إسرائيل ليس لها “حق في الوجود” -لكن للإسرائيليين والفلسطينيين هذا الحق

إسرائيل ليس لها “حق في الوجود” -لكن للإسرائيليين والفلسطينيين هذا الحق

كثيرًا ما يُقال لنا إن إنشاء دولة ديمقراطية علمانية واحدة تتمتع بحقوق متساوية للإسرائيليين والفلسطينيين سوف ينتهك “حق إسرائيل في الوجود”. ولكن ليس لأي دولة قومية حق مصون في الوجود -خاصة دولة غير عرقية تأسست على الإقصاء والتطهير العرقي.

* *
في العام 1991، اجتمع ممثلون إسرائيليون وفلسطينيون في مدريد بإسبانيا لاستئناف “عملية سلام” كانوا يأملون، ظاهرياً على الأقل، في أن تضع الأساس لـ”حل دولتين” في المستقبل. وبعد ثلاثة عقود، بينما كانت القنابل الإسرائيلية تنهمر على قطاع غزة، أصبح إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة يبدو أبعد منالاً مما كان من أي وقت مضى.
لم تكن فكرة العثور حل قائم على أساس الدولتين منطقية أبدًا. فالضفة الغربية وقطاع غزة مفصولتان جغرافيا، ويشغَل قطاع غزة كله مساحة لا تزيد على 140.9 ميل مربع. وبموجب شروط صفقة الدولتين المستقبلية، لن يتمكن سكان هذا الشريط الصغير من الأرض، المكتظ باللاجئين الذي أتوا إليه من أماكن أخرى في إسرائيل/ فلسطين، من التنقل إلى أي مكان آخر في بلدهم من دون المغامرة بالمرور عبر أراضي قوة عسكرية معادية يمكنها رفض منحهم هذا الإذن بالتنقل في أي وقت. هل يبدو هذا شبيهاً بدولة مستقلة بطريقة ذات معنى؟
وثمة أسئلة واضحة أخرى لا بد أن تبرز أيضاً. هل سيتم السماح للاجئين الذين تم تطهير عائلاتهم عرقيا من “داخل إسرائيل” بالعودة إلى إسرائيل؟ هل تستطيع هذه “الدولة الفلسطينية المستقلة” أن يكون لها جيشها الخاص؟ وإذا شنت جماعات متشددة غير راضية عن الاتفاق هجمات من داخل فلسطين المستقلة المستقبلية، فهل ستتخذ القاذفات الإسرائيلية طريقها لإيقاع عقوبات جماعية بالفلسطينيين؟
يفترِض حل الدولتين الغامض أيضًا أن هذه الفلسطين المستقلة المستقبلية ستستعيد الأرض التي احتلتها إسرائيل منذ العام 1967، وإنما التي لم يتم ضمها رسميًا. لكن هذا ليس واقعيًا أيضًا. فخلال كل لحظة من زمن “عملية السلام”، استمرت إسرائيل في بناء المستوطنات اليهودية بشكل حصري على الأرض التي احتلتها. وتم الاعتراف بالعديد من هذه المدن/ المستوطنات قانونياً وعوملت -لجميع المقاصد والأغراض- كجزء من إسرائيل.
من الممكن، نظريًا، أن يتم نقل مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين يعيشون في هذه الأماكن إلى داخل إسرائيل كجزء من بعض اتفاقيات السلام المستقبلية، ولكن هذا الاحتمال غير مرجح إلى حد كبير. ففي نهاية المطاف، كان الهدف من بناء هذه المستوطنات في المقام الأول هو خلق “حقائق على الأرض” تجعل من المستحيل التنازل عن أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لأي كيان فلسطيني مستقبلي.
لذلك، من الناحية الواقعية، لن تحوز “الدولة الفلسطينية” المتصوّرة على كل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة (الأراضي التي تصل مساحتها إلى 22 بالمائة فقط من إجمالي مساحة إسرائيل/ فلسطين ككل). وسوف تتكون هذه “الدولة” من كانتونات منفصلة، حتى في الضفة الغربية نفسها، كجيوب تحيط بها المستوطنات الإسرائيلية، وتعبرها وتقطع أوصالها الطرق الإسرائيلية.
إذا كان هذا هو ما سيبدو عليه تقسيم الأرض، وكنتَ تعتقد أن حكم ملايين الفلسطينيين الذين يُعاملون كرعايا وليس كمواطنين إلى أجل غير مسمى أمراً غير مقبول، فسوف يتبقى لك خيار واحد فقط: “حل الدولة الواحدة” المخيف: أعطِ كل شخص يعيش في المنطقة الجنسية والمواطنة والحق في التصويت في الانتخابات الإسرائيلية، واسمح للاجئين بالعودة إلى مدنهم وقراهم، وقم بتفكيك كل مؤسسة قانونية تخلق فروقًا بين المجتمعات العرقية أو الدينية المختلفة داخل الدولة.
ولكن مهلاً، يقول المدافعون عن إسرائيل: أليس لإسرائيل “حق في الوجود”؟ دعونا نلقِ نظرة فاحصة على هذا الادعاء.
تفكيك “حق إسرائيل في الوجود”
إن عبارة “إسرائيل لها حق في الوجود” هي مزيج من الكلمات غير المصممة للتعبير عن فكرة واحدة واضحة، بقدر ما هي وصف لدمج كل شيء معًا، من حل قائم على مبدأ دولة واحدة ديمقراطية علمانية مع حقوق متساوية للجميع، إلى سيناريوهات مخيفة تنطوي على التعرض لغزو عسكري أو فظائع، أو حتى لإبادة الجماعية. وسوف أعترف بحرية بأنني، بصفتي سليلاً ليهود أجبروا على الفرار من أوكرانيا بسبب معاداة السامية، لست محصنًا من الضربة العاطفية لهذا النوع من الخطاب. لكن من المهم التوقف والتفكير مليًا في معناها.
هل يعقل أن نقول عن دولة قومية -أي دولة قومية- إن لها “حقا في الوجود”؟ هل كان لتشيكوسلوفاكيا حق في الوجود؟ ماذا عن مملكة الصقليتين؟ الكونفدرالية؟ ثمة تكوينات قومية محددة تأتي وتذهب كل الوقت، والتي ليس من الواضح ما إذا كان اختفاؤها انطوى دائمًا على ظلم تاريخي.
إن للبشر حقا في الوجود وفي عيش حياة مزدهرة. وإذا كان ثمة شيء يمكن أن يبرِّر أخلاقيا وجود أي دولة قومية، فهو بالتأكيد أن وجودها -على عكس تقسيمها إلى دول قومية أصغر أو استيعابها في دولة أكبر- سيخدم غايات البشر الذين يعيشون في داخلها. وعندما تفشل دولة في القيام بذلك لعدد كافٍ من هؤلاء الأشخاص لفترة طويلة بما يكفي، ينتهي الأمر أحيانًا بإعادة التفاوض بشأن هذه التشكيلات القومية (بشكل سلمي أو غير ذلك)، وستكون الفكرة القائلة إن هذا سيكون دائمًا غير عادل، كمبدأ، فكرة غريبة جدًا.
مع ذلك، ليس لدينا في الحالة ما هو ذو صلة بشكل مباشر. إن إسرائيل تُعد إلى حد بعيد أقوى قوة عسكرية في المنطقة. ولا يمكن لأي من جيرانها الاستيلاء على بوصة مربعة واحدة من أراضيها رغما عنها. وما تزال حماس ضعيفة التسليح لدرجة أن الوصف القياسي الإسرائيلي هو أن الخطر الأساسي الذي تشكله الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزة لا يتجاوز الصدمة النفسية.
تتضح المسألة الحقيقية عندما تُلحق عبارة “كدولة يهودية” بعبارة “لإسرائيل حق في الوجود”.
إذا كانت “الدولة اليهودية” تعني فقط “دولة تصادَف أنها تحتوي على أغلبية يهودية”، فسيكون من الجيد أن توجد إسرائيل “كدولة يهودية”، تمامًا كما يكون من الجيد أن تكون الولايات المتحدة “دولة مسيحية بيضاء”؛ بمعنى أنها دولة تصادَف وجود أغلبية مسيحية بيضاء فيها. ولكن، إذا أخبرني صديق أميركي أنه يعتقد بأن من المهم جدًا أن تكون لأميركا دائمًا أغلبية مسيحية بيضاء، وأنه، على سبيل المثال، يجب أن تضمن سياسات الهجرة الخاصة بنا ألا يصبح السود والسُّمر أغلبية أبدًا، فإنني ربما سأسميه فاشيّاً.
بقدر ما السياسات العنصرية للهجرة سيئة بما يكفي، فإنها لن تكون بمثل سوء ضم أراضي الآخرين إلى دولتك وبناء مدن مليئة بمواطنيك الخاصين بينما ترفض منح المواطنة وحقوق التصويت لكل الأشخاص الآخرين الذين يعيشون هناك لأنهم ينتمون إلى المجموعة العرقية الخاطئة -وهو بالضبط ما يدافع عنه الناس عندما يقولون إن “لإسرائيل حقا في الوجود كدولة يهودية”.
لن تذهب إسرائيل، كدولة قومية إلى أي مكان. لكن الفصل العنصري يمكن أن يسقط هناك، كما سقط في جنوب إفريقيا -ويجب أن يفعل، بحق الله.

الغد