكة المتحدة وهم بروتستانت خصوصا، والجمهوريين المؤيدين لإعادة توحيد المقاطعة مع أيرلندا وغالبيتهم كاثوليك.

وتصاعد التوتر مؤخرا بسبب التغييرات التي سببها زلزال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ما أدى في الأسابيع الأخيرة إلى أعمال شغب واستقالة رئيسة الحكومة المحلية أرلين فوستر التي تقود حزب الاتحاد الديمقراطي الاتحادي المحافظ المتطرف، حيث يصر الآن إقليم أيرلندا الشمالية على أن يبقى يعامل معاملة خاصة مع الاتحاد الأوروبي وأن تظل الحدود غير موجودة مع جمهورية أيرلندا.

وفي حال بدأت المشاعر القومية لدى الانفصاليين تتقوى أكثر مع إصرارهم على مطالبهم، فإن التوتر قد يتجدد في أيرلندا الشمالية، وقد ينضم الإقليم في النهاية إلى الجمهورية الأيرلندية، وهذا سيشجع القوميين الأسكتلنديين على المطالبة بالاستقلال عن المملكة المتحدة، بعدها سيتحرك القوميون في ويلز للمطالبة بالاستقلال أيضا.

ومع توسع دائرة تحركات الانفصاليين لن يبقى سوى إنجلترا، وهو ما سيدق آخر مسمار في نعش الإمبراطورية التي لم تكن الشمس تغرب عنها، أي أن المملكة المتحدة باتت مهددة بالتفكك وستتقزم وتصبح صغيرة.

الذكرى المئوية لأيرلندا الشمالية تشكل بطبيعتها مصدر انقسام داخل المملكة المتحدة ولا يمكن أن تكون إلا كذلك

وقال جوناثان إيفرشيد الباحث في جامعة “كوليدج كورك” في تصريحات صحافية إن “الذكرى المئوية لأيرلندا الشمالية تشكل بطبيعتها مصدر انقسام ولا يمكن إلا أن تكون كذلك”. ورأى أنه “ليست هناك ببساطة طريقة لإحياء ذكرى أيرلندا الشمالية بطريقة تصالحية أو جامعة” لكل الأطراف.

وحتى اليوم، يسمي الجمهوريون مقاطعتهم “أيرلندا الشمالية” ويعتبرون إنشاءها “تقسيما” بناء على اعتقادهم الراسخ بأن الحدود فُرضت بشكل غير شرعي. وكان هذا الانقسام العميق في قلب “الاضطرابات”، أي النزاع الدموي الذي خلف خلال ثلاثين عاما نحو 3500 قتيل قبل إبرام اتفاق السلام في 1998.

وعلى الرغم من هذا السلام الهش، ما زال الجمهوريون الذين يوصفون أيضا بالقوميين، يزيّنون منازلهم بالعلم الأيرلندي، في إشارة إلى أنهم يرون أنفسهم مواطنين لأيرلندا محتلة من قبل قوة أجنبية. في المقابل، ترفع الجيوب الوحدوية في بعض المدن العلم البريطاني وترسم جداريات تحتفي بالعائلة الملكية البريطانية.

وفي هذه الظروف، فإن أي انتصار لمعسكر يعتبر هزيمة للمعسكر الآخر لأن وجهات النظر بينهما “متعارضة بشكل لا يمكن إصلاحه” حسب إيفرشيد.

لهذا السبب، تطرح الاحتفالات المئوية التي اقترحتها الحكومة مشكلة، إذ تستند حكما إلى فكرة أن أيرلندا الشمالية تنتمي إلى المملكة المتحدة وأن الملكة إليزابيث الثانية هي رئيسة الدولة.

مع ذلك، يشمل برنامج الحكومة المحلية مناسبات من شأنها أن تقرّب بين الطرفين من إقامة قداس ديني لكل الطوائف إلى إنشاء “صندوق للتاريخ المشترك”.

وترغب الحكومة في “التأكيد على قوة وجمال تنوع الهويات في المقاطعة”، لكن بعض المبادرات الرمزية يمكن أن تثير غضب الجمهوريين، مثل تقديم “وردة مئوية” إلى الملكة “من أجل حديقتها”.

وقال إيفرشيد بأن “لدى الوحدويين والقوميين فهم مختلف للماضي. فكل من الطرفين يحيي ذكرى أمور مختلفة ويفعل ذلك بشكل مختلف عن الآخر، لأن لديهما رؤى متضاربة للمستقبل السياسي”.

في الوقت نفسه، تحل هذه الذكرى المئوية في وقت أحيا بريكست بقوة التوتر الكامن.

ولتجنب عودة حدود مادية مع جمهورية أيرلندا، تواصل أيرلندا الشمالية تطبيق أنظمة الاتحاد الأوروبي. وفرضت ضوابط على البضائع القادمة من بريطانيا في موانئ المقاطعة.

ولأنهم شعروا أنهم تعرضوا لخيانة من لندن المتهمة بإنشاء حدود جمركية في البحر الأيرلندي، أطلق الوحدويون أعمال شغب عنيفة في مدن عدة مطلع أبريل.

واضطرت رئيسة الوزراء والزعيمة الوحدوية أرلين فوستر لإعلان استقالتها، ما أدخل المقاطعة في مرحلة من الغموض السياسي.

في هذه الأجواء المتوترة، أعلن اثنان من الأحزاب الجمهورية الكبرى، الشين فين والحزب الاجتماعي الديمقراطي والعمالي، مقاطعتهما لعمليات التخطيط للاحتفالات. وقالت ميشيل أونيل زعيمة الشين فين في المقاطعة “لن نحتفل بهذا التقسيم الذي يشكل إخفاقا لأهل هذه الجزيرة”.

في المقابل، يبدو بعض الوحدويين الذين فقدوا مؤخرا سيطرتهم التاريخية على البرلمان المحلي، غير راضين عن اللهجة المحايدة لحكومة لندن.

لذلك يتحدث إيفرشيد عن ذكرى مئوية “بائسة” سواء للوحدويين الذين “يحيون الذكرى المئوية لدولة هي على صورتهم لكنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان فيها”، أو للجمهوريين الذين “يقرون مرغمين بأن الحدود التي يعارضونها منذ الأزل ما زالت قائمة”.

العرب