مباركة أممية للتغيرات في خطوط التماس بالحديدة

مباركة أممية للتغيرات في خطوط التماس بالحديدة

لا تزال عملية إعادة الانتشار التي أقدمت عليها قوات موالية للحكومة المعترف بها دوليا في الساحل الغربي تثير تفاعلات عدة في المشهد اليمني، خصوصا بعد التصريحات والمواقف الأممية التي بدت مباركة للعملية.

صنعاء – يسود هدوء حذر في معظم أنحاء الحديدة، باستثناء اشتباكات متقطعة في محيط مديرية الخوخة، وسط أنباء عن حشد المتمردين الحوثيين لعناصرهم في المحافظات المجاورة، مثل أب وحجة، استعدادا للتحرك صوب المحافظة الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر، لوضع يدهم على ما تبقى من أجزاء خارجة عن سيطرتهم.

واستغل المتمردون الحوثيون الانسحاب “الفجائي” للقوات المشتركة الموالية للحكومة الشرعية الجمعة من مناطق في الحديدة بينها مديريات الدريهمي وبيت الفقيه والتحيتا، ليملأوا الفراغ ساعين للتقدم أكثر جنوبا وتحديدا تجاه مديرية الخوخة.

ويثير الموقف الدولي الخجول حيال ما يجري في الحديدة تساؤلات عدة، ومن بينها ما إذا كانت الانسحابات الأخيرة للقوات المشتركة تمت بمباركة دولية، وعما إذا كانت جرت مقايضة الحوثيين بوقف تقدمهم في محافظة مأرب شمال البلاد مقابل تمكينهم من الحديدة، الخاضعة لاتفاق أممي تم التوصل إليه في العام 2018.

وتخوض القوات الحكومية معارك شرسة في مأرب مع الحوثيين الذين نجحوا في التقدم وتطويق مركز المحافظة من ثلاث جهات، في محاولة منهم لقلب موازين القوى بالنظر للأهمية الجيوسياسية الكبيرة للمحافظة بحكم أنها آخر معاقل الحكومة في الشمال فضلا عما تكتنزه من ثروة طاقية هامة.

ويضغط المجتمع الدولي على الحوثيين لوقف تقدمهم في مأرب، وقد تم مؤخرا فرض عقوبات على ثلاث قيادات حوثية متورطة في القتال هناك، ويرى مراقبون أنه من غير المستبعد أن يكون المجتمع الدولي عرض مقايضة على الحوثيين بين وقف القتال في المحافظة مقابل تعزيز تموضعهم في الحديدة.

ورغم أن الأمم المتحدة نفت في البداية أن يكون جرى التنسيق معها بشأن إعادة انتشار القوات المشتركة في الحديدة، بيد أن مواقف المنظمة الأممية المعلنة تباعا سواء من خلال مكتبها لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أو من البعثة الأممية لدعم اتفاقية الحديدة “أونمها”، ترى بوجود جوانب إيجابية من تلك التطورات، لجهة فتح الطريق بين الحديدة والعاصمة صنعاء الأمر الذي من شأنه أن “يحسن حركة المدنيين”، وأيضا باعتبار الخطوة أرضية لاستئناف التفاوض بين المتمردين والسلطة الشرعية، لكسر الجمود في ما يتعلق باتفاقية ستوكهولم.

وقالت بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاقية الحديدة باليمن الاثنين إنها تتابع ما ترتب من تغيرات كبيرة في خطوط التماس في محافظة الحديدة، في علاقة “بانسحاب القوات المشتركة من مدينة الحديدة ومن مديرية الدريهمي وبيت الفقيه وأجزاء من مديرية التحيتا، وسيطرة أنصار الله عليها”.

وأكدت البعثة أن هذه الأحداث تستدعي فتح نقاش بين الأطراف المعنية، في إشارة إلى الحكومة الشرعية وجماعة الحوثيين. وأوضحت أنها تقف على أهبة الاستعداد لتيسير التفاوض وفقا لإطار الاتفاقية، مشددة على أن السلام المستدام لا يمكن تحقيقه إلا عبر تكاتف الجهود المشتركة.

وناشدت البعثة أطراف النزاع الوفاء بالتزامها نحو حماية المدنيين وبالأخص النازحين داخليا في محافظة الحديدة (الواقعة غربي اليمن)، وفي المديريات الجنوبية التي مازالت تحدث فيها الاشتباكات.

وأصدر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في وقت سابق بيانا أكد من خلاله أنه لم تسجل أي حركة نزوح في المناطق التي شغلها الحوثيون، لافتا إلى أن تقدم المتمردين قد يؤدي إلى “تحسين حركة المدنيين” بين محافظتي الحديدة وصنعاء، وعلى طول الطرق التي تربط مدينة الحديدة بمناطق أخرى.

وكانت القوات المشتركة التي تضم عددا من الألوية الجنوبية ذات التدريب العالي قد بررت انسحابها من جنوبي وشرقي الحديدة بما فرضته المتغيرات الميدانية المتسارعة على الأرض لاسيما في شمال البلاد وجنوبها.

واعتبرت القوات أن استمرارها في تلك المناطق يشكل تكبيلا لها حيث أنها لا تستطيع التقدم أكثر في الحديدة بناء على اتفاق ستوكهولم، فيما هناك حاجة ماسة لدرء التهديدات الحوثية خصوصا في الجبهة الجنوبية.

ويقول مراقبون إن إعادة انتشار القوات المشتركة كانت متوقعة لاسيما في ظل الانهيارات الدراماتيكية لقوات الشرعية في مأرب وتهديد الحوثيين بالانتقال إلى الجنوب من بوابة شبوة، وبالتالي فإن هناك حاجة ماسة لتوحيد كل الطاقات العسكرية للحيلولة دون ذلك، وهو ما تعمل عليه المملكة العربية السعودية.

ووصل عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الاثنين إلى الرياض، قادما من عدن حيث من المرتقب أن يناقش مع المسؤولين السعوديين سبل استئناف تنفيذ اتفاقية الرياض المتعثرة، وتوحيد أجنحة الشرعية المتنافرة للتصدي للخطر الحوثي المتعاظم.

وكانت العلاقة بين سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي التي يهيمن عليها الإخوان، والمجلس الانتقالي بلغت حدا كبيرا من التوتر في الفترة الأخيرة وسط تبادل الاتهامات حول الطرف المسؤول عن عرقلة اتفاقية الرياض، زد على ذلك الانتكاسات العسكرية في مأرب وفي مناطق من شبوة التي سيطر عليها الحوثيون دون مقاومة تذكر، والتي عززت الشرخ بين الانتقالي والسلطة.

القوات الحكومية تخوض معارك شرسة في مأرب مع الحوثيين الذين نجحوا في التقدم وتطويق مركز المحافظة من ثلاث جهات، في محاولة منهم لقلب موازين القوى

ويقول المراقبون إن حالة السيولة الجارية في اليمن سواء كان في علاقة بخطط إعادة الانتشار التي لم تقتصر فقط على القوات المشتركة في الساحل الغربي لا بل أيضا على التحالف العربي في أكثر من جبهة، ومحاولات السعودية تذليل الخلافات بين أطراف الشرعية، لا يمكن أن تجري بمعزل عن التحركات الأممية سواء داخل اليمن أو في الإقليم.

وكان المبعوث الأممي هانز غروندبرغ قام مؤخرا بجولة في اليمن شملت زيارة محافظة عدن (العاصمة المؤقتة) التي التقى خلالها برئيس الوزراء معين عبدالملك ووزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، قبل أن ينتقل إلى تعز مركز نفوذ جماعة الإخوان.

والتقى غروندبيرغ خلال زيارته إلى تعز كلا من محافظ تعز نبيل شمسان ومعه وكلاء المحافظة، والقيادات العسكرية والأمنية، وممثلي الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وصرح عقب تلك اللقاءات بأن “ما يمر به اليمن من مرحلة حساسة وعصيبة تفرض متغيرات جديدة وبالتالي نحن (الأمم المتحدة) نحتاج إلى جميع الأطراف العسكرية والأمنية والسياسية للعمل على حل مستدام وتركيز خاص على الأوضاع الاقتصادية التي تثير مخاوف اليمنيين”.

واعتبر أن الاجتماعات والنقاشات “تهدف إلى الوصول لتسوية سياسية جامعة وشاملة لإنهاء النزاع وآثاره التي تخلق تحديات كبيرة أمام تقديم الخدمات الأساسية، وذلك وفق إيجاد الحلول المستدامة لتعز واليمن ككل”.

وكان المبعوث الأممي أجرى قبل ذلك زيارة إلى كل من إيران والسعودية تركزت أساسا على الوضع في مأرب ووجوب استئناف عملية السلام.

العرب