واشنطن – غيّر النجاح الذي حققته الطائرات المسيرة التركية في ليبيا والعراق وسوريا خارطة الصراعات في الشرق الأوسط وطريق الطموحات الجيوسياسية الإقليمية، وهو ما يدفع حسب الخبراء والمتابعين دول المنطقة إلى ضرورة الاستفادة من التقنيات الحديثة في الحروب.
وفيما أثبتت جبهات الحروب المفتوحة على أكثر من واجهة في المنطقة أنها مسرح مثالي لاختبار قدرات الطائرات المسلحة المسيرة واتضح ذلك بشكل خاص في ليبيا وسوريا، إلا أنه لم تستفد أي دولة من نجاحات الطائرات المسيرة في مناطق الحروب أكثر من تركيا كما أقر وزير الدفاع البريطاني بن والاس الصيف الماضي بقوله “أثبتت الطائرات التركية المسيرة أنها غيرت قواعد اللعبة في ليبيا”.
وأردف والاس في مؤتمر للقوى الجوية والفضائية “قامت هذه الطائرات المسيرة بعمليات استخبارات ومراقبة واستطلاع واستهداف ضد الخطوط الأمامية وخطوط الإمداد والقواعد اللوجستية. وفي يوليو من عام 2019 ضربت مطار الجفرة مما دمر العديد من مراكز القيادة والسيطرة بالإضافة إلى طائرتين للنقل”.
وكانت تركيا دخلت على خط الصراع في ليبيا وساهمت في تأجيجه عبر دعمها لحكومة الوفاق بالسلاح والعتاد في مواجهة الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
كما أشاد الوزير بإنجازات الطائرات المسيرة التركية في شمال سوريا، حيث ألحقت أضرارًا جسيمة بقوات النظام السوري جنبًا إلى جنب مع الحرب الإلكترونية والقصف البري بالذخيرة الذكية.
وأشار والاس في المؤتمر الافتراضي إلى أن “نظام الأسد تكبد خسائر فادحة تمثلت في مقتل 3000 جندي وتدمير 151 دبابة وثماني مروحيات وثلاث طائرات مسيرة وثلاث طائرات مقاتلة ومركبات وشاحنات وثمانية أنظمة دفاع جوي ومقر واحد من بين عناصر عسكرية أخرى. وحتى لو كان نصف هذه الادعاءات فقط صحيحًا، فإن الآثار تغير قواعد اللعبة”.
وهذه الإشادة كانت محل سعادة هالوك بيرقدار، وهو الرئيس التنفيذي لشركة بايكار، وهي الشركة التي أسسها والده في عام 1984 لتصنيع قطع غيار السيارات. وفي العقود التي تلت ذلك تطورت الشركة إلى الذكاء الاصطناعي وأنظمة القيادة والتحكم العسكرية والطائرات المسيرة التي تحمل اسم العائلة. وكان شقيقه سلجوق، مهندس كهربائي ورئيس قسم التكنولوجيا في الشركة، القوة الدافعة وراء طائرات بيرقدار المسيرة.
وفي عام 2005 أقنع رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان بالالتزام بتمويل تطوير صناعة محلية لتصنيع الطائرات المسيرة، بحجة أنه سيقطع شوطًا طويلاً نحو إنهاء اعتماد البلاد على مشتريات الأسلحة الأجنبية.
لكن ما قاد أنقرة إلى تطوير هذه التقنية الحديثة من الأسلحة هو رفض الولايات المتحدة وإسرائيل بيع طائرات مسيرة للأتراك. وفي ندوة عبر الويب في 28 مايو علق هالوك بيرقدار قائلاً “تم استبعاد تركيا من برامج هذه الأنظمة، لذا قررت تركيا اتباع نهج جديد ونرى النتائج اليوم”.
وقد وفرت سوريا وليبيا للشركة منصة حرب تعرض قدرات الطائرات المسيرة التي تجمع بين القوة الفتاكة وسعر الشراء المغري. ويصل مدى طائرات بيرقدار إلى 300 كيلومتر بحمولة من أربع ذخائر موجهة بالليزر. وتعد تكلفتها البالغة 5 ملايين دولار أميركي أقل من نصف سعر الطائرة الأميركية المسيرة من طراز “بريداتور” والتي تم استخدامها في تحرك ضد حزب العمال الكردستاني الكردي في شمال العراق، وضد قوات النظام السوري كما ذكر بن والاس، وفي ليبيا ومؤخرًا بفعالية مدمرة في الحرب القصيرة بين أذربيجان وأرمينيا حول جيب ناغورني قرة باغ المتنازع عليه.
واتبع الجيش الأذري المجهز بطائرات بيرقدار المسيرة نفس التكتيكات التي استخدمها الأتراك في هجومهم الذي استمر 5 أيام في فبراير 2020 ضد قوات الأسد. وأدى الجمع بين ضربات الطائرات المسيرة الدقيقة ونيران المدفعية الأرضية إلى تدمير القوات الأرمنية التي سرعان ما رفعت دعوى من أجل السلام.
ونتيجة للنجاحات التي حققتها طائرتهم المسيرة في ساحة المعركة، تحررت بايكار من القيود التنظيمية المفروضة على الشركات الأميركية والمخاوف الأمنية للإسرائيليين، ولديها سياسة الباب المفتوح والبيع لأي دولة لديها المال.
وقد زودت الشركة أوكرانيا وعُمان وقطر وتونس وباكستان وأذربيجان. وكانت بولندا أول دولة في الناتو تشتري هذه الطائرات. وعلى حد تعبير بيرقدار فإن “الصادرات تخلق روابط إستراتيجية وعلاقات تكميلية، ونحن نتحالف ونتعاون مع الدول الصديقة من أجل المنفعة المتبادلة”.
وألهمت نجاحات بايكار دول المنطقة مثل الإمارات. وكانت شركة الدفاع في أبوظبي “إيدج” قد أعلنت أنها ستطلق علامتها التجارية الخاصة من الطائرات المسيرة، وهي عائلة من الطائرات المسيرة التي تحوم في منطقة ما حتى يتم تحديد الهدف بدقة ثم إطلاق الذخائر لتدميره.
ورأى فيصل البناي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة “إيدج” أن “تكنولوجيا الطائرات المسيرة تحدث ثورة في عالمنا من خلال الإمكانات الكاملة للقدرات المستقلة والمسيرة التي لا يزال يتعين استكشافها، ليس فقط في القطاع العسكري ولكن في القطاع التجاري أيضًا”.
وشرح قائلا “من خلال إطلاق أول عائلة إماراتية من الطائرات المسيرة الذكية، تمثل ‘إيدج’ علامة بارزة كمحفز تكنولوجي رئيسي لتعزيز القدرات الذاتية للدولة وتكامل الذكاء الاصطناعي”.
ومع صناعة الطائرات المسيرة المحلية الخاصة بها، لن تحتاج الإمارات مثل تركيا إلى القلق بشأن حظر عمليات الشراء بسبب مخاوف أخلاقية أو أمنية، وهي النقطة التي تم تأكيدها في ندوة “روسي” عبر الويب من قبل أش روسيتر الأستاذ المساعد للأمن الدولي في جامعة خليفة بأبوظبي.
وأوضح روسيتر أنه “بالنسبة إلى دول مثل الإمارات تتمتع الطائرات المسيرة بجاذبية متزايدة”. وفي تقديره فإن “التكنولوجيا هي الدواء الشافي لأوجه القصور، خاصة بالنسبة إلى الدول التي لديها عدد قليل من السكان”.
العرب