الرباط – يحظى الأمن المائي وسبل تدبير الموارد المائية اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي مستقبلا باهتمام خاص من العاهل المغربي الملك محمد السادس، خاصة مع استمرار تراجع حصة الفرد السنوية من المياه.
فبحسب تقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب (حكومي)، تراجعت حصة الفرد المغربي من الماء، إلى أقل من 650 مترا مكعبا سنويا، مقابل 2500 عام 1960، ومن المتوقع أن تقل هذه الكمية عن 500 متر مكعب بحلول عام 2030.
وسبق أن اجتمع العاهل المغربي أكثر من مرة خلال السنوات الأربع الماضية بمسؤولين كبار لبحث الأمر، كان آخرها في يناير العام الماضي، بالقصر الملكي في مراكش (جنوب).
وأقرت الحكومة في وقت سابق برنامجا وطنيا للتزود بالمياه لأغراض الشرب والري للفترة الممتدة من 2020 إلى 2027، باستثمارات تبلغ حوالي 12 مليار دولار.
وتقول السلطات إن نسبة الأسر التي تملك ربطا بالشبكة المائية لا تتعدى 65 في المئة.
ومطلع نوفمبر الماضي، قال وزير التجهيز والماء نزار بركة، إن المغرب من الدول التي تتسم بمحدودية الموارد المائية وهشاشتها، بسبب مناخه الجاف وشبه الجاف، مع تباين كبير في نسب الأمطار في المكان والزمان.
ويصل تزويد السكان بالماء الصالح للشرب إلى 100 في المئة داخل المدن، و94 في المئة في الأرياف.
ويقول خبراء إن التوجه الذي سارت عليه السلطات في إطار “مخطط المغرب الأخضر” وهو برنامج لتطوير القطاع الزراعي أطلقته وزارة الفلاحة في أبريل 2008، استنزف الموارد المائية.
وما عقد مشكلة ندرة المياه في البلد، تشجيع الزراعات التي تستهلك الماء بشكل كبير، خصوصا البطيخ الأحمر، إذ انتقلت المساحة المزروعة من ألفي هكتار عام 2008 إلى 10 آلاف هكتار حاليا.
ويبلغ معدل المياه الجوفية سنويا 4 مليارات متر مكعب، ولكن يتم استهلاك نحو 5 مليارات متر مكعب، وهو ما يهدد بمشكلة مستقبلا إذا بقي الأمر على هذه الحال، بفعل استنزاف الآبار.
ولفت تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 2014، إلى المخاطر التي تهدد جودة واستمرارية الموارد المائية بسبب النشاطات البشرية، إذ بلغت مستويات مقلقة، مثل الاستخراج المفرط والتلوث.
وقال التقرير إنه يتم استخراج أكثر من 900 مليون متر مكعب سنويا من المخزونات غير القابلة للتجدّد في الفرش المائية بالبلاد.
والفرش المائية (مياه جوفية) مياه توجد في خزانات تحت الأرض تتكون من التساقطات المطرية، ويتم استعمالها انطلاقا من الآبار في الري والزراعة.
ويعزو المغرب ندرة المياه إلى تراجع الأمطار خلال السنوات الماضية، إذ بلغ العجز السنوي مليار متر مكعب.
ودقت بعض المؤشرات ناقوس الخطر، مثل نهر ملوية، أحد أكبر أنهار البلاد، والذي بات عاجزا عن الوصول إلى مصبه للمرة الأولى في تاريخه بسبب الجفاف الشديد وكثرة الاستهلاك.
وللتصدي لهذه المشكلات، يعتمد المغرب في سياسته المائية منذ سبعينات القرن الماضي، على إنشاء السدود، لضمان تزويد السكان وتلبية الحاجات الفلاحية.
ويوجد في المملكة 149 سدا كبيرا يمكنها الوصول إلى 19 مليون متر مكعب من الماء.
وبحسب تقرير موازنة وزارة التجهيز والماء للعام القادم، بلغ حجم المياه المخزنة في السدود حتى الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي 5.8 مليار متر مكعب، أي ما يعادل 36.1 في المئة كنسبة ملء إجمالي صافي، مقابل 36.5 في المئة في اليوم ذاته من العام الماضي.
وخلال العام الجاري، أنهى المغرب أشغال بناء أربعة سدود كبرى، بكلفة إجمالية بلغت 344 مليون دولار.
ما عقد مشكلة ندرة المياه في البلد، تشجيع الزراعات التي تستهلك الماء بشكل كبير، خصوصا البطيخ الأحمر
وسيواصل تشييد 15 سدا كبيرا في العام المقبل، بكلفة تصل إلى 2.07 مليار دولار، بسعة تخزين تبلغ نحو 5 مليارات متر مكعب.
وبموازاة سياسة السدود، توجه المغرب في السنوات الأخيرة بقوة إلى البحر لتعزيز إمداداته المائية، خصوصا بعد اندلاع احتجاجات في مناطق تشهد نقصا حادا في المياه.
وفي أكتوبر 2017، شهدت مدينة زاكورة (جنوب شرق) احتجاجات للمطالبة بتزويد السكان بماء الشرب.
وإثر ذلك، أمر العاهل المغربي بتشكيل لجنة يترأسها رئيس الحكومة آنذاك سعدالدين العثماني، لإيجاد حل لمشكلة ندرة الماء في عدد من مناطق البلد، وخصوصا في إقليم زاكورة.
وتعتمد المملكة على مشاريع تحلية المياه كأحد الحلول الناجعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتضم المملكة تسع محطات تحلية لمياه البحر تنتج 147 مليون متر مكعب في السنة، والآلاف من الآبار الجوفية، ما يضمن توفير مياه الشرب للمواطنين، وتلبية حاجات الفلاحة والسقي والصناعة والطاقة.
وفي نوفمبر الماضي، أعلنت الرباط الشروع مطلع العام القادم، في استغلال محطة لتحلية المياه بمحافظة اشتوكة آيت باها (وسط غرب)، وهي إحدى أكبر محطات تحلية مياه البحر في منطقة المتوسط وأفريقيا.
وتبلغ سعة محطة التحلية في المحافظة، في مرحلة أولى 275 ألف متر مكعب في اليوم، منها 150 ألفا موجهة للمياه الصالحة للشرب، ويمكن لمليون و600 ألف نسمة الحصول عليها في جهة أكادير.
وأنشأ المغرب أول محطة لتحلية مياه البحر عام 1976 بطرفاية (جنوب) بطاقة إنتاجية 70 مترا مكعبا في اليوم، أتبعها بمحطات في مدن أخرى بينها بوجدور وأكادير. كما شرع البلد في تشييد أكبر محطة لتحلية مياه البحر في القارة الأفريقية بمدينة الدار البيضاء، وتشير معطيات رسمية إلى أن سعتها ستبلغ 300 مليون متر مكعب، بكلفة إجمالية قدرها مليار ومئة ألف دولار.
العرب