يحذّر الباحث اليمني حسين الوادعي، في تحليل صدر حديثا عن مبادرة الإصلاح العربي، من أن الصراع في اليمن أدى إلى فرز مذهبي ومناطقي من جديد في البلاد وصعود مطالب الانفصال وتكوين تقسيم إداري وسياسي جديد قائم على الهوية المناطقية أو المذهبية.
ويشير الوادعي إلى أنه من الصعب إعطاء قراءة شاملة للصراع الراهن في اليمن كصراع معقد ومتشابك الأبعاد والأطراف. فما يجري في البلاد منذ بدايات 2013، وخصوصا المواجهات في دماج بين الحوثيين والسلفيين، مرورا بسقوط صنعاء في سبتمبر 2014 في أيدي ميليشيات الحركة الحوثية، وصولا إلى “عاصفة الحزم”، في مارس 2015 وحتى اليوم، هو خليط من الحرب الأهلية والحرب الإقليمية بالوكالة وتضافر بين الصراع السياسي والمواجهات الطائفية.
والمتتبع للسجال السياسي الحالي يرى كيف أن الصراع حتى ولو ظل في جوهره سياسيا، فإنه بدأ يعمل ويتحرك ضمن عناوين مذهبية وطائفية. بل إن البعد الطائفي أصبح حاضرا حتى في استراتيجيات اللاعبين الدوليين في اليمن.
والبعد الطائفي للصراع فمصدره طبيعة تكوين الحركة الحوثية كحركة نشأت أساس للدفاع عن المذهب الزيدي، وكتجمع للنخب الهاشمية الطموحة لاستعادة المكانة التي فقدتها بعد ثورة 1962. بل إن الوثيقة الأساسية للحوثيين تحدد بوضوح تمحور فكرهم وحركتهم حول فكرة ولاية آل البيت والاصطفاء الإلهي للسلالة الهاشمية التي تمتلك الحق الحصري في الحكم والاجتهاد، وهو ما يجعلها تُستقبل من قبل الأطياف اليمنية الأخرى كحركة مذهبية طائفية.
وعندما بدأت الحركة الحوثية حروبها الداخلية في المدن اليمنية الأخرى، لسيّما في الوسط (البيضاء، تعز، أب ، الحديدة)، تم تفسير هذه التحركات كصراع طائفي بين الزيدية والشافعية في استدعاء واضح للحروب المتعددة بين سكان المنطقتين عبر التاريخ الإسلامي وحتى ثورة 1962.
وكان طبيعيا أن يؤدي هذا إلى إيجاد حاضنة شعبية أوسع للقاعدة بل وإعطائها فرصة لطرح نفسها بصفتها “حامية السنة” في مواجهة الغزو الشيعي. وقد ساعد الدعم الإيراني للحوثيين في تحفيز حالة الاستقطاب والعداء المذهبي.
وأضفى التواجد الكثيف للإسلاميين من سلفيين وإخوان وقاعدة وداعش في جبهات القتال ضد الحوثي صبغة طائفية على الصراع، فالمعركة بالنسبة لهم ضد الشيعة؛ الأمر الذي يهدّد بتحوله إلى صراع طائفي حقيقي إذا فشلت جهود التسوية السياسية.
ويرى الوادعي أن الحرب التي تجري في اليمن هي حرب طائفية مذهبية بالأساس بقدر ما يعني أن الطائفة والمذهب حاضران بقوة في الصراع كرافعة أو محفز، دون أن يلغي هذا من خطر تحول الصراع إلى صراع طائفي على الطريقة السورية في ظل توفر ظروف معينة لم تتوفر بعد في البيئة اليمنية.
وإلى جانب الحرب الطائفية، يحذّر الوادعي من حرب أخرى أيضا قد تجد شرارتها في ظلّ الأوضاع الراهنة، وهي حرب الانفصال والتقسيم؛ حيث ساهم اجتياح الحوثيين لمدن الجنوب والوسط في صعود مطالب الانفصال وتكوين تقسيم إداري وسياسي جديد لليمن، قائم على الهوية المناطقية أو المذهبية.
ويبدو الجنوب الآن في حالة “انفصال فعلي” بعد تصاعد أعمال العنف ضد الشماليين بما جعل جنوب اليمن مكانا غير مرغوب فيه لأي يمني قادم من الشمال، سيّما بعد تصاعد حالات الاعتداء والقتل بحق مواطنين شماليين كانوا يعملون أو يسكنون في الجنوب.
شيء قريب من ذلك بدأ يتشكّل في الوسط، “اليمن الأسفل”، نتيجة لحروب التوسع الحوثية في تلك المناطق. ويبدو الوسط وكأنه ماض في تكوين هويّة فرعية مستقلة تسعى للاستقلال عن حكم “شمال الشمال” تحت إطار تتقاطع فيه السياسة مع الهوية. كما أن الإسلاميين، القاعدة والسلفيين والإصلاح، موجودون بكثرة في جبهات في الوسط مما يغذي الصبغة الطائفية على الصراع.
لذلك وفي ظل هذا الوضع المعقّد يصبح من الضروري، وفق حسين الوادعي، عودة الولايات المتحدة والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية إلى تأدية دور رئيسي في التسوية وتعزيز فرص السلام. وتفعيل دور الأمم المتحدة عبر دعم شرعيتها وقراراتها وتنفيذ عقوبات وقرارات مجلس الأمن.
صحيفة العرب اللندنية