وصل الأمر بالجنون الإيراني درجة التهديد والوعيد الكلامي، حتى يمكن تسمية ردة فعل قادة طهران على حادثة التدافع التي وقعت في منى بالحالة الهستيرية الناتجة عن فشل ذريع وإحباط مرير تكبّدته الإدارة الإيرانية خارج البلاد وداخلها، وتريد تعليق هذا الإحباط والفشل على شماعات الغير كسياسة عامة اتصفت بها إيران منذ وصول نظام ولاية الفقيه إلى سدة الحكم عن طريق اغتصاب الثورة الشعبية عام 1979، والتملص أمام الشعب من الفشل الإداري والسياسي والاقتصادي بخلق حجج وأوهام وأعداء، وترسيخ فكرة وجود عدو يتربص بالشعوب الإيرانية، ثم يخرج خامنئي ومن تحته يهددون ويتبجحون بخطابات شعبوية أصابت الشعوب الإيرانية وحتى المتابعين للشأن الإيراني بالفشل.
ما قيل سابقا ينطبق تماما على تهديدات الخامنئي في خطابه في جامعة الإمام الخميني للعلوم البحرية في مدينة نوشهر، والتي توعد فيها السعودية برد قاس وصعب في حال تعرُّض الحجاج الإيرانيين لأيّ إساءة، بعد أن غطى الجانب الأول من خطابه بالتفاخر بقوة إيران وعظمتها، ليكرر بذلك حلقة أخرى من سلسلة خطابه الشعبوي المعتاد، ففي كل مرة يخرج فيها ويتنطع أمام عدد من حرسه وأتباعه، ثم تقوم الوسائل الإعلامية الإيرانية بالواجبات المكلفة لها بتغطية هذا الخطاب بأسلوب يخدع مشاعر وعواطف المواطنين.
الانتصارات التي حقّقها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات أصبحت مقلقة جدا بالنسبة إلى إيران، لأنها بداية نهاية ما يمكن تسميته بــ”الحقبة الإيرانية في المنطقة”، وخاصة بعد شعور النظام الإيراني بالراحة والانتصار خلال الفترة القاسية الماضية التي مرت على البلدان العربية خاصة بعد سقوط بغداد، ولكن بعد أن وجد الخامنئي أن الموجة قد انعكست، لم يعد لديه منفذ من الهروب أمام شعبه سوى الكلام والتهديد والوعيد الذي يعبّر بكل وضوح عن غضب وقلق، لأن الجميع يعلم أن المليارات التي أهدرها النظام الإيراني خارج حدود بلاده في دعم الجماعات المتطرفة وزرع العملاء من أجل إثارة الفتن وخلق القلاقل وتوتير الأوضاع ليتسنى لهذا النظام تحقيق أهدافه التي يرفضها حتى الخيال، لم تجد نفعا ولم تحقق أدنى طموحاته.
ربما يتساءل العديد الآن عن طبيعة هذا الرد الذي وصفه مرشد إيران بالقاسي والعنيف، ومن أجل التوصل إلى إجابة لهذا التساؤل من الأفضل توضيح القدرات والإمكانيات الإيرانية لأي رد متوقع.
أولا: يجب استبعاد الرد العسكري، لأن إيران لا تستطيع الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة ولو مع أصغر دولة خليجية، لعلمها التام بالرد العربي الشديد على هذه الخطوة، خاصة وأنها أصبحت على ثقة تامة من أن السعودية قادرة على تشكيل تحالف في زمن بسيط، كما فعلت في اليمن مثلا، والذي أخطأت المخابرات الإيرانية في توقعه كما نشرت العديد من التقارير من أن النظام الإيراني تفاجأ بقوة الرد العربي، وهو ما وضع القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في دائرة الإحراج بعد فشله في تقدير الموقف المتوقع من قبل السعودية وباقي الدول الخليجية.
ثانيا: في حال أقدم النظام الإيراني على قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع السعودية، فإن هذه الخطوة ستضر بإيران ومواطنيها أكثر من أيّ طرف آخر، لأن قطع علاقتها مع السعودية سيزيد من عزلتها الإقليمية والدولية، وربما يكون الرد السعودي والخليجي على الأقل بطرد الإيرانيين المتواجدين على أراضيها والذين يعتاشون فيها، والذين تقدر أعدادهم بالملايين، وهذا يعني مضاعفة أعداد البطالة في إيران مما يتسبب بدمار أكبر للاقتصاد الإيراني المتهالك أصلا، وقتها ستتفجر الأوضاع وتنتهي بثورة تسقط النظام الذي فشل في إدارة البلاد، فهل من المعقول أن يتجرأ النظام الإيراني على هذه الخطوة؟
ثالثا: ليس لإيران أيّ أدوات اقتصادية تستطيع محاربة السعودية بها، من يظن أن إيران قادرة على إغلاق مضيق هرمز -وهو ممر بحري استراتيجي يعبر منه نحو 20 بالمئة من النفط العالمي- فهو مخطئ تماما، لأن إيران حسب قدراتها العسكرية المتواضعة -ولأن إغلاق مضيق هرمز يتوقف على الجانب العسكري- ليس لديها المقدرة العسكرية على إغلاق مضيق هرمز بالكامل، كما أن إيران سبق لها أن هددت مرارا وتكرارا بإغلاق مضيق هرمز ردا على العقوبات الدولية المفروضة عليها، لكنها لم تستطع فعل ذلك، ناهيك عن البوارج الأميركية المنتشرة بالمنطقة والتي لن تسمح بأيّ حال من الأحوال لإيران حتى بمحاولة فعل ذلك.
لذا فإن ما يمكن لإيران فعله هو الاستمرار بما اعتادت على فعله، وهو محاولة القيام بعمليات إرهابية في السعودية من تفجير أو اغتيالات، وكذلك محاولة استهداف المصالح السعودية في المنطقة عن طريق التفخيخ والتفجير واستهداف البعثات الدبلوماسية.
د.سالم الكتبي
صحيفة العرب اللندنية