العناد في الحرب والعزلة لعبة حماس في غزة

العناد في الحرب والعزلة لعبة حماس في غزة

تتعاطى الحكومة الإسرائيلية بمرونة كبيرة مع حركة حماس، تجنبا لنشوب حرب جديدة لا يرغب فيها أي منهما، لكنها بتغاضيها عن المراقبة المشددة لحركة المعابر ورضوخها لضغوط حماس مقابل استمرار الهدوء، تمنح الحركة فرصا لتعزيز نفوذها عبر جمع الملايين من الدولارات من الضرائب غير المصرح بها، والتي تضاف إلى تبرعات ومساعدات أممية ودولية تسهم في جعلها أكثر صمودا.

رفح (قطاع غزة) – تعبر المئات من الشاحنات المحملة بالوقود والإسمنت وغيرها من البضائع كل شهر المنطقة بين مصر وقطاع غزة، وتصبح حماس أقوى بسببها.

وتفيد التقديرات بأن حماس تجمع عشرات الملايين من الدولارات شهريا متأتية من الضرائب والجمارك عند معبر رفح الحدودي. وتساعد هذه الأموال في إدارة حكومة وجناح مسلح قوي، بينما تغطي المساعدات الدولية معظم الاحتياجات الأساسية لسكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة.

ويرجح الصحافيان جوزيف كروس وفارس أكرم في تقرير أعداه لوكالة أسوشيتد برس أن يكون حدوث ذلك مفاجأة في ظل الرضوخ الهادئ لإسرائيل، التي تعتبر حماس جماعة إرهابية، إذ تقول إسرائيل إنها تعمل مع مصر للإشراف على رفح مقابل الهدوء.

وقال محمد أبوجياب الخبير الاقتصادي ورئيس تحرير صحيفة “الاقتصادية” الأسبوعية الصادرة في قطاع غزة، لوكالة أسوشيتد برس، إن فتح المعبر “كان مصلحة مشتركة لجميع الأطراف لضمان شريان حياة لحماس يمكنه من الحفاظ على الهدوء في غزة ومنع حدوث انفجار”.

ولكن هناك المزيد. حيث أصبحت حماس أكثر صمودا بعد أن نجت من أربع حروب وحصار استمر قرابة خمسة عشر عاما، واضطرت إسرائيل لقبول أن عدوها اللدود موجود ليبقى. كما قبلت إلى حد كبير حكم حماس في غزة لأن الغزو المطول يُنظر إليه على أنه مكلف للغاية.

وفي نفس الوقت، تزوّد حماس القادة الإسرائيليين بتخويف مناسب: كيف يمكن السماح للفلسطينيين بإقامة دولة إذا كانوا منقسمين بين حكومتين، إحداهما تعارض بشدة وجود إسرائيل ذاته؟

وساعد استعداد حماس لاستخدام العنف، في شكل صواريخ أو احتجاجات على طول الحدود أو بالونات حارقة، على انتزاع تنازلات من إسرائيل.

وقال عمر شعبان، المحلل السياسي المقيم في غزة “تمسكت حماس بموقفها وقدمت الحكومة الإسرائيلية الكثير من التنازلات. حيث كانت حماس عنيدة بعد الحرب في مايو”.

بعد أن استولت حماس على السلطة في 2007، فرضت إسرائيل ومصر حصارا عقابيا. ونشأ اقتصاد ضخم قائم على أنفاق التهريب في رفح ومحيطها. وفرضت حماس ضرائب على البضائع التي تدخلها.

وأمر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتدمير الأنفاق بعد أن أطاح عام 2013 بحكومة إسلامية كانت متعاطفة مع حماس. لكن مصر وافقت على مطالب حماس بفتح معبر تجاري فوق الأرض بعد أربع سنوات وحرب أخرى في غزة بعد ذلك.

مخيمر أبوسعدة: المرونة جزء من استراتيجية التعامل بين حماس وإسرائيل
وتخضع الواردات عبر المعبر التجاري الوحيد العامل الوحيد في غزة (مع إسرائيل) بالفعل لضرائب السلطات الإسرائيلية، التي تنقل بعض الإيرادات إلى السلطة الفلسطينية. لذلك، لا تستطيع حماس سوى فرض رسوم جمركية صغيرة دون تضخم الأسعار بشكل ملحوظ. فرفح تابعة لحماس.

ولا تنشر حماس أرقاما عن الإيرادات أو النفقات العامة، لكن منظمة مسلك الحقوقية الإسرائيلية التي تراقب عن كثب عمليات الإغلاق في غزة، تقول إن حوالي ألفي شاحنة من الإسمنت والوقود والسلع الأخرى دخلت عبر رفح في سبتمبر الماضي، وهو ما يقرب من ضعف المتوسط ​​الشهري في 2019 و2020.

ويقول رامي أبوالريش المدير الإداري للمعابر في وزارة الاقتصاد التي تديرها حماس الذي كان يشرف على تحصيل الضرائب من الأنفاق، إن السلطات لا تجني أكثر من مليون دولار شهريا من المعبر الإسرائيلي وما يصل إلى 6 ملايين دولار من رفح.

لكن وزارة المالية التابعة للسلطة الفلسطينية تقدر أن حماس تجني ما يصل إلى 30 مليون دولار شهريا، بشكل أساسي من الضرائب على الوقود والتبغ التي تأتي عبر رفح، وفقا لمسؤول تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة الأرقام الداخلية.

وقال مستورد سجائر في غزة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من تعريض التجارة للخطر، إن مجموعة صغيرة من التجار تستورد ما بين 9 آلاف و15 ألف صندوق سيجارة عبر رفح كل شهر، وتتقاضى حماس ما بين ألف إلى ألفي دولار لكل صندوق. وسيجلب هذا وحده 18 مليون دولار في المتوسط.

ويقدر أبوجياب الخبير الاقتصادي في غزة، أن حماس تحقق ما يصل إلى 27 مليون دولار شهريا. هذا بالإضافة إلى الضرائب والجمارك المدفوعة على الإسمنت والوقود.

ترفض إسرائيل التحدث مع حماس، لكنها تفاوضت على مدى العقد الماضي على سلسلة من وقف إطلاق النار غير الرسمي من خلال وسطاء مصريين وقطريين ومن الأمم المتحدة، خففت بموجبه الحصار مقابل الهدوء.

وكان نفتالي بينيت منتقدا صريحا لسياسة الحكومة السابقة بالسماح لقطر بإرسال حقائب نقود إلى غزة عبر معبر إسرائيلي. لكن في غضون أشهر من توليه رئاسة الوزراء، استؤنفت المدفوعات للأسر المحتاجة من خلال نظام القسائم الذي تديره الأمم المتحدة، واستأنفت قطر مساهمتها في رواتب الحكومة التي تديرها حماس على شكل وقود.

وتنفي إسرائيل استسلامها لمطالب حماس. وتقول الحكومة الجديدة إنها عدلت سياساتها لمحاولة ضمان تجاوز المساعدات الإنسانية لحركة حماس أثناء الرد عسكريا حتى على الهجمات الصغيرة.

ويتم استيراد جميع مواد البناء (بما في ذلك تلك التي يتم جلبها عبر رفح) من خلال نظام مراقبة أنشئ مع الأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية بعد حرب 2014. وتقول إسرائيل إنها تمنع جميع مشاريع البناء الكبيرة والجديدة إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق لإعادة اثنين من الأسرى ورفات جنديين إسرائيليين تحتجزهما حماس منذ 2014.

استعداد حماس لاستخدام العنف في شكل صواريخ أو احتجاجات أو بالونات حارقة ساعد على انتزاع تنازلات من إسرائيل

وقال أبوالريش إن القيود المفروضة على ما يسمى بالمواد ذات الاستخدام المزدوج، التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية موجودة على المعابر الإسرائيلية والمصرية.

وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الإسرائيلية إن الهدف يكمن في زيادة المساعدة الإنسانية إلى الحد الأقصى مع تقليل مخاطر أن تعود بالنفع على حماس. واكتفى المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بما يتماشى مع اللوائح، بالقول إن إسرائيل على علم بواردات رفح، وتعتمد على مصر لضمان تطبيق نفس القيود هناك كما هو الحال عند المعبر الإسرائيلي.

حتى في الوقت الذي تدير فيه حماس عائدات لحكومتها من المعابر والضرائب على الشركات، فإن المجتمع الدولي يدعم سكان غزة.

وأنفقت وكالات الأمم المتحدة أكثر من 4.5 مليار دولار في غزة منذ 2014، بما في ذلك 600 مليون دولار في 2020 وحده. ويذهب معظم هذا التمويل من خلال وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، التي تقدم مساعدات غذائية وخدمات صحية وتدير مدارس لحوالي 280 ألف طفل.

وأرسلت دولة قطر الخليجية الثرية 1.3 مليار دولار إلى غزة منذ 2012 لتمويل إعادة الإعمار والخدمات الصحية، بما في ذلك 500 مليون دولار تعهدت بها بعد حرب مايو الماضي.

بناء على ذلك، لن تذهب حماس إلى أي مكان وإسرائيل تعرف ذلك. وقال مخيمر أبوسعدة أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة “إنهم يواجهون عددا من المشكلات هنا. لكن المرونة جزء من استراتيجيتهم. لن يستسلموا”.

العرب