لا تتوانى تركيا عن تعزيز التعاون الدفاعي مع أذربيجان بهدف مضاعفة النجاح العسكري في حرب العام الماضي ضد أرمينيا.
وظهرت تكهنات عديدة حول احتمال تشكيل قوة عسكرية مشتركة بين تركيا وأذربيجان مع تزايد المناوشات على طول الحدود الأرمنية – الأذرية في الأسابيع الأخيرة.
وساعدت تركيا أذربيجان على الانتصار في الصراع الذي استمر لمدة ستة أسابيع على إقليم ناغورني قرة باغ، حيث تسعى أنقرة للاستثمار في ذلك من خلال تعزيز نفوذها في جنوب القوقاز.
ولم تخف تركيا تعطشها للعب دور أكبر في مناطق الشرق الأوسط وليبيا وشرق البحر المتوسط في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، لكن في حال توغلت في منطقة القوقاز، فإنها تخاطر باستعداء روسيا، التي تنظر إلى المنطقة على أنها تحت وصايتها التاريخية.
وترتبط كل من تركيا وأذربيجان بروابط وثيقة منذ إعلان الأخيرة استقلالها في عام 1991، وتتجسد تلك الروابط في الشعار المشهور “أمة واحدة في بلدين شقيقين”، ولكلا البلدين أغلبية مسلمة، ويشتركان في العرق والثقافة، كما تربطهما مصالح اقتصادية مشتركة.
تركيا تحاول التلاعب بميزان القوى الإقليمي، ومن غير الواضح إلى أي مدى يمكنها الاستمرار في ذلك النهج
وهناك قلق مزمن يجمع كلا البلدين، ويُثبط الطموحات الإقليمية الأرمنية. ولا توجد علاقات دبلوماسية بين تركيا وأرمينيا وتاريخ العداء الذي يجمعهما يعود إلى قرن من الزمن.
وقد نمت العلاقات بين تركيا وأذربيجان بشكل أكبر بعد تقديم تركيا دعمها لأذربيجان خلال الحرب التي دارت رحاها في العام الماضي. وزودت الحكومة التركية القوات الأذرية بطائرات بيرقدار تي.بي 2 المسلحة دون طيار والتي كان لها تأثير مدمر على القوات الأرمنية.
وانتهت الحرب بعد عقد اتفاق بوساطة روسية في نوفمبر من العام الماضي، وأسفرت عن انتصار أذربيجان العسكري وسيطرتها على عدة مدن وما يقرب من 300 مستوطنة وقرية من أرمينيا، وقُتل ما لا يقل عن خمسة آلاف جندي وأكثر من 140 مدنيا في القتال الذي أدى أيضا إلى نزوح عشرات الآلاف، ووجهت تلك النتيجة ضربة قاصمة لمطالب أرمينيا بالمنطقة التي استمرت لما يقرب من ثلاثة عقود.
وفي مؤشر على استمرار تلك التوترات، اندلعت بعض المناوشات على طول الحدود الأرمنية – الأذرية خلال الأسابيع القليلة الماضية. ففي الأول من أغسطس الجاري، قالت وزارة الدفاع الأذرية إن عناصر من الجيش الأرمني استهدفت مواقعها وردت من طرفها بنيران انتقامية، وفي أوائل شهر أغسطس لقي ما لا يقل عن ثلاثة جنود أرمنيين مصرعهم وأصيب جنديان أذريان في اشتباكات في منطقة كالباجار الأذرية.
مهد كل هذا الطريق لتقارير تبادلتها وسائل الإعلام التركية حول احتمال إنشاء قوة أذرية – تركية مشتركة، وقد تم الرد على تلك التكهنات في وقت لاحق، بعد أن تبين أن مصدرها هو ترجمة سيئة لبيان لرئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب في حفل توقيع إعلان باكو في الثامن والعشرين من يوليو الماضي بين تركيا وأذربيجان وباكستان. لكن احتمال تشكيل جيش مشترك بدا احتمالا واردا بالنظر إلى أن التعاون العسكري بين تركيا وأذربيجان ينمو باطراد منذ اندلاع الصراع.
وتصر تركيا على أنها لا تستطيع رفع وصايتها من على مستوطنة ناغورني قرة باغ، كما تتطلع إلى تعزيز دورها كراع ومشرف على منطقة جنوب القوقاز.
وفي أواخر يونيو، أجرى الجيشان التركي والأذري تدريبات مشتركة في عاصمة أذربيجان مدينة باكو، حيث شارك فيها أفراد عسكريون ودبابات وطائرات دون طيار، وأجريت تدريبات ثنائية مماثلة العام الماضي، والتي أصبحت ممكنة بموجب اتفاق عام 2010، والذي ينص على مد جسور التعاون عندما يواجه أي من البلدين عدوانا من دولة ثالثة أو مجموعة من الدول.
ووقعت تركيا وأذربيجان على إعلان شوشا في يوليو الماضي، والذي سمي على اسم المدينة الواقعة في منطقة ناغورني قرة باغ، التي تسيطر عليها أذربيجان حاليا، مؤكدين على الالتزام المشترك بالتعاون الدفاعي والاستقرار والازدهار في المنطقة، ويكمن الهاجس الرئيسي في إعادة هيكلة قواتهما المسلحة وتحديثها.
تثير الشائعات القائلة إن تركيا ربما تخطط لإنشاء قاعدة عسكرية في أذربيجان قلق روسيا، التي تملك قاعدة في أرمينيا، وقد نشرت موسكو 2000 جندي من جنود حفظ السلام في المنطقة وتريد الاحتفاظ بميزان القوى لصالحها، وفي العشرين من يوليو الماضي التقى الرئيس الأذري إلهام علييف مع فلاديمير بوتين في موسكو للمرة الثانية هذا العام لمناقشة اتفاق السلام بعد الحرب وسبل المضي قدما.
وليست روسيا الدولة الوحيدة التي لها مصلحة في سير تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا، حيث تسعى بروكسل إلى إحياء مجموعة مينسك تحت رعاية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، مما يمهد الطريق للولايات المتحدة وفرنسا (كرئيسين مشاركين لمينسك) للعب دور وساطة أكبر.
ومن وجهة نظرهم، لم يتم حل النزاع بشكل نهائي، فقد قال رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل في يوليو الماضي خلال زيارة ليريفان إنه “يجب أيضا معالجة وضع ناغورني قرة باغ”، وقد أعربت الحكومة الأذرية لسنوات عدة عن شعورها بالإحباط من عملية مينسك المتوقفة، ولا تحرص على إسناد أي دور مهم لها في ما يخص عملية ترسيم الحدود مع أرمينيا.
وفي السنوات الأخيرة، أعطت السياسة الخارجية التركية الأولوية لإنشاء مزيج من المنظمات الإقليمية والاتفاقيات والقمم المحلية كقوة مضادة للمنظمات الغربية المتعددة الأطراف والقوى الأخرى مثل روسيا وإيران. على سبيل المثال، الاتفاقية الثلاثية الأخيرة مع باكستان وأذربيجان أو الأخبار المتداولة في وقت سابق من هذا العام حول إحياء العلاقات التركية – الإسرائيلية من خلال الوساطة الأذرية. وقد ألمحت تركيا مؤخرا إلى إنشاء منصة جديدة تضم ست دول لدعم السلام في القوقاز وتشمل تركيا وأذربيجان وروسيا وإيران وجورجيا وأرمينيا، وتحرص تركيا على إنجاز قصة نجاح في مشوار سياستها الخارجية المليئة بالصعاب والعقبات، وفي خضم مشاكلها الاقتصادية وتدهور عملتها المحلية.
ولكن على خلفية الاتفاق العسكري الثنائي بين تركيا وأذربيجان، فإن روسيا والدول المجاورة مترددة في الموافقة على ما يتضمنه الاتفاق بشأن التعاون الإقليمي، ولطالما عرفت الدول المحيطة كيف تدير علاقاتها مع روسيا بكل حرص وتأن، متوجسة وخائفة من عواقب أي خطأ. وبينما تحاول تركيا التلاعب بميزان القوى الإقليمي، فمن غير الواضح إلى أي مدى يمكنها الاستمرار في ذلك النهج بعد إنجاز التحالف الآمن مع أذربيجان.
العرب