هل حان الوقت لتغيير السياسات الإقليمية في الشرق الأوسط

هل حان الوقت لتغيير السياسات الإقليمية في الشرق الأوسط

سلّطت شحنات الوقود الإيراني التي وصلت إلى لبنان في ظلّ الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها البلد الضوء على دور إيران وذراعها حزب الله في لبنان بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.

ففي سبتمبر الماضي رست ناقلة تحمل وقودا إيرانيا في ميناء سوري حيث تم تحميل الوقود في شاحنات عبرت بعد ذلك الحدود إلى داخل لبنان. وتم شحن الوقود بوساطة حزب الله المدعوم من إيران للمساعدة في تخفيف أزمة الطاقة في لبنان والتي نجمت عن الأزمة الاقتصادية الراهنة في البلاد.

ولم تدل الحكومة اللبنانية التي تم تشكيلها مؤخرا بأيّ تعليق على الشحنة، بينما أشاد حزب الله بوصول الوقود واعتبره “نصرا” حيث “كسر الحصار الأميركي” على لبنان. وعلى الرغم من أن شحنة الوقود شكلت انتهاكا للعقوبات الأميركية على التجارة مع إيران، فإن الولايات المتحدة تجاهلت السيناريو تماما.

وتقول المحلّلة اللبنانية لينا الخطيب إنّ هذه الحادثة تؤكد الحاجة إلى تغيير سياسات المجتمع الدولي في التعامل مع المنطقة ككل في ضوء تداخل العلاقات بين دولها وتأثيرها على بعضها البعض.

لينا الخطيب: المجتمع الدولي في حاجة إلى تغيير سياساته في التعامل مع المنطقة

وتابعت أنه على الرغم من أن دعاية حزب الله لوصول الوقود الإيراني بالغت في تأثيره المحتمل على نقص الوقود في لبنان، فإن هذه الواقعة تعتبر مهمة بسبب ما تكشف عنه بالنسبة إلى الصراع الإقليمي.

ويعني القبول الضمني للحكومة اللبنانية بشحنة الوقود قبولها بأن الحدود بين سوريا ولبنان مخترقة. كما يشير غياب الإدانة من الولايات المتحدة إلى أن لبنان أحد مكونات النظام الإيكولوجي الإيراني في الشرق الأوسط – والذي يعد النزاع السوري مكونا مهما آخر فيه – وليس لاعبا مستقلا. وتحتاج الزاويتان إطارا لسياسة جديدة لفهم ديناميكيات الصراع في المنطقة ومعالجته، والذي يتجاوز الأساليب التي تركز على دولة محددة.

وتابعت الخطيب أن الحكومات الغربية ومن بينها الولايات المتحدة وبريطانيا ساعدت طوال سنوات كثيرة في توفير البنية التحتية الأمنية على الحدود السورية – اللبنانية. فقد قامت بريطانيا بتمويل إقامة أبراج مراقبة على الجانب اللبناني من الحدود لوقف تدفق المسلحين من سوريا إلى لبنان، والسيطرة على عمليات التهريب بين البلدين، والتي تتم في كلا الاتجاهين. وقد دخل الوقود الإيراني إلى لبنان عبر أحد المعابر العديدة غير الشرعية على طول الحدود.

وحذرت الخطيب من أن حقيقة أن الحكومة اللبنانية غضت الطرف عن ذلك تظهر أنه لا يوجد قدر من الدعم الفني للبنية التحتية من جانب المجتمع الدولي يمكن أن يوقف المعاملات غير المشروعة من هذا النوع عندما تكون السلطات نفسها متواطئة. كما أن هذا يعقّد التمييز بين الأنشطة المشروعة وغير المشروعة.

وقد كانت الشركة التي استخدمها حزب الله لتوزيع الوقود الإيراني في لبنان وهي شركة “الأمانة” على قائمة العقوبات الأميركية منذ عام 2020. ومع ذلك فإن العقوبات لم توقف “الأمانة” من العمل داخل لبنان أو من الاستمرار في القيام بمعاملات مالية مع كيانات في سوريا وإيران.

وهذا يظهر أنه في حين أن العقوبات نجحت بدرجة كبيرة في قطع العلاقات المالية بين الشركات الخاضعة للعقوبات والجهات الفاعلة التي تقوم بأعمال تجارية مع الغرب، إلا أنها لم توقف بشكل كامل النظام المالي غير المشروع الذي يربط دولا مثل لبنان وسوريا وإيران والعراق. ويلعب هذا النظام المالي دورا مهما في استمرار عمل الجهات الفاعلة المتورطة في الصراع في هذه الدول بالإضافة إلى علاقاتها مع بعضها بعضا.

Thumbnail
واعتبرت لينا الخطيب وهي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني تشاتام هاوس في تقرير نشره المعهد أن واقعة الوقود الإيراني تسلط الضوء على الشبكات الإقليمية والوطنية التي تعتمد عليها إيران وحزب الله، والتي لا تقتصر على الجهات الفاعلة غير الحكومية. فقد تم الإعلان عن وصول الوقود الإيراني قبل وصوله وكان بإمكان السلطات اللبنانية، على سبيل المثال، أن تقوم بنشر أفراد لمنع وصوله إلى لبنان أو تحاول محاسبة المتورطين في هذه الصفقة غير القانونية. لقد اختاروا عدم إظهار مدى سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية وأن الفساد في لبنان يتجاوز استغلال موارد الدولة، فهذا منهجي وغير مقتصر على عدد قليل من الشخصيات الفاسدة داخل مؤسسات الدولة.

هذا بدوره يسلّط الضوء على قصر نظر أيّ نهج لتحقيق الاستقرار أو الأمن في لبنان يركز على تقديم مساعدة فنية لمؤسسات الدولة ولا يأخذ في الاعتبار السياق الأوسع نطاقا للحاجة إلى الحكم الرشيد والإصلاح المؤسسي.

وأضافت الخطيب أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة ربما تنظر إلى لبنان كجزء من مشهد صراع أكبر يشمل سوريا وإيران، فإن هذه الرؤية الأوسع لم تقترن بعد بسياسة قوية من جانب المجتمع للتصدي لديناميكيات الصراع في هذا المشهد. ولا تزال سياسات مواجهة الصراع مركزة على كل دول على حدة بدرجة كبيرة، مع استثناءات قليلة، مثل تلك السياسات التي تستهدف الجماعات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية مثل تنظيم داعش.

وشدّدت على أن واقعة الوقود الإيراني تؤكد الحاجة إلى أن تأخذ سياسة التعامل مع الصراع في الاعتبار أيضا الطبيعة العابرة للحدود لأنظمة الصراع في كل دولة، وقصور المساعدات الفنية، وأنّ تصنيف الأنشطة على أنها مشروعة أو غير مشروعة لا ينجح دائما ويمكن أن يخلق نقاطا عمياء. وبإيجاز شديد، يعتبر وصول الوقود الإيراني إلى لبنان حالة تهريب تمت بموافقة الدولة.

صحيفة العرب