إيران تتغير نحو الأسوأ

إيران تتغير نحو الأسوأ

يعمل المحافظون في إيران على اتباع كل الأساليب الممكنة من أجل السيطرة تماما على نظام الحكم في البلد، فقد بدأت أعينهم على منصب الرئيس تتضح أكثر بعد دعم المرشد الأعلى علي خامنئي لاختيارات مجلس صيانة الدستور للمرشحين في السباق الرئاسي المقرر بعد ثلاثة أسابيع من الآن.

وأرخت علامات القلق بظلال قاتمة على الأوساط السياسية الإيرانية خاصة بين شق من التيار المحافظ، من أن البلد يسير في طريق خاطئ تماما قد يربك سياساته الخارجية ويزيد من تعليق القضايا الداخلية بشكل أكثر مما هي عليه الآن.

ومن المقرر أن تؤدي انتخابات هذا العام إلى تقليص حجم خيمة الجمهورية الإسلامية إلى حد أبعد من خلال حرمان المعتدلين من أي فرصة حقيقية للتنافس على الرئاسة.

الأخطار في تزايد
صرح علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني السابق في مقابلة أجريت معه مؤخرًا “لم يكن نمونا الاقتصادي يسير بالوتيرة المطلوبة لحل المشاكل، خاصة بالنسبة لمشاكل الشباب والبطالة. كان من الطبيعي ألا تنمو البلاد بهذه الطريقة في ظل خضوعها للعقوبات”.

وكانت تعليقات لاريجاني، التي جاءت قبل أيام من استبعاده من خوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الـ18 من يونيو المقبل، تذكيرا واضحا بالمخاطر التي قد تمر بها انتخابات هذا العام.

وفي حين أعرب لاريجاني عن دعمه للمفاوضات مع الغرب لرفع العقوبات وربما معالجة النزاعات خارج القضية النووية، فإن منافسه المحتمل على الرئاسة، رئيس القضاء المتشدد إبراهيم رئيسي، لديه وجهات نظر مختلفة للغاية حول أفضل السبل للتعامل مع العقوبات الأميركية.

وقبل شهرين، أعلن رئيسي أنه “بدلاً من السعي للتفاوض مع العدو، يجب أن نحل المشاكل الاقتصادية للبلاد من خلال إدارة القدرات البشرية والطبيعية بشكل صحيح”.

لكن تنحية لاريجاني وغيره من المعتدلين والإصلاحيين البارزين من انتخابات هذا العام، والتي جعلت رئيسي يسير نحو الرئاسة بلا منازع، أمور تتجاوز الملف النووي. بل تمثل نقطة انعطاف في التاريخ السياسي لإيران.

فالمتشددون ذوو وجهات النظر الاستبدادية والمعادية بشدة للولايات المتحدة يحاولون بقوة لإخراج منافسيهم المعتدلين من المشهد السياسي وقلب العناصر الجمهورية للنظام.

وكانت الجمهورية الإيرانية الإسلامية منذ أن تصورها مؤسسها آية الله روح الله الخميني كمزيج بين تفسيره للفلسفات السياسية الشيعية والجمهورية الغربية والسياسات الانتخابية.

فنظام الحكم فيها مزيج فريد من السيادة الشعبية والسلطة الدينية، رغم أن المؤسسات التي تمثل السلطة الدينية تمتلك سلطة وصاية على الأولى. ولدى إيران رئيس وبرلمان، ولكن أيضا مجلس صيانة الدستور مكون من رجال الدين ورجال القانون الذي يدقق في التشريعات والمرشحين السياسيين، ومرشد ديني أعلى يكون له الحكم النهائي في القرارات رفيعة المستوى.

وكان هناك انقسام سياسي رئيسي داخل النظام الإيراني منذ التسعينات إلى حد كبير بين مؤيدي الحفاظ على هيمنة المؤسسات الدينية للدولة وأولئك الذين يريدون إصلاحها وتمكين المؤسسات الجمهورية.

ويقول سينا توسي، محلل أبحاث بارز في المجلس القومي الإيراني الأميركي في تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” إن العناصر الأكثر ثيوقراطية تسعى إلى الوصول إلى وضع سياسي واجتماعي قائم منعزل، في حين حاولت القوى ذات العقلية الإصلاحية العمل على انفتاح البلاد.

وتختلف هذه التيارات كذلك في السياسة الخارجية، حيث غالبًا ما يدافع المتشددون الثيوقراطيون عن سياسات الاكتفاء الذاتي والانعزالية، ويعارضون تحسين العلاقات مع الغرب، بينما تدعم القوى ذات العقلية الإصلاحية التعامل مع الغرب وتطرح الحلول التي تحركها الدبلوماسية للنزاعات في المنطقة وخارجها.

وعلى مر السنين، حاولت المؤسسات الثيوقراطية القضاء على الإصلاحيين ومنعهم من الحصول على مركز مهيمن في النظام. وتبع الانتصار المفاجئ للإصلاحي محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية في العام 1997 منع مجلس صيانة الدستور معظم الإصلاحيين من خوض الانتخابات البرلمانية لعام 2004.

وتبع انتخابات عام 2009 التي خاضها المرشح الرئاسي الإصلاحي مير حسين موسوي استبعاد صادم للرئيس المعتدل السابق أكبر هاشمي رفسنجاني من الترشح في انتخابات 2013. وقوبل انتخاب الرئيس المعتدل حسن روحاني في ذلك العام وإعادة انتخابه في عام 2017 باستبعاد معظم المعتدلين في الانتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي.

إقصاء مكشوف للمعتدلين
Thumbnail
يفوز المعتدلون في إيران بالانتخابات عندما يُسمح لهم بالترشح ويلعب المتشددون لعبة الضرب المستمرة لقمع أكثر الشخصيات السياسية الواعدة للمعتدلين. لكن انتخابات هذا العام تظهر أنها المحاولة الأكثر شفافية للمتشددين في تاريخ إيران الحديث ليس فقط لإقصاء منافسيهم ولكن لإزالة خط تفكيرهم بالكامل من المشهد السياسي الإيراني.

ورغم أن لاريجاني ليس إصلاحيا لكنه ينحدر من الجناح البراغماتي للمؤسسة المحافظة. ومع ذلك، فقد اعتبر غير مؤهل للترشح للرئاسة. وفي الأسابيع الأخيرة، أوضح أنه سيتبع أجندة تركز على النمو الاقتصادي عبر زيادة التكامل مع الاقتصاد العالمي وسيسعى إلى إنشاء علاقات أفضل مع جميع القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة. وأكد أنه إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي والتزمت بالتزاماتها، فقد يكون من الممكن إجراء مفاوضات أوسع.

وبالنسبة للمتشددين الإيرانيين، كانت أجندة لاريجاني تمثل استمرارًا للاتجاهات التي اعتبروها خطيرة وسعوا إلى عكسها في عهد روحاني. ففي أعقاب الاتفاق النووي في 2015، حذر المرشد الأعلى علي خامنئي من الجهود المبذولة للتسلل السياسي والثقافي إلى إيران من قبل أعداء البلاد وتخريب الجمهورية الإسلامية من الداخل.

واعتبر المتشددون في الحرس الثوري كلماته بمثابة ضوء أخضر لاعتقال العديد من المواطنين العاديين ومزدوجي الجنسية بتهم ملفقة تتعلق بـ”التسلل” والسعي إلى “تغيير النظام الناعم”، مما ساعد على وقف الانفتاح الاقتصادي والسياسي الذي حققه الاتفاق النووي.

ولعب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي لمصلحة المتشددين الإيرانيين. ولو سُمح للاتفاق النووي بالنجاح ورأست حكومة روحاني سنوات من النمو الاقتصادي، فمن الصعب تخيل السيناريو الذي يتكشف اليوم.

ويخلو المعسكر السياسي الإصلاحي والمعتدل في إيران حاليًا من دعم شعبي ذي مغزى وعاجز في مواجهة الاستيلاء الصريح على السلطة. وفي الوقت نفسه، كان رئيسي يتقدم في استطلاعات الرأي بينما كان يقود حملة لمكافحة الفساد كرئيس للسلطة القضائية. ويعتقد على نطاق واسع أن لديه طموحات لخلافة خامنئي كمرشد أعلى.

وينضم رئيسي إلى ستة مرشحين آخرين وافق عليهم مجلس صيانة الدستور للتنافس على الرئاسة ثلاثة منهم من المتشددين وهم المفاوض النووي السابق سعيد جليلي وكل من المشرعين علي رضا زكاني وأمير حسين غازيزاده، ومن المتوقع أن يدعموا رئيسي في المناظرات المتلفزة وينسحبوا لصالحه قبل التصويت.

وهناك اثنان فقط من المعسكر المعتدل، وهما محافظ البنك المركزي عبدالناصر همتي ومحسن مهر علي زادة النائب السابق للرئيس. وعند معاينة أسماء المرشحين فإن الانطباع الذي يمكن الخروج به هو أنه لا يمثل كل من التاريخ السياسي ولا الدعم الشعبي تحديا خطيرا لرئيسي.

Thumbnail
ويقول توسي إن الشخصيات التي تحيط برئيسي تنتمي لأكثر فصيل تطرفا في إيران، والمعروف باسم جبهة استقرار الثورة الإسلامية. حيث يرتبط كل من جليلي وزكاني وغازيزاده ارتباطًا وثيقًا بهذا المعسكر، مثل مدير حملة رئيسي، علي نيكزاد.

وسعت جبهة استقرار الثورة الإسلامية لسنوات إلى إقصاء المعتدلين من المشهد السياسي الإيراني. وفي السنوات الأخيرة، أشارت لافتات في تجمعات الجماعة إلى مقتل رفسنجاني بدلاً من موته بنوبة قلبية، وهددت حياة روحاني.

وقد دعت شخصيات مثل زاكاني وغازيزاده صراحة إلى طرد جميع مؤيدي الدبلوماسية مع الغرب من النظام. كما دعم الزعيم الروحي الراحل للجماعة، الأصولي آية الله تقي مصباح يزدي، نموذج كوريا الشمالية لبرنامج إيران النووي.

واتبع النظام الإيراني سياسة إسكات كل من يخالفه الرأي داخل المجتمع السياسي وقد برزت هذه المشكلة بشكل واضح في السنوات الأخيرة، فخاتمي أُقصي من المشهد السياسي ومنع من الظهور إعلاميا أو حتى طرح اسمه في منصب حكومي.

والأمر نفسه كان مع موسوي، الذي تولى رئاسة الوزارة إبان الحرب العراقية – الإيرانية، إذ يخضع للإقامة الجبرية في إيران بعد أن اعترض على انتخابات عام 2009 واعتبرها مزورة حينما ترشح لهذا الاستحقاق. وهو المصير ذاته للمرشح الإصلاحي مهدي كروبي.

وقد اختلف الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد مع النظام، كما تم استبعاده من الترشح في انتخابات هذا العام. وبينما اعتبر أن إيران حادت عن مسارها، اعتبر خاتمي في رسالة مفتوحة الأسبوع الماضي أن “الجمهورية الإسلامية تتعرض للخطر” وانتقد إنكار “حقوق الشعب” وتجاهل المؤسسات الجمهورية للنظام باعتبارها تتعارض مع الثورة.

صحيفة العرب