حالة من الاحتفاء والاحتفال والتهليل الهستيري والمبالغ فيه من الأقلام الموالية للنظام المصري بسبب الضربات الروسية ومساندة بشار الأسد. يحاول بعضهم التخفّي خلف شعار “عدو عدوي صديقي”، لكن الملاحظ، أيضاً، أنه ليس أنصار النظام فقط من يهللون، بل هناك أقلامٌ كثيرة تنتمي للتيار الناصري، أو القومية العربية، تحت شعار أو حجة دعم محور المقاومة والممانعة.
لا بد أن يكون هذا التهليل الهستيري، بالطبع، مخلوطا بتوابل وأساطير وخزعبلات ما يطلق عليه الجيل الرابع والجيل الخامس، وكل القصص الوهمية ونظريات المؤامرة التي يروجها من يطلق عليهم خبراء استراتيجيون أو عسكريون.
يدافعون ويهللون بهستيريا للغزو الروسي، ولدعم بشار الأسد، وكأن روسيا دولة عربية، تنتمي للقومية العربية، أو كأن روسيا دولة ملائكية ليس لها مصالح.
نعم للولايات المتحدة دائما أطماع في المنطقة، وهي الداعم الأكبر لإسرائيل، ولا تتحرك إلا طبقا للمصالح الإمبريالية، لكن روسيا ليست جمعية خيرية، وليست الناصر للقومية العربية. لها، أيضاً، مصالح وأطماع، وما دعمها السفاح بشار الأسد، بعد كل هذا القتل والجرائم، إلا لدعم المصالح الاستعمارية الروسية، كما أن موقف روسيا من إسرائيل لا يختلف كثيراً عن الموقف الأميركي، فالاتحاد السوفييتي كان أول دولة اعترفت ورحبت بإنشاء إسرائيل قبل الجميع، بالإضافة إلى العلاقات السوفييتية، ثم الروسية، مع إسرائيل، والتعاون الدائم في كل المجالات حتى اليوم. ولذلك، لا يمكن اعتبار روسيا أحد أضلاع ما يطلق عليه محور المقاومة الذي تدعمه إيران.
وإذا كانت للولايات المتحدة أطماع استعمارية في المنطقة، وهذا حقيقي، فإن لروسيا وإيران أطماع استعمارية ومصالح كثيرة، فإيران التي يؤيدها ويهلل لها القوميون العرب الجدد لا تنتمي للقومية العربية، بل هناك عداء تاريخي ومعلن منها تجاه القومية العربية، فإيران تسعى إلى إعادة إنشاء الإمبراطورية الفارسية، وهذا ليس سراً، فهناك عشرات من التصريحات العلنية للمسؤولين الإيرانيين التي تتحدث عن المشروع الإيراني والأذرع الإيرانية، وامتداد إيران في العراق وسورية ولبنان واليمن، إنها القومية الفارسية، وليست العروبة ولا القومية العربية.
أصبح منتسبون للقومية العربية يهللون لأي دكتاتور أو دكتاتورية، لم يلفت نظرهم أو يؤثر فيهم إلا ما هو أسوأ ما في التجربة الناصرية، لا يعجبهم إلا ما أدى إلى انهيار حلم القومية، بسبب الدكتاتورية والاستبداد وغياب الحريات وغياب الشفافية والمحاسبة وتأجيل الديمقراطية. ولكن، لا يعنيهم كل ما سبق.
أيدوا صدام حسين وناصروه، وهو الذي قمع شعبه وقتله باسم القومية العربية، اضطهد الشيعة
والأكراد باسم القومية العربية، حارب إيران باسم القومية العربية، ثم غزا الكويت بدعوى القومية العربية وتحرير القدس. ناصروا معمر القذافي المجنون الذي أدخل ليبيا في مغامرات عديدة حمقاء باسم القومية. وها هم يناصرون بشار الأسد الذي لم يجرؤ على إطلاق رصاصة واحدة ضد إسرائيل، على الرغم من جعجعة المقاومة. وها هم يناصرون تدخل الإمبراطوريتين، الفارسية والروسية في سورية، تحت شعارات القومية والمقاومة.
نعم أميركا دولة استعمارية تتدخل في شؤون الدول الأخرى، من دون وجه حق، وتحارب بالوكالة. ولكن، ماذا عن التدخل الاستعماري الإيراني والروسي؟
صحيح أن أميركا وتركيا دعمت مجموعات سورية، انضمت إلى جبهة النصرة، بعد التدريب والإمداد بالأسلحة. ولكن، ماذا عن السعودية والإمارات والأردن وباقي ممولي عبد الفتاح السيسي الذين دعموا جبهة النصرة وداعش صراحة، في بداية الصراع، حتى فترة قريبة؟
صحيح أن أميركا أسهمت في صنع تنظيم القاعدة في أفغانستان في سبعينيات القرن الماضي، إلى أن خرج من القمقم، وهاجم أميركا في عقر دارها، وهاجم دولاً عربية عديدة، حتى تفرّع منه داعش حاليا الذي يعتبر، بالأساس، انشقاقا عن تنظيم القاعدة. ولكن، ماذا عن أنور السادات “الرئيس المؤمن” الذي استعان بالإسلاميين ضد معارضيه؟ وماذا عن تسهيل أجهزة الأمن المصرية وقتها سفر الجهاديين إلى أفغانستان؟ وماذا عن روسيا نفسها التي احتلت أفغانستان؟ وماذا عن دور العرب جميعا وقتها؟
هل هو تهليل لعدو العدو؟ أم تهليل لمستعمر جديد؟ أم تهليل للعطايا الروسية التي قد تأتي لأنصار روسيا على غرار دعم السوفييت قديماً أنصارهم حول العالم؟ أم هو تهليل لأي سلطوية أو دكتاتورية وأنظمة استبدادية؟.. فالروس والفرس ليسوا عرباً.
أحمد ماهر
صحيفة العربي الجديد