الباحثة شذى خليل*
يعد نهر دجلة، إلى جانب نهر الفرات، شريان الحياة للعراقيين، إذ يغذي النهران الكثير من محطات المياه، وتُستخدم مياههما لري الحقول على طول ضفتيهما، ومنذ سنوات والعراق يعاني من انخفاض منسوب مياه نهري دجلة والفرات، من جراء قلة تساقط الأمطار في فصل الشتاء، وانخفاض متواصل في الإيرادات المائية، بسبب بناء تركيا لعدة سدود على منابع نهر الفرات ابرزها سد اليسو، ومن جهة أخرى إيران تساعد في قطع روافد 30 نهرا أهمها نهري الوند والزاب الصغير، لكن في هذا المقال سنركز فقط على بناء سد اليسو ودور تركيا في جفاف العراق .
قانونيا سد أليسو التركي
تمارس تركيا ابشع أنواع الحروب ” حروب المياه” الدول التي تشاركها في الموارد المائية ، وفقا للاتفاقيات الدولية المنظمة لهذه الحقوق، تركيا خرقت تلك المعاهدات وضربتها عرض الحائط وتعدت على حصص الدول الأخرى كـ العراق وسوريا ، ببناء السدود والقنوات وإنشاء البحيرات الصناعية، مما يعد خرقا صارخا للقانون الدولى واستخدام المياه كسلاح للإضرار بالعراق وسوريا .
ببنائها السدود على نهري دجلة والفرات، مما يهدد البلدين بنقص حصصهما من المياه ويؤدى إلى الجفاف وزيادة نسبة التصحر وتغيير طبيعة المنطقة بيئيا، فلم تكتف تركيا بالتدخل عسكريا وسياسيا بالبلدين بل تحاول السيطرة على مواردهما المائية ايضا. بشكل مخالف للقانون الدولي لتقاسم المياه خاصة الاتفاقيتين الدوليتين لعام 66 و97 من القرن الماضي، وأيضا مع الاتفاقيات الثنائية التى وقعتها مع سوريا عام 1987 .
وترتكز تركيا على انها أحد البلدان التى لم تنضم إلى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية مثل الصين واسرائيل، وهى الاتفاقية الدولية التي تناقش مجاري المياه العذبة عبر الحدود في العالم.
ويرى الخبراء أن تركيا لها دوافع سياسية وليست اهدافا إنمائية كما تدعي، وتحاول أن تتعامل مع المياه على انها سلعة تجارية بما يخالف القانون الدولي،وتستخدم التحكم فى مياه النهرين كورقة ضغط غير مباشرةعلى سوريا والعراق،لفرض سيادتها على المنطقة،ولتنفيذ مخططها النفط مقابل المياه، وانها تستغل الأزمات لتحقيق أطماعها كما حدث فى عام 1987، عندما قايض الرئيس التركى آنذاك تورجوت أوزال بمنح سوريا 12 مليار متر مكعب من المياه اذا ما أوقفت دعمها لحزب العمال الكردستاني، ولذلك فإن ما تمارسه تركيا يعد ابتزازا ضد دول الجوار .
العراق وأزمة الجفاف المقبلة
وحسب تقارير متخصصة فإن العراق مقبل على أزمة جفاف، وهو خطر يواجه المحافظات الجنوبية التسع، التي تتصارع مجالسها في الاستحواذ على مياه نهرَي دجلة والفرات وقطعها عن المحافظات الأخرى، حيث وصلت الازمة إلى اشتباكات مسلحة بين العشائر، فيما حصلت موجة هجرة واسعة للسكان نحو مناطق تتوافر المياه فيها.
بات شبح الجفاف والتصحر يحوم في طول البلاد وعرضها تصاحبه عواصف ترابية ورملية غير مسبوقة تضرب المدن العراقية بشكل شبه يومي، وتعد وزارة الموارد المائية والتي تسمى سابقا بوزارة الري المجهز للمياه الخام والمياه غير المعالجة للقطر، هذا وتمثل السدود التسعة الكبيرة و السدات الثمانية عشرة الضخمة ومحطات الضخ ال 275 وال 140 مشروع لاستصلاح الاراضي التابعة لوزارة الموارد المائية واحدة من اكثر الانظمة المعقدة لتوزيع المياه في العالم.
وان أكثر من 90 بالمئة من مياه القطر تستخدم لارواء 3.25 مليون هيكتار من الارض في انحاء العراق وان المعدات الميكانيكية كمحطات الضخ والمولدات الاحتياطية هي مضخات فردية تشكل اقل من 60%، إن عدم تطبيق الطرق التكنولوجية في وزارة الموارد المائية العراقية ادى الى تخلفها عن بقية العالم بعدة عقود.
السدود الكبيرة في العراق:
هناك انواع من السدود منها خرسانية او صخرية او إملائية ترابية مع لب طيني او من الخرسانة المضغوطة بالحدل, كما للسدود مسيل مائي (Spillway ) لتصريف المياه التي تعلو مناسيبها عن المنسوب الاعلى للخزن في السد .
فيما يلي اسم السد نوع السد حجم الخزن طول جسم السد وتاريخ الانجاز:
•سد دوكان خرساني مقوس 6،8 مليار م3 360 م 1958
• سد دربندخان املائي ركامي 3،8 مليار م3 445 م 1961
•سد حمرين ركامي ذو لب طيني وقشرة حصوية 3،5 مليار م3 3،5 كم 1981
•سد حديثة املائي ركامي 8،2 مليار م3 8923 م 1985
•سد الموصل ركامي املائي 11،11 مليار م3 3650 م 1986
•سد دهوك ترابي املائي 52 مليون م3 613 م 1988
•سد العظيم ترابي املائي 1،5 مليار م3 3800 م 1999
•منذ 1999 الى غاية الان لم يتم بناء أي سد في العراق.
اضافة الى السدود الكبيرة المذكورة آنفا يوجد عدد من السدود الصغيرة المنفذة وعدد آخر تحت التنفيذ في اقليم كوردستان وفي المنطقة الشرقية ومنطقة الصحراء الغربية.
السدات Barrages
هي من الانشاءات الهندسية المهمة التي تنشأ على الانهر أو روافدها او فروعها ومن المهام الرئيسة للسدات ان تقوم بحجز المياه في مقدمتها ولمناسيب تؤمن الاحتياجات المائية لعدد من النواظم التي تتفرع من المقدم
ان لبعض السدات وفي حالة وجود فرق مناسب بين المقدم والمؤخر محطات كهرومائية كما هو في سدة سامراء على نهر دجله حيث توجد محطه كهرومائية بطاقة توليد مقدارها (75) ميكاواط وكذلك في سدة الهندية بطاقة توليد مقدارها (15) ميكاواط كما اقيمت محطة صغيرة بطاقة توليد (5) ميكاواط على سدة الكوفة على نهر الفرات .
السدات على نهر دجلة وروافده
– سد دبس : على نهر الزاب الصغير لتنظيم مياه الزاب ورفع منسوب المياه لتأمينها الى مشروع ري كركوك .
– سد ديالى : على نهر ديالى لتأمين المياه في مشاريع اسفل ديالى.
– سدة سامراء : على نهر دجله يتفرع من مقدمتها ناظم الثرثار وناظم مشروع ري الاسحاقي .
– سدة الكوت : على نهر دجله يتفرع من مقدمتها شط الغراف وناظم ري الدجيله
– سدة العمارة : على نهر دجله تتفرع من مقدمتها نواظم البتيره والعريض والمشرح والكحلاء .
السدات على نهر الفرات
– سدة الرمادي : مقدم مدينة الرمادي
– سدة الفلوجه : تقع على بعد (5كم ) جنوب مدينة الفلوجه
– سدة الهندية : تقع على بعد (1700) متر مقدم السدة القديمة
– سدة الكوفه : مقدم مدينة الكوفه
– سدة العباسية : على شط العباسيه .
النواظم
تعتبر النواظم سواءً كانت رئيسة أو فرعية أو قاطعة أو ذيلية من المنشأت المهمة ضمن المشاريع الاروائية ،تنشأ على القنوات الاروائية في صدورها أو في مواقع مختلفة منها أو عند مقدم السدات على الانهر وروافدها وتشعباتها المختلفة .
يبلغ مجموع النواظم في المشاريع الاروائية في العراق (2351) ناظماً موزعة بين المحافظات كافة ومن مختلف الانواع ( رئيسية، وفرعية وقاطعة وذيلية) أضافة الى وجود (49) ناظماً كبيراً متفرعة من الانهر دجلة والفرات وروافدهما وفروعهما كناظم الثرثار في سامراء وناظم الورار ضمن مشروع الحبانية ونواظم أخرى تأخذ مياهها من عدد من السدات كسدة سامراء وسد ديالى على نهر ديالى وسدة الكوت وسدة العمارة على نهر دجلة وسدة الرمادي والفلوجة والهندية على نهر الفرات.
سد اليسو الذي يقع جنوبي الأناضول يمتلك طاقة تخزين هائلة تقدر سعتها بـ 10.4 مليارات متر مكعب، مما يؤثر على الإطلاقات المائية لنهر دجلة.
وللتاريخ يمكن ذكر حادثة وقعت في زمن النظام السابق ( صدام حسين ) عام 1989 حيث شرعت الحكومة التركية بوضع أسس بناء أليسو، واحتجت الحكومة العراقية في ذلك الوقت وتم إيفاد وزير الخارجية (طارق عزيز) إلى أنقرة لثني حكومتها عن مواصلة الشروع ببناء هذا السد، وبعد أن رفضت ذلك حصل احتجاج دبلوماسي شديد حيث تم سحب السفير العراقي وأنذرت الحكومة العراقية أنقرة بأن هذا الإجراء يدخل في باب الحرب المائية وتم حشد القوات العراقية على الحدود وتوجيه الصواريخ لتهديم جميع الإنشاءات القائمة في أليسو، إذا لم يتم إيقاف البناء خلال 48 ساعة مما أجبر الحكومة التركية على التراجع وإرسال وزير خارجيتها للتفاوض.
لكن ما حصل عام 1990 من كوارث سياسية وعسكرية في اجتياح الكويت وما بعدها من حصار جعل الهاجس الأمني يتقدم على مسألة الحفاظ على الثروة المائية، وكان الأجدر بحكومات ما بعد 2003 بدلا من الانشغال بتقاسم السلطة ونهب الموارد النفطية، أن تضع أهدافها الاستراتجية لحماية الثروة المائية للبلد، وأن يتم التعامل مع دول منابع دجلة والفرات بصورة متساوية سواء مع إيران أو تركيا، لا أن يتم غض الطرف عما قامت به إيران في قطع روافد 30 نهرا أهمها نهري الوند والزاب الصغير.
يعد سد “أليسو” الذي بدأت تركيا في بنائه من أكبر السدود التي اقامتها تركيا حيث صرح الرئيس التركي بأن أليسو يعد ثاني أكبر سد بعد سد أتاتورك (على نهر الفرات) من حيث الحجم، مشيرا إلى أن سعة تخزين السد تبلغ 11 مليار متر مكعب، في حين تصل القوة المركبة فيه 1200 ميغا واط.
وأشار إلى أهمية هذا المشروع وعلى الخصوص مع ازدياد خطر القحط والجفاف في تركيا، والعالم أجمع، مشددا على ضرورة حماية البلاد من أخطار الجفاف، وتبعاتها مثل نقص الغذاء، والاستعداد للسيناريوهات المظلمة التي تنتظر العالم في المستقبل.
وأما بخصوص حجم الأضرار التي سوف يلحقها هذا السد بالعراق والعراقيين فهي:
انخفاض الكميات الواردة التي هي بشكل طبيعي لا تقل عن 20,93 مليار م3 في السنة، ستنخفض إلى أقل من النصف، إذْ سيرد إلى العراق منها 9,7 مليار م3 أي ما يشكل 47% من الإيراد السنوي الطبيعي منذ القِدَم مع زيادة هذه الكميات خلال الفيضانات الكبرى وتلك حالات استثنائية.
يقول بعض الخبراء الاقتصاديين العراقيين إن تشغيل تركيا لأول التوربينات في سد “أليسوا” على نهر دجلة الممتد من تركيا إلى العراق ليس هو المشكلة، المشكلة ليست في التشغيل وإنما في ملء السد وقطع المياه القادمة إلى العراق.
وأن الاتفاقات السابقة بين البلدين تتحدث عن الملء الجزئي، فإذا كان تشغيل التورببن يتم وفق الاتفاقات السابقة، أعتقد هنا أن العراق لن يتضرر كثيرا، لكن كل الخوف من قطع مياه نهر دجلة من أجل ملء السد لتشغيل التوربينات، هنا سيكون الضرر كبيراً على الاقتصاد العراقي.
هذا النقص الفادح في مياه نهر دجلة، سيؤدي إلى إخراج مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية من الاستخدام خصوصا في شمال العراق / إقليم كردستان.
أما الأضرار البيئية التي ستنجم عن تقلص رقعة الأراضي الخضراء والمراعي الطبيعية وزحف ظاهرة التصحر، فسوف تنعكس على الطقس في العراق، وستتكرر العواصف الرملية طوال العام، وسيحول سد أليسو نصف العراق إلى صحراء.
من الناحية السكانية، فإنَّ السد سيحرم أعدادا كبيرة من السكان من مياه الشرب، وسيلوث مياه الشرب المتبقية، لأنها ستمر في مولدات الطاقة الكهرومائية و ينضاف إليها ما يخرج من مياه ملوثة من منظومات الصرف الصحي للمدن الواقعة على نهر دجلة.
وسيرتفع مستوى التلوث والملوحة في هذه المياه إلى 1800 ملغ /لتر، كما هي الحال في مياه الفرات التي تسمح تركيا وسوريا بمرورها إلى العراق بعد تشبعها بالملوثات والأملاح الناتجة عن الاستهلاك والزراعة والصناعة في سوريا، في حين أنَّ المعدل العالمي للتلوث لا يزيد عن 800 ملغ/ لتر! فلنلحظ الفرق بين ألف وثمانمائة ملغ/ لتر وبين ثمانين ملغ/ لتر.. أليس هذا قتلا للعراقيين بسلاح التلوث ؟
سيتغير السد نمط معيشة السكان إلى أنماط غير منتجة، فتتدهور الزراعة والرعي وتتراجع أعداد الثروة الحيوانية.
ستتأثر عملية إنعاش الأهوار حيث أنَّ انخفاض واردات العراق في دجلة وفي الفرات بنسبة 90% بسبب السدود التركية ونضيف إلى ذلك المشاريع الإيرانية الخطيرة وسترتفع نسبة الملوحة والتلوث في مناطق الأهوار.
سيؤدي انخفاض مناسيب المياه في دجلة إلى توقف العمل في منظومات توليد الطاقة الكهربائية المقامة على طول نهر دجلة، وخصوصاً في سدي الموصل و سامراء، وسيؤثر ذلك على النشاط الصناعي والبنى التحتية كمحطات تصفية المياه ومصافي النفط والمستشفيات.
ستنخفض مناسيب الخزانات الطبيعية التي يعتمد العراق عليها في عملية خزن المياه للاستفادة منها في مواسم الجفاف كبحيرتي الثرثار والحبانية.
– ستمتد تأثيرات سدود تركيا، وخصوصا سد أليسو، في مجاري الأنهار حتى شمال الخليج حيث دلت الدراسات العلمية والعينات المأخوذة من سواحل الكويت أنَّ تأثيرات ضارة بسبب المياه الملوثة قد رصدت في مناطق صيد الأسماك والروبيان.
ختاما وعلى الرغم من الاحتجاجات العراقية وبعض المنظمات الدولية والناشطين في مجال البيئة، يصرح الرئيس التركي أن هذا هو «أفضل رد يمكن تقديمه لأعداء تركيا»، ماذا ينتظر العراقيون من تركيا، سيواجه العراق أخطر مشكلة إنسانية تاريخية ووجودية هي شحة المياه في نهري دجلة والفرات بسبب إقامة السدود في تركيا، مؤكدين على أن الأمر يتطلب أيضاً اتخاذ العراق خطوات دولية جادة لإيقاف الخطر القادم.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية