يقترب الاستحقاق الرئاسي لتسلم مقاليد الحكم في طهران ولا زالت هناك العديد من الأزمات الكبيرة التي يعيشها المجتمع الايراني ولم تتمكن السلطات الحكومية من معالجتها وايجاد الثغرات والممرات والحلول الجذرية للتغلب عليها خدمة لأبناء الشعوب الايرانية والتخفيف عن معاناتهم وايقاف تدهور الحياة المعاشية وارتفاع الأسعار وسوء الحالة الاقتصادية التي استحكمت بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على النظام الايراني وعدم قدرته على التعامل الدولي في ادارة الحوارات التي جرت جولاتها السداسية في العاصمة النمساوية(فيينا) واستمراره بسياسة التعنت والممانعة والقوة الميدانية في معالجة التطورات التي رافقت الجولات الحوارية وتحديد الشروط التعجيزية التي يعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف لا تعمل على تنفيذها أو حتى مناقشتها بتقديم الضمانات بعدم الانسحاب مرة أخرى من أي اتفاق يخص البرنامج النووي الايراني ورفع العقوبات كاملة وتقديم التعويضات المالية التي تسبب بها استمرار العقوبات ، وذهب النظام بعيدا في اعتقاده أن الادارة الأمريكية الجديدة ستسعى الى حلول منطقية وتهدئة ميدانية ورؤية جديدة بسبب توجهاتها الخارجية وطبيعة تعاملها مع الأحداث السياسية في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي .
ان النظام الايراني بحاجة فعلية وسريعة لتوقيع اتفاق بمراحل متعددة يؤدي الى انتشال وتحسين الوضع الاقتصادي والخروج من الضائقة المالية التي يعانيها ورفع مستوى الحياة المعاشية للشعوب الايرانية ومعالجة الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية التي بدأت واضحة في الشارع الايراني مطالبة بايجاد حلول وصيغ فعالة تدفع باتجاه تحسين الوضع العام للمواطنين ومطالبة الحكومة الايرانية بالابتعاد عن مشاريعها السياسية وتوجهاتها الخارجية التي تكلف الخزينة المالية أموال طائلة لتحقيق أحلام وغايات المشروع الايراني في المنطقة العربية والشرق الأوسط وسط حالة من الغليان الشعبي الذي فجرته التظاهرات التي اندلعت في الثاني من شهر تموز 2021 وقادتها العديد من الشركات والمؤسسات والنقابات العمالية في قطاع النفط والغاز والمشتقات النفطية والبالغ عددها (60) شركة وبدعم من أحزاب المعارضة في الخارج ، وأعادت للأذهان التظاهرات والاضراب العام في سنة 1978والذي سبق سقوط الشاه وجاءت امتدادا للأحداث والاحتجاجات التي حدثت في الأعوام (2017-2018-2019 ) وما رافقها من مواجهات مع أجهزة السلطة الحاكمة ..
تعكس هذه الوقائع الميدانية صورة الأوضاع المأساوية التي يعاني منها المواطن الايراني خاصة وأن تبعيات العقوبات الامريكية أدت الى انخفاض معدل الانتاج المحلي بنسبة 6% في عام 2018 ليصبح في عام 2019 6،8% وارتفاع نسبة التضخم الى 36،5% نهاية عام 2019 مع تراجع واضح في العوائد المالية للصادرات النفطية الايرانية من 62،7 مليار دولار عام 2018 لتكون 29 مليار عام 2020 ، وهذه الاحصائيات والأرقام تعطي مؤشرا واضحا عن عدم امتلاك النظام الايراني ألة واضحة وخطط اقتصادية ورؤية سياسية لمعالجة الوضع الداخلي ، ولكي تعالج هذه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية جاءت الوعود التي أطلقها الرئيس الايراني (ابراهيم رئيسي) بتاريخ 27 أيار 2021 في السباق الانتخابي لتهدئة الأوضاع في الداخل الايراني وليعطي انطباعا أن من أولوياته معالجة المنظومة الاقتصادية وتحسين أوضاع المواطن محددا الأفاق والمديات التي من الممكن انجازها في سنوات حكمه القادمة ، فأشار الى منح قروض منخفضة الفائدة للأسر الفقيرة وزيادة الدعم الحكومي للرعاية الصحية والاهتمام بحياة المواطنين ومعالجة الأثار الناجمة عن جائحة كورونا واعطاء الأولوية في خفض نسبة البطالة في المجتمع الايراني ومنح (4) مليون فرصة عمل للشباب في جميع القطاعات الخدمية والانتاجية والعلمية ومساعدة ذوي الدخل المحدود من خريجي الجامعات الايرانية وخفض نسبة الايجارات من 50% الى 30% لرفع كاهل الارتفاع في الاسعار عن المواطن ولو بالحد الادنى مع العمل باتجاه انشاء (4) مليون وحدة سكنية لإسكان أصحاب الدخل المحدود والموظفين العاملين في القطاع العام وبأسعار مناسبة .
تأتي هذه الوعود والاقتصاد المحلي يعاني من أزمة مالية خانقة وانخفاض واضح في سعر العملة المحلية وعدم وجود اعتمادات مالية ومصرفية لعائدات النفط الايراني وزيادة في نسبة التضخم المالي مما يجعل هذه الالتزامات والأماني صعبة التطبيق والتنفيذ في ظل الحالة الاقتصادية التي يمر بها النظام ، رغم أن أولويات الرئيس الجديد معالجة الأزمات التي تعصف بالمجتمع الايراني وتهدد استمرار الحياة في ظل عدم وجود أليات حقيقية وصادقة لتجاوزها أو الحد منها .
تدرك الأوساط السياسية القريبة من المرشد علي خامنئي حقيقة الأخطار التي يواجهها النظام في سعيه لمعالجة هذه الأزمات وتعلم جيدا أنها أصبحت بحاجة ماسة للإتفاق مع واشنطن للخروج من أزمتها المالية بأطر سياسية يتم بموجبها التوقيع على اتفاقية واضحة للبرنامج النووي وتخفيف المعاناة الاقتصادية واعادة ايران لتعاملاتها الدولية والاندماج مع الاقتصاد العالمي وتحديد مجالات التعاون الثنائي مع الولايات المنحدة الأمريكية ، وهي رغبة بدأت ملامحها بصورة واضحة لدى العديد من النواب في مجلس الشورى والمسؤولين السياسين الايرانين غايتهم الحفاظ على بقاء النظام وعدم تصدعه ومواجهته لإنتفاضات واحتجاجات شعبية تهدد شرعيته ومكانته السياسية .
لا زال التيار المحافظ وقيادات الحرس الثوري والأجهزة الاستخبارية تعتمد مبدأ الممانعة واظهار القوة في ادارة الحوارات مع واشنطن والمجموعة الأوربية ومواجهة التحديات والشروط الامريكية ولهذا جاءت الاجراءات الاخيرة برفع نسبة تخصيب معدن اليورانيوم الى 20% في خطوة ميدانية أثارت استياء الحلفاء الأوربين والادارة الأمريكية رافقها اعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية ممانعة ايران عن تمديد الاتفاق المبرم بينهما ، هذه الاستفزازات والتحولات الميدانية سوف لا تجدي نفعا ولا تحقق غايات وأهداف النظام الايراني بل سينعكس هذا الموقف سلبيا على العديد من المواقف الدولية وسيفقده التعاطف والتأييد حول رفع العقوبات وسيبقي حالة الغليان الشعبي قائمة وتدهور مستمر في الجوانب الاقتصادية والمجتمعية ومواجهة الداخل الايراني .
وحدة الدراسات الإيرانية