للحد من خطرها الاستراتيجي … اسرائيل تواجه إيران في سوريا

للحد من خطرها الاستراتيجي … اسرائيل تواجه إيران في سوريا

 

تصب العديد من التحركات الإسرائيلية، منذ إعلان حكومة نفتالي بينيت في يونيو ٢٠٢١، في صالح تهميش القضية الفلسطينية، وتعظيم الصراع مع إيران، وتقديم الجبهة الشمالية، ممثلة في سوريا ولبنان، بوصفها الهاجس الأمني الرئيسي لإسرائيل التي تُعمِّق علاقاتها مع الجوار العربي ولا ترغب في تحديد موقعها من مدخل القضية الفلسطينية. وشملت الخطوات الإسرائيلية لتأسيس تلك الرؤية التعامل مع سوريا بوصفها ساحة مواجهة للتهديدات الإيرانية بشكل استباقي عبر الاستهداف المتكرر للأراضي السورية بذريعة وجود أسلحة أو قوات تابعة لكل من إيران أو حزب الله، والتركيز على الوجود الإيراني في سوريا بوصفه محور النقاش في الاجتماع الأول الذي عُقد بين بينيت والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي في ٢٢أكتوبر الفائت. ومثّل الإعلان عن استهداف صواريخ إسرائيلية لمبنى غير مأهول في دمشق، في ١٧ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، القصف الرابع الذي تتعرض له سوريا منذ سوتشي بكل ما صاحبه من حديث عن ضوء أخضر روسي وتصعيد إسرائيلي. ورغم تزايد التحركات الإسرائيلية في سوريا منذ تولي بينيت، إلا أن وتيرة العمليات تثير الكثير من التساؤلات حول تفاصيل المشهد على الجبهة السورية.

كما تشنّ إسرائيل عبر ضرباتها العسكرية التي تستهدف حاويات ومخازن للأسلحة الإيرانية الموجودة على الأراضي السورية، التي كان آخرها هجوما استهدف ميناء اللاذقية، حربا ضدّ إيران تهدف من خلالها إلى استنزاف النفوذ الإيراني في المنطقة والتصدي لمحاولات طهران تشكيل جبهة عسكرية مشتركة تجمع بين الميليشيات الموالية لها في كل من سوريا ولبنان والعراق.

وأكدت إسرائيل، بالضربات التي وجهتها إلى ميناء اللاذقية السوري، أنها في مواجهة الوجود الإيراني ليست لديها أي خطوط حمراء.وكانت الغارات الجوية الإسرائيلية التي قالت السلطات السورية إنها استهدفت ساحة الحاويات في الميناء وألحقت أضرارا مادية بالغة، في الواقع ضربة لموقع تستخدمه القوات الإيرانية في الإشراف على بعض العمليات في الميناء، ولتخزين أسلحة ومعدات متطورة، تحملها سفن شحن تابعة لإيران.

وهذا هو الهجوم الإسرائيلي الحادي عشر من نوعه خلال شهر ونصف الشهر، ولكنه الثاني الذي يستهدف ميناء اللاذقية، وأسفر عن مقتل مسلحين مواليين للنظام السوري. وكانت إسرائيل استهدفت الميناء للمرة الأولى في السابع من ديسمبر الحالي.

ويقع الميناء على البحر المتوسط هو ميناء سوريا الرئيسي بطاقة استيعاب مقدرة بحوالي 620 ألف حاوية وهو أحد أهم الفروع الرئيسية للحياة الاقتصادية في اللاذقية. ويتم عن طريقه استيراد وتصدير معظم حاجات البلاد غير النفطية، حيث تتدفق من خلاله المواد الغذائية والإمدادات الضرورية الأخرى إلى سوريا وهو قريب من قاعدة حميميم الجوية الروسية.

وتسعى إيران للسيطرة الكاملة على ميناء اللاذقية بغية تأمين طريق تجاري من طهران إلى البحر المتوسط، وهو ما سيمثل الرابط المتوسطي على طريق تجاري انطلاقا من إيران مرورا بالعراق وسوريا.

ويجمع محللون وباحثون إسرائيليون على أن إيران تشكل التهديد الإستراتيجي الأكبر للأمن القومي الإسرائيلي، وذلك من خلال تصاعد خطر تموضعها العسكري ومحاولات تأسيس مليشيات وقوات في سوريا، على غرار حزب الله في لبنان.

ووفقا لمراكز الأبحاث الإسرائيلية وتقديرات إستراتيجية، فإن تل أبيب تنظر ببالغ الخطورة لتعاظم قوة طهران وقدرتها على مهاجمة إسرائيل بطائرات مسيّرة مفخخة وصواريخ بعيدة المدى من العراق واليمن وغزة، وكذلك من سوريا.

ولا تتوقف الهواجس الإسرائيلية عند الأسلحة التقليدية والمسيّرات المفخخة ومنصات الصواريخ الإيرانية في سوريا، بل اخترقت المخاوف الفضاء الرقمي والعالم الافتراضي، حيث ترى تل أبيب -في حرب السايبر (الاختراقات الإليكترونية) التي تشنها مجموعات قراصنة إيرانية ضد أهداف مدنية وعسكرية اسرائيلية- خطرا يتهدد أمنها القومي، إلى جانب المشروع النووي الإيراني الذي تعتبره إسرائيل تهديدا وجوديا.

ويقول مراقبون إن إسرائيل تشن حرب استنزاف ضد إيران في سوريا، لمنعها من تشكيل قوة قتالية تشكل تحديا حقيقيا لها على جبهة الجولان، وتضعف قدرة إيران على بناء جبهة عسكرية مشتركة تجمع بين سوريا ولبنان والعراق.وبعدما ترافقت الضربات الإسرائيلية مع إعلان الحكومة الإسرائيلية على توسيع عمليات الاستيطان في الجولان، فقد أوصلت هذه الضربات رسالة لدمشق وطهران مفادها أن الجولان بات خطا أحمر بالنسبة إلى إسرائيل، وأن أي محاولات لتشكيل قوة تهديد سوف يتم ضربها.

وبعدما ترافقت الضربات الإسرائيلية مع إعلان الحكومة الإسرائيلية على توسيع عمليات الاستيطان في الجولان، فقد أوصلت هذه الضربات رسالة لدمشق وطهران مفادها أن الجولان بات خطا أحمر بالنسبة إلى إسرائيل، وأن أي محاولات لتشكيل قوة تهديد سوف يتم ضربها.

ومنذ بدء العام، أحصى المرصد السوري تنفيذ إسرائيل قرابة ثلاثين استهدافا في سوريا، عبر ضربات جوية أو صاروخية، تسبّبت بمقتل 130 شخصا، من بينهم 125 عنصرا من قوات النظام والمسلحين الموالين له ولحزب الله اللبناني والقوات الإيرانية والمجموعات الموالية لها.

وتستفيد إسرائيل في عملياتها لاستنزاف الوجود الإيراني من شبكة معلومات استخباراتية تكاد تغطي كل أرجاء سوريا وتكفل مراقبة تحركات القوات الإيرانية والمجموعات المسلحة التابعة لها من جميع المناطق. وهو ما يضعف قدرة إيران على توفير الحماية لهذه المجموعات.

ويلاحظ المراقبون أنه بالرغم من الردود الرسمية السورية والإيرانية والتهديدات بالرد في الوقت والزمان المناسبين، لم تشكل عملا عسكريا قريبا من خطوط الجولان. وهو ما يؤكد أن دمشق وطهران تعرفان الخط الأحمر وتحترمانه من الناحية الواقعية.

يساهم تكثيف العمليات في تحقيق عدد من الأهداف التي ترتبط بالتطورات الإقليمية والرؤية الإسرائيلية للصراعات الإقليمية في اللحظة والمستقبل. فمن جانب، ترغب إسرائيل في التأثير على جهود  مفاوضات فيينا وترسيخ الرؤية القائلة بخطورة إيران وتأثيرها السلبي على التطورات السورية والإقليمية. ومن جانب آخر، تساهم تلك التحركات في رسم عالم تتحرك فيه إسرائيل بوصفها شريكاً في الإقليم، تواجه الخطر الإيراني، وتعمل على حماية أمنها عبر التحركات الاستباقية، وتعيد رسم خريطة التهديدات والمصالح حيث تمثل القضية الفلسطينية جزءاً هامشياً من القصة، وتوفر الترتيبات في سوريا فرصة من أجل إعادة تموضع إسرائيل ذاتها، وليس إيران فقط، في الإقليم الذي يفترض أن يتشكل مع دخول سوريا في مرحلة الإعمار وما تتطلبه من خطوات تشمل التحرك على ساحة العلاقات مع إسرائيل والإقليم والعالم.

وحدة الدراسات الايرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية