كابول – يشنّ تنظيم “الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” في أفغانستان سلسلة من الهجمات والاعتداءات الدامية التي تعرقل مساعي طالبان لإعادة الاستقرار إلى البلاد والوفاء بوعودها بشأن السيطرة على الوضع الأمني هناك وافتكاك اعتراف دولي بحكومتها.
ولقي ستّة أشخاص مصرعهم إثر هجمات وتفجيرات متفرقة، خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، في ولاية ننغرهار شرقي أفغانستان.
وقُتل ما لا يقلّ عن 19 شخصًا -من بينهم قيادي كبير في طالبان- وأصيب 50 آخرون بجروح الثلاثاء في هجوم لتنظيم الدولة الإسلامية استهدف مستشفى كابول العسكري، وسط تصاعد العنف في أفغانستان بين حركة طالبان الحاكمة والفصيل الإسلامي المتطرف.
ومساء الثلاثاء تبنّى التنظيم الهجوم عبر قنواته على منصّة تلغرام، معلنًا أنّ “خمسة من مقاتلي الدولة الإسلامية نفّذوا هجومًا منسّقًا متزامنًا” على مستشفى سردار محمد داود خان العسكري في كابول.
وزادت هذه الهجمات المخاوف من أن تصبح البلاد ملاذا للجماعات المسلحة كما كانت قبل عشرين سنة عندما هاجم تنظيم القاعدة الولايات المتحدة في 2001.
وتأسس تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014، حين بايع مقاتلون سنة متشدّدون في العراق وسوريا أبوبكر البغدادي “خليفة” للمسلمين.
وسيطر التنظيم بزعامة البغدادي على مساحات شاسعة من العراق وشرق سوريا، لكنّه فقد لاحقا سيطرته على هذه الأراضي. إلا أنه كان قد تمدد إلى أنحاء أخرى من العالم بما فيها خراسان، وهي منطقة تضم أنحاء من أفغانستان وإيران وباكستان وتركمانستان.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة يضم تنظيم “داعش- خراسان” ما بين 500 وبضعة آلاف من المقاتلين في شمال أفغانستان وشرقها، بما في ذلك الخلايا النائمة في كابول.
حركة طالبان تؤكد أنها وضعت حدا للحرب وأعادت الاستقرار، إلا أن هجمات داعش تناقض هذا الخطاب
ويحذر محللون من سعي التنظيم -بعد سيطرة طالبان على أفغانستان- لإعادة تنشيط طاقة الخلايا الإرهابية، وهو ما سيؤدي أيضا إلى زيادة عمليات التجنيد والتمويل من جانب الداعمين للجهاديين.
ويُعتقد أن التنظيم يقوده منذ عام 2020 “شهاب المهاجر” الذي يوحي اسمه الحركي بأنه متحدّر من العالم العربي إلا أن أصله لا يزال مجهولا.
وتسري نظريات كثيرة بِشأنه دون أن تتأكد أي نظرية منها، إذ تفيد تقارير بأنه كان قياديا في تنظيم القاعدة في حين تقول تقارير أخرى إنه كان عضوا سابقا في شبكة حقاني القريبة من القاعدة.
وكان تنظيم “الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” إلى غاية عام 2020 يخسر نفوذه في ظل سطوة حركة طالبان وحملة الغارات الجوية الأميركية ضد التنظيم. لكن يبدو أن وصول القائد الجديد غيّر المعادلة.
ويفيد الباحث في مرصد المواقع المتطرّفة “إكستراكت” عبدالسيّد بأن شهاب جدد التركيز على أهمية “حرب المدن والعنف ذي الدلالات”.
وقال السيّد “على الرغم من أن طالبان هي هدفه الرئيسي اختار ‘تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان’ أهدافا سهلة على غرار الأماكن الدينية والمؤسسات التربوية والأماكن العامة مثل المستشفيات… لبث الخوف من إرهابه”.
وتبنى التنظيم في 2021 أكثر من 220 هجوما في أفغانستان، بما في ذلك العديد من الهجمات في كابول حيث سيطرت طالبان على مقاليد الحكم.
وتحاول حركة طالبان منذ سيطرتها على أفغانستان تحقيق الاستقرار، إلا أن تنظيم داعش بات يشكل عائقا حقيقيا أمامها. وطالبان جماعة سنيّة متطرّفة على غرار تنظيم “الدولة الإسلامية – ولاية خراسان”، إلا أن الحركة تعهّدت في إطار إرسائها نظاما جديدا في كابول بحماية الأقلية الشيعية، في حين يعتبر التنظيم أن الشيعة “مرتدّون”.
وعلى غرار ما حصل في العراق حيث استهدف تنظيم الدولة الإسلامية الشيعة لإثارة حرب طائفية، يهدد تنظيم “الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان.
وسبق أن قاتل الكثير من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” في صفوف طالبان أو جماعات موالية لها، أو يأتون من حركات تمرّد تستلهم مبادئها من تنظيم القاعدة. لكن استراتيجيات الفصيلين اختلفت.
وتسعى طالبان في عام 2021 لحكم أفغانستان وفق تفسيرها للشريعة الإسلامية، فيما يظل تنظيم “الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” متمسّكا بمبايعة “خليفة” للمسلمين.
ويصف المتحدّث باسم طالبان التنظيم بأنه “تكفيري”، فيما يعتبر تنظيم “الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” الحركة عميلة للأميركيين.
لكن على الرغم من الخطاب التحريضي بين الفصيلين يبقى ممكنا انتقال العناصر من ضفة إلى أخرى وفق مواقف القادة والفرص السانحة.
وبحسب باربرا كيليمن المحللة في مركز “دراغونفلاي للاستخبارات الأمنية” سبق أن نجح تنظيم “الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” في “تجنيد عناصر مستائين من طالبان أو يعتبرون الحركة كثيرة الاعتدال”.
ومنذ سيطرتها على الحكم في كابول تؤكد حركة طالبان للأفغانيين أنها وضعت حدا للحرب وأعادت الاستقرار. إلا أن هجمات تنظيم الدولة الإسلامية تناقض هذا الخطاب فيما لا يتردد التنظيم في استخدام الوسائل نفسها التي كانت تعتمدها حركة طالبان.
ولا تحظى طالبان في مواجهة خصمها الشرس حاليا بمساعدة خارجية تذكر، ولا بدعم استخباري واستطلاعي عسكري أميركي.
وفي السنوات الماضية تلقّت الحكومة الأفغانية المطاح بها والتي كانت مدعومة من الولايات المتحدة مساعدات عسكرية بمئات المليارات من الدولارات ومساندة من قوات غربية لكنها عجزت عن التغلّب على طالبان أو تنظيم “الدولة الإسلامية – ولاية خراسان”.
لكن الحركة تعرف عدوّها جيدا، وتحظى بدعم محتمل من مجموعتين تعرفان جيدا تكتيكات تنظيم “الدولة الإسلامية-ولاية خراسان”.
وجاء في تقرير لمركز صوفان ومقرّه الولايات المتحدة أن “طالبان ستعتمد في مقاتلة تنظيم ‘الدولة الإسلامية – ولاية خراسان’ على شبكة حقاني والقاعدة وأطراف آخرين” للحصول على “دعم على صعيد المنخرطين والخبرات القتالية والمؤازرة اللوجستية”.
العرب