الأزمات في سوق الطاقة العالمية، تعصف بدول كبرى، وماذا عن الدول العربية؟!

الأزمات في سوق الطاقة العالمية، تعصف بدول كبرى، وماذا عن الدول العربية؟!

 

الباحثة شذى خليل*

تستمر أزمة إمدادات الطاقة العالمية، حيث تستمر أسعار النفط في مسيرتها الصعودية، نتيجة لتسعير التجار للارتفاع المستمر في الطلب على الوقود – والذي يؤدي إلى استنفاد المخزونات العالمية وسط استجابة العرض المحدودة.
كبير محللي أسواق النفط في Rystad Energy، قال إنه مع انتقال العالم إلى مزيد من رقمنة جوانب الحياة المختلفة، ولا سيما استمرار نمو السكان والاقتصاد يؤدي إلى ارتفاع استهلاك الطاقة، حيث واصلت الأسعار الارتفاع إلى أعلى مستوياتها منذ 2014 في الأسواق العالمية نتيجة نقص المعروض وزيادة الطلب مع تعافى الاقتصاديات بعد جائحة فيروس كورونا المستجد، وتمثل الولايات المتحدة، أكبر مستهلك في العالم.
وجاء صعود الأسعار قبيل تقارير بشأن مخزونات الخام والوقود في الولايات المتحدة، ويتوقع محللون أن أحدث بيانات أسبوعية لمخزونات النفط الأمريكية ستظهر زيادة قدرها 1.9 مليون برميل.
في الولايات المتحدة الامريكية، تضاعفت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي بالفعل خلال العام الحالي، قبل الوصول إلى ذروة الطلب التي تأتي مع فصل الشتاء، ولأن الولايات المتحدة تعتمد على الغاز الطبيعي في إنتاج 40% من الكهرباء، فإن هذه الأسعار المرتفعة ستؤدي حتماً إلى ارتفاع فواتير الكهرباء والتدفئة للمستهلكين.

اما في الصين، ورغم محاولة الحكومة زيادة حصة الطاقة المتجددة، فإن الاقتصاد الصناعي الصيني ما زال يعتمد بشدة على الوقود الأحفوري، سواء الفحم أو النفط أو الغاز الطبيعي.
وعندما استأنفت المصانع نشاطها بكامل طاقتها عقب انتهاء جائحة كورونا، لم تجد الصين الوقود الكافي لإنتاج الكهرباء التي تحتاج إليها المصانع. ولذلك انكمش الإنتاج الصناعي للصين خلال الشهر الماضي لأول مرة منذ 19 شهراً، وهو ما يعني أن ارتفاع أسعار الطاقة أصبح أكبر صدمة تضرب ثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ بداية الجائحة.
الأمر نفسه ظهر في بريطانيا التي توالى فيها إفلاس شركات الكهرباء الصغيرة التي عجزت عن استيعاب الارتفاع الحالي في أسعار الغاز الطبيعي. كما رصدت إيطاليا مليارات اليورو للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار الطاقة على المستهلكين.
واجتمع وزراء مالية دول اليورو لبحث ووضع خطة للتعامل مع أزمة ارتفاع أسعار الطاقة، حيث طالبت فرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان بتحرك منسق على مستوى الاتحاد الأوروبي للتعامل مع هذا الملف.
حيث تشهد أوروبا الآن حالة من الفوضى في سوق الطاقة، ففي فصل الشتاء الماضي الذي كان أبرد من المعتاد، تم استنزاف مخزونات الغاز الطبيعي، في حين لم تحاول روسيا أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا تعويض هذا النقص خلال فصل الصيف، لترتفع أسعار الكهرباء والغاز الآن إلى مستويات قياسية، مع تزايد الطلب على الطاقة نتيجة تعافي الأنشطة الاقتصادية من تداعيات جائحة كورونا. هذا السيناريو كان سيحدث لو أن العالم تعرض للجائحة قبل 20 عاماً. لكن الآن أوروبا تعتمد على مزيج مختلف من مصادر الطاقة.

حيث تعد الأزمة في أوروبا ليست بالشيء البسيط. ومع أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية تزايدت وأصبحت أرخص بصورة أكبر، فإن الكثير من مناطق العالم ستظل تعتمد على الغاز الطبيعي وغيره من أنواع الوقود الأحفوري كمصادر طاقة بديلة لعقود عديدة قادمة. في الوقت نفسه، تظل رغبة المستثمرين والشركات في زيادة الإنتاج من النفط والغاز تتراجع حالياً.
اما في المنطقة العربية؛ لا يمكن ان تكون البلدان العربية بمعزل عن الأزمة، حيث تضم المنطقة نحو 9 دول مصدّرة للنفط والغاز الطبيعي والأهم في العالم، حيث تستحوذ الدول العربية على ما نسبته 25% من الإنتاج العالمي من النفط، ونحو 15% من إنتاج الغاز الطبيعي.
وفي الوقت الذي ستستفيد فيه الدول النفطية العربية من ارتفاع أسعار الطاقة في ظل أزمة ارتفاع الأسعار بالسوق العالمية، وبما يخفف من حدة أزمتها المالية في الأجلين القصير والمتوسط، إلا أنها ستدفع الثمن كذلك في ارتفاع فاتورة وارداتها السلعية من جميع السلع الأخرى، لأن الدول العربية غير منتجة للسلع الصناعية بشكل كاف، فضلا عن اعتمادها الكبير على استيراد الغذاء.
ولكن لو نظرنا بدقة حول كيفية الاستفادة من تلك الطفرة الجديدة في الأسعار، من حيث حسن توظيفها لمشروعاتها التنموية، أو تحسين هياكلها الإنتاجية، فإن الاستفادة بلا شك ستكون كبيرة، أما إذا تم إيداع تلك العوائد في أسواق المال للمضاربة على الأسهم والسندات في الأسواق الغربية والأميركية أو الآسيوية فستكون بلا فائدة، وكذلك الحال إذا وظفت هذه العوائد في الإنفاق على التسلح، أو الحروب البينية، أو النزاعات المحلية، فستكون هذه العوائد النقدية بلا فائدة تذكر.
من جانت آخر، قال بنك جولدمان ساكس إن انتعاشًا قويًا في الطلب العالمي على النفط قد يدفع أسعار خام برنت فوق التوقعات نهاية العام والبالغة 90 دولارًا للبرميل. وقدر البنك أن التحول من الغاز إلى النفط يمكن أن يسهم بما لا يقل عن مليون برميل يوميا في الطلب على النفط.
بعد أكثر من عام من انخفاض الطلب على الوقود، عاد استهلاك البنزين ونواتج التقطير لتتماشى مع متوسطات الخمس سنوات في الولايات المتحدة، كما تعززت أسعار النفط بفعل المخاوف بشأن نقص الفحم والغاز في الصين والهند وأوروبا ، مما دفع إلى التحول إلى وقود الديزل وزيت الوقود لتوليد الكهرباء.
الاستثمار:
قال بعض الخبراء، إن الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز الطبيعي «تراجعت من 850 مليارا الى 350 مليارًا، وانتعش الطلب العالمي على الطاقة مع التعافي من فيروس كورونا، في الوقت الذي أدى فيه الارتفاع الكبير في أسعار الغاز الطبيعي والفحم إلى زيادة الطلب على البترول كمصدر طاقة بديل أقل تكلفة.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الطلب العالمي على البترول بمقدار 500 ألف برميل يوميا خلال الفترة المقبلة، وهو ما يعنى زيادة الفجوة بين المعروض والمطلوب في السوق بمقدار 700 ألف برميل يوميا حتى نهاية هذا العام، إلى أن تضيف منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاؤها «أوبك +» مزيدا من الإمدادات كما هو مخطط في يناير المقبل..
في المقابل تتوقع منظمة أوبك زيادة الطلب العالمي على البترول خلال العام الحالي بمقدار 5.8 مليون برميل يوميا إلى 82.99 مليون برميل يوميا.
بعض المحللين الاقتصاديين قالوا إن الوضع الحالي بمثابة وصفة جيدة لتقلبات الأسواق، وأن العالم «يتحرك بالتأكيد نحو نظام أكثر هشاشة. والحقيقة أن التحول نفسه وهو أمر حتمي للحفاظ على كوكب الأرض ليس سبباً في الأزمة، ولكن أي نظام كبير ومعقد يصبح أكثر هشاشة عندما يشهد عملية تغيير كبرى كالتي يشهدها نظام الطاقة في العالم.
يحدث كل هذا، في الوقت الذي تتوقع فيه خدمة بلومبرج لتمويل الطاقة الجديدة نمو الاستهلاك العالمي للطاقة بنسبة 60% بحلول 2050، حيث يتخلص العالم من الوقود الأحفوري ويتحول إلى السيارات وأفران الطبخ وأنظمة التدفئة التي تعمل بالكهرباء.
وقد تراجع الاعتماد على الفحم بدرجة كبيرة لصالح الغاز الطبيعي الأقل تلويثاً للهواء. لكن زيادة الطلب العالمي خلال العام الحالي أدى إلى ندرة في إمدادات الغاز. في الوقت نفسه فإن انخفاض إنتاج المصدرين الآخرين للطاقة النظيفة “الرياح والمياه” بصورة غير معتادة، كان نتيجة بطء حركة الرياح وانخفاض الأمطار في مناطق عديدة منها النرويج، حيث كان أبرد من المعتاد، تم استنزاف مخزونات الغاز الطبيعي المستجد.
ختاما سيظل العالم يعاني من الصعوبات في مجال الطاقة لعقود قادمة، ومن المحتمل أن تراوح تداعيات ذلك بين فترات ارتفاع أسعار التضخم بسبب مشكلات الطاقة وتزايد الفجوة في الدخول بين دول العالم، وصولاً إلى خطر حدوث انقطاعات واسعة للكهرباء وتوقف النمو الاقتصادي والإنتاج، وان أقرب الأزمات المتوقعة في الشتاء القادم هي انقطاع التيار الكهربائي في ظل زيادة الطلب على الطاقة للتدفئة، خاصة إذا لم توفر الرياح الطاقة الكافية.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية