جلب الغاز للبنان عبر “الخط العربي”.. ضغط أميركي على إيران أم انفتاح على النظام السوري؟

جلب الغاز للبنان عبر “الخط العربي”.. ضغط أميركي على إيران أم انفتاح على النظام السوري؟

بيروت – ترك الاجتماع الرباعي لوزراء طاقة دول “خط الغاز العربي” الذي استضافته عمّان علامات استفهام كثيرة تقنيا وسياسيا وإقليميا، ويترقب كثيرون استفادة لبنان من خطة نقل الغاز المصري برا، عبر الأردن وسوريا، بعد أن بلغت أزمة الطاقة وما يترتب عليها ذروتها، وشحت المحروقات وصارت حكرا على تجار السوق السوداء وعمليات التهريب نحو سوريا.

ويأتي الاتفاق الرباعي بعد زيارة وفد لبناني رسمي إلى دمشق، وهي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب السورية قبل نحو 10 سنوات. كما يتزامن مع اقتراب وصول السفينة الإيرانية المحملة بالمشتقات النفطية، إلى إحدى الموانئ السورية، لنقلها برا إلى لبنان، بعد أن أعلن الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله عمّا أسماه “قافلة النفط” التي تنطلق تباعا من إيران لمساندة اللبنانيين.

ونال نقل الغاز المصري لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء اللبنانية، الضوء الأخضر الأميركي، بعد إعلان الرئاسة اللبنانية في 19 أغسطس/آب تلقيها موافقة الولايات المتحدة على المشروع عبر السفارة الأميركية، ما فسرّه كثيرون استثناء المشروع من عقوبات قانون قيصر، الذي يحظر المعاملات التجارية مع السلطات السورية.

هل يستفيد لبنان؟
تطرق اجتماع وزراء الطاقة إلى الأضرار التي تعرضت لها خطوط الغاز والكهرباء بسوريا خلال الحرب، وتحتاج أشهرا لإصلاحها. أما وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر، فأعرب عن حاجة لبنان إلى 600 مليون متر مكعب من الغاز لتوليد 450 ميغاوات من الكهرباء، وأن بلاده تعمل مع البنك الدولي لتوفير تكاليف استيراد الغاز المصري.

وهنا، يُقدّر مارك أيوب، الأكاديمي والباحث بمجال الطاقة في الجامعة الأميركية في بيروت، كلفة هذه الكمية من الغاز بـ 400 مليون دولار سنويا، دون إغفال تبدلات أسعار الغاز عالميا.

ويؤكد أيوب في حديثه للجزيرة نت أن مشروع “خط الغاز العربي” يعود إلى عام 2003، ونفذ على مراحل عدة، وصدّرت مصر الغاز الطبيعي إلى لبنان عبره بين عامي 2009 و2011. ثم استجلب لبنان الكهرباء بمعدل 250 ميغاوات، بمراحل متقطعة أثناء الحرب السورية، إلى أن توقف نهائيا في 2019، تحسبا للعقوبات، وبعد التوقف عن تسديد المستحقات للبنك المركزي السوري.

ويقسم أيوب المشروع تقنيا إلى شقين:

أولا، يحتاج جلب الكهرباء من الأردن لفحص شبكة النقل وأعمدة التوتر العالي من الجهة السورية، لأنها تصل من الأردن إلى درعا في سوريا ثم عبورها للبنان.
ثانيا، يحتاج خط الغاز، رصد أضرار الأنابيب، خصوصا من جهة حمص، وتحديد طبيعتها ونسبتها، وإن كانت تستوجب إعادة تأهيل أم إعمار.
ويشير الباحث إلى أن كل دولة ستتحمل التكاليف على أراضيها، مع ضرورة تأهيل لبنان معمل دير عمار شمالي البلاد، لاستقبال الغاز الطبيعي بدل الفيول.

وإذا تمت الإجراءات بلا عقبات، يحتاج إنجاز المشروع نحو 5 أشهر، بحسب مارك أيوب، مشددا على ضرورة توضيح الجانب المصري مصدر الغاز، إن كان منها أو من إسرائيل، كي لا يخلق إشكالية سياسية أخرى في لبنان.

عقبات داخلية
ومنذ عقود، يشهد ملف الطاقة اللبناني تجاذبات كبيرة، نتيجة إغراقه بالحسابات السياسية والطائفية، فضاعف مديونية الدولة التي اعتمدت على استقدام بواخر المحروقات.

ويولّد لبنان الكهرباء من 7 معامل حرارية، شيّدت تباعا منذ السبعينيات، وآخرها معمل دير عمار عام 1998. وتشكو هذه المعامل من تقادمها، وتنتج الكهرباء (تنقطع حاليا بمعدل 20 ساعة يوميا)، بكلفة تتجاوز 3 أضعاف كلفة المعامل الجديدة، لاعتمادها على المشتقات النفطية الثقيلة بدل الغاز الطبيعي.

ويرى أيوب أن جلب الغاز لمعمل واحد، حل آني، مقابل الحاجة لحلول مستدامة، كبناء معامل تعمل على الغاز، وربطها ببعضها وبخط الغاز العربي.

منافسة إيرانية أميركية؟
من زاوية أخرى، تتساءل كارول نخلة، الخبيرة بشؤون الطاقة والمديرة التنفيذية لشركة كريستول للطاقة Crystol Energy في لندن، عن سبب عدم اللجوء للاتفاق الرباعي قبل سنوات، إن كان استجلاب الغاز إلى لبنان سهلا وتلقائيا. وتربط المشروع بأبعاد سياسية، على قاعدة المنافسة بين الحل الأميركي والحل الإيراني، للفوز بـ “جائزة” إنقاذ لبنان، ولو شكليا.

وتعتبر نخلة أن الاتفاق الرباعي غامض من جهة تقديم تفاصيل تقنية ورقمية قابلة لتقييم علمي، مذكرة أن عددا من اتفاقيات الغاز بين الدول لم تصل إلى نتيجة رغم الاتفاقات النظرية.

يوضح بول مرقص، خبير القوانين الدولية، أن قانون قيصر كسائر قوانين العقوبات الأميركية يتضمن إعفاءات أو إجازات، تخول بعض الدول الاستفادة من الاستثناء للقانون.

ويعود الاستثناء إلى تقدير وتساهل الإدارة الأميركية، وتحديدا الرئيس الأميركي جو بايدن، وبحسب بنود قانون قيصر يمكن أن يتنازل عن تطبيق أحد أحكامه بالاتفاق مع الكونغرس الأميركي، باعتبار أنه يصب بمصلحة الأمن القومي لواشنطن. والاستثناء يمنح لفترة محدودة لا تتجاوز 180 يوما، قابلة للتجديد إذا ارتأت الإدارة الأميركية ذلك، بحسب حديث مرقص للجزيرة نت.

ويضيف أن واشنطن قد تعطي استثناء لاستفادة لبنان، نظرا لتضارب مصالح إدارتها، إذا اعتمد على قوى معادية لسياستها لمدّه بمشتقات الطاقة. وبالتالي، “من مصلحتها إعفاء لبنان وسوريا من العقوبات للمشروع؛ ويمكن تبليغ الاستثناء بكافة الطرق لأصحاب العلاقة”.

لكن كارول نخلة ترى أن الاستثناء الأميركي وحده لا يكفي، نظرا لتشعب القوانين. وتعطي مثالًا على رفع العقوبات الأميركية عن إيران عام 2016، وكانت قدرة طهران على الاستثمار محدودة، وتتحدث عما تسميه “عقوبات ثانوية”، كالقيود على التحويلات المالية بالعملة الصعبة، أو خشية الشركات العالمية من الاستثمار ببلد فرضت عليه عقوبات.

وتوضح أن عبور الغاز من سوريا، يجعلها خط ترانزيت، ويستوجب حصولها على ثمنه، وتستبعد تنازل السلطات السورية عن حقوقها المادية. وتتساءل عن الجهة الممولة لصيانة الأنابيب السورية، مما يعني منح الأموال للنظام رغم العقوبات، وهذه نقاط لم تُناقش، برأيها.

ولا ترى نخلة أن جلب الغاز يشكل حلا للاستهلاك المحلي بلبنان، مشيرة إلى عدم امتلاكه بنية تحتية مؤهلة لاستيعاب الغاز الطبيعي. وتجد أن أولوية المشروع تنافس أميركا وإيران، كنوع من التسابق، قبل وصول النفط الإيراني للبنان، مما يزيد من رصيد حزب الله.

مكاسب سورية
الرابح الأكبر، وفق نخلة، هو النظام السوري، فسيستفيد من إعادة هيكلة البنى التحتية، ويستعيد سلطته بالأزمات اللبنانية، سواء عبر السفينة الإيرانية أو الغاز المصري.

ويوافقها الكاتب والمحلل السياسي أمين قمورية، مضيفا إليها مكسب اعتراف أميركا بشرعية النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، ويرجح أن يكون لروسيا دور بالمشروع.

ويذكر قمورية أن أميركا غالبا تتحدث شيئا وتفعل شيئا آخر، مما يفاقم الغموض حول النتائج المرتقبة لاستجرار الغاز.

ويضيف أن لبنان وسوريا يختبران منعطفا جديدا لعلاقتهما من بوابة الغاز والنفط، بعد أن انقطعت رسميا بقرار أميركي ودفع خليجي، ويذكر أن سوريا معنية بالغاز والمعارك الإقليمية حوله وتتطلع لترسيم الحدود البرية مع لبنان.

لكنه يعتقد أن المنطقة تعيد تشكيل خريطتها الجيوسياسية، بمشهد قاتم، تغلب عليه المصالح والحسابات السياسية، بدل استجلاب حلول إنقاذية لشعبي لبنان وسوريا، بعد أن فقدا قدرتهما على تحمل تداعيات الحرب والحصار والانهيار.

المصدر : الجزيرة