رفْضُ العراقيين قانونَ جرائم المعلوماتية يتجدد مع تأجيل التصويت عليه

رفْضُ العراقيين قانونَ جرائم المعلوماتية يتجدد مع تأجيل التصويت عليه

تصر كتل برلمانية عراقية على تمرير مشروع قانون جرائم المعلوماتية، رغم الاعتراضات الكثيرة من قبل أوساط صحافية ومنظمات محلية ودولية ترى في بعض بنوده انتهاكا واضحا للحريات وتكميما للأفواه، ومع تأجيل مجلس النواب التصويتَ عليه عاد الجدل مجددا وتعالت الأصوات المطالبة بعدم إقراره.

وقرر مجلس النواب تأجيل التصويت على مشروع قانون جرائم المعلوماتية بناءً على طلب مقدم من اللجنة المعنية بتشريع القانون، فيما تنفس ناشطون الصعداء بعد إطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “#قانون_كاتم_التعبير” تندد بالقانون معتبرة أنه مشروع يسهّل وضع نصف الشعب في السجن.

وأبرز الانتقادات الموجهة للقانون أنه يجمع بين الجرائم الالكترونية وبين الحريات والقوانين المتعلقة بها في ميدان الصحافة والإعلام والنقد السياسي وما ينشر عن قضايا الفساد، ومن شأن تشريعه أن يهدد أعدادا كبيرة من العراقيين في الداخل والخارج بالملاحقة القانونية.

كما أن بعض مواد القانون فضفاضة، ويفرض عقوبات مغلظة وغرامات باهظة على المخالفين ويقيد حرية الصحافيين في متابعة انتشار الفساد في جهات معينة.

ويمكن استخدام القانون لمعاقبة صحافي انتقد أحد السياسيين أو كشف فساد بعضهم، فضلا عن أنه يضم موادّ تنطوي على إجراءات خطيرة تسلب حرية الرأي والتعبير وتمنح السلطة صلاحيات واسعة لإصدار عقوبات تكمم الأفواه.

ويدافع البعض من السياسيين عن القانون معتبرين أن البلاد بحاجة إليه لضبط الانفلات الإلكتروني، وأفاد عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية عبدالخالق العزاوي بأن “قانون جرائم المعلوماتية من القوانين المهمة والضرورية في ظل التطورات التي تحصل عالميا في مجال التواصل الاجتماعي والإنترنت والهواتف الجوالة وما يتضمنها من حالات سلبية تضر بالمواطنين”. وأضاف أن “القانون نسعى لتشريعه بالأساس لحماية العائلة والأسرة العراقية من الحالات السلبية وتفكيك تلك العوائل، ويحميها من نتائج الجهل باستخدام هذه الأجهزة”.

في المقابل يقف أغلب العراقيين ضد القانون، حيث تحول مشروع القانون إلى شبح مخيف يطارد الصحافيين والمثقفين وأصحاب الرأي وعموم العراقيين على مواقع التواصل، إذ تصل العقوبات في بعض مواده إلى السجن المؤبد، واعتبره الوسط الإعلامي بمثابة “بوليس” أكثر منه قانونا تشريعيا أو منظما لعمل الإعلام وحرية التعبير التي نصّ عليها الدستور.

قحطان الخفاجي: التطبيق الانتقائي للقانون العراقي دائما هو سيد الموقف

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة النهرين العراقية قحطان الخفاجي إن المخاوف ليست من صدور قانون الجرائم المعلوماتية بقدر ما هي من آلية التعامل المهني الرسمي مع القانون، هل يتم التعامل معه بحيادية وإنصاف ومهنية أم يتم الأمر بانتقائية وحسب مزاجية الجهة القائمة على التنفيذ؟

وأضاف في تصريحات صحافية “نظرا إلى أن القضاء في العراق غير منضبط والجانب السياسي هو المسيطر عليه، وإن تم الإدعاء بعملية الفصل بين السلطات، فإن التطبيق الانتقائي دائما هو سيد الموقف”.

وقال الخفاجي “منطقيا الكلام والنشر يجب أن يكونا مدعميْن بالأدلة على صحتهما ويجب أن يكونا محايديْن، لكن لو أردنا تطبيق هذا بشكل حقيقي نجد أن العراق مسروق ومطلوب الآن والوضع مأساوي ولا بد أن تسأل عنه الجهات الرسمية التي تسلمت مناصب عليا وأدارت البلاد وأضاعتها، وعندما نتهمها الآن سيقال لنا أين الدلائل؟ لذا فإن المخاوف متأتية من التطبيق السيء للقانون الذي سيستخدم لتخويف الآخرين، وللدولة الحق في إصدار أي قوانين تنظيم شؤونها في كافة المجالات، لكن يظل الخلل في كيفية التطبيق والقائمين عليه”.

وانتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” مشروع القانون وقالت إنه يتعارض مع القانون الدولي والدستور العراقي، “وسيحد بشكل خطير من الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات”.

وأكدت المنظمة أن مشروع القانون بشأن جرائم تقنية المعلومات يمكن استخدامه لخنق حرية التعبير التي تتعرض بالفعل للهجوم في العراق.

وقالت إن “مشروع القانون يتضمن أحكاما غامضة تسمح للسلطات العراقية بأن تعاقب بشدة التعبير الذي ترى أنه يشكل تهديدا للمصالح الحكومية أو الاجتماعية أو الدينية”.

وتثير الصيغة الغامضة لبعض فقرات القانون والعقوبات المشددة التي تصل إلى السجن المؤبد قلق العديد من الناشطين خوفًا من استخدام القانون لأغراض سياسية مستقبلا، لاسيما في متابعة المنسقين للاحتجاجات والمعارضين من خلال آرائهم الناقدة للسلطة في العراق.

وعلى سبيل المثال المادة الثالثة من مشروع القانون تنص على عقوبة تصل إلى السجن المؤبد وغرامة تتراوح بين 21 و42 ألف دولار أميركي تقريبا لأي شخص يستخدم أجهزة الكمبيوتر والإنترنت قصد “المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا” أو “الاشتراك أو التفاوض أو الترويج أو التعاقد أو التعامل مع جهة معادية بأي شكل من الأشكال بقصد زعزعة الأمن والنظام العام أو تعريض البلاد للخطر”.

كما تنص المادة السادسة على نفس العقوبة بالسجن وغرامة لاستخدام جهاز كمبيوتر أو شبكة معلومات لـ”إثارة النعرات المذهبية أو الطائفية أو تكدير الأمن والنظام العام، أو الإساءة إلى سمعة البلاد”، أو “نشر أو إذاعة وقائع كاذبة أو مضللة بقصد إضعاف الثقة بالنظام المالي الإلكتروني أو الأوراق التجارية والمالية الإلكترونية وما في حكمها أو الإضرار بالاقتصاد الوطني والثقة المالية للدولة”.

وتفرض المادة 21 عقوبة بالسجن لمدة عام على الأقل لكل من “اعتدى على أيّ من المبادئ أو القيم الدينية أو الأخلاقية أو الأسرية أو الاجتماعية أو حرمة الحياة الخاصة عن طريق شبكة المعلومات أو أجهزة الحاسوب بأي شكل من الأشكال”.

وقالت هيومن رايتس ووتش “نظرا إلى غموض هذه المواد ونطاقها الفضفاض، وكذلك شدّة العقوبات المفروضة، يمكن أن تستخدمها السلطات لمعاقبة التعبير المشروع الذي تزعم أنه يشكل تهديدا للمصالح الحكومية أو الدينية أو الاجتماعية. كما قد يستخدمها المسؤولون لردع الانتقاد المشروع أو المعارضة السلمية للمسؤولين أو السياسات الحكومية أو الدينية”.

وعلقت الباحثة في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش بلقيس والي قائلة “القانون يمنح السلطات العراقية أداة أخرى لقمع المعارضة في الوسيلة الرئيسية التي يعتمد عليها الصحافيون والنشطاء وعامة الناس للحصول على المعلومات وللنقاش المفتوح. إذا أقر البرلمان القانون سيقوض المجال الضيق أصلا لحرية التعبير، ويخنق النقاش والحوار العام”.

صحيفة العرب