الباحثة شذى خليل*
ميناء الفاو الكبير:
خططت الدولة العراقية قبل الاستقلال عام 1932 أن يكون لها منفذاً كفؤا على البحر عبر الخليج العربي، فكانت البصرة – الفيحاء المدينة التي بناها الخليفة عمر بن الخطاب العام 14 للهجرة، لتكون بوابة العرب والعراق على مياه البحر، حتى أن زعيم ومؤسس الدولة العراقية الحقيقي نوري سعيد باشا الذي استوزر 14 مرة كان يعلن “أن لا قيمة للحديث عن أمن عراقي من دون تحقيق اثنين، منفذ كفوء على البحر، وتأمين تدفق مياه نهري دجلة والفرات”، كما ورد في محاضراته في المدرسة الحربية العراقية ببغداد.
ان تكلفة الميناء حوالي مليارات الدولارات لكي يتم إنجازه، وان الأهمية الاقتصادية لبناء ميناء الفاو الكبير تكم بأنه سيكون مصدرا يرفد العراق بالثروة والعملات الصعبة ويجعل العراق مركزا تجاريا مرموقا بين دول العالم وطريقا مختصرا يربط الشرق بالغرب، ويعيد إحياء مشروع طريق الحرير القديم، حيث تفرغ البضائع القادمة من دول العالم الشرقي في ميناء الفاو، ويربط الفاو محافظة البصرة بالموانئ التركية والسورية، ومنها إلى العالم الغربي بطريق البواخر. فيكون العراق هو أقصر الطرق التي تربط الشرق بالغرب.
ماذا لو اكتمل مشروع الفاو الكبير الأهمية الاستراتيجية؟
يعد الميناء من المشاريع الدولية الاستراتيجية، حيث يربط الشرق بأوروبا من خلال ميناء الفاو، وعبر طريق سككي بين العراق وتركيا وسوريا، وصولاً إلى أوروبا ومرور طريق الحرير البري من الصين عبر العراق بربط سككي سريع يقطع حوالى ألفين كيلومتر بشبكة سكك قطار سريعة تؤمن وصول البضائع والسلع من موانئ بحر العرب والخليج نحو الأرض اليابسة في البصرة وصولاً لتركيا وأوروبا، هذا الطريق الحلم الذي يذّكرنا بـ”قطار الشرق السريع بغداد – برلين”، الذي شرع هتلر حينها بدك سكته المترية، التي أبدلها الإنجليز بسكة أوسع مترين فيما بعد، وظل حلم هذا الربط الذي يختزل الزمن والمسافات والكلفة ويغير الاستراتيجيات، نحو عالم جديد يقوم على ردم فجوات الجغرافيا.
إيران والمحادثات مع الجانب العراقي حول ربط الشلامجة الإيرانية بمدينة البصرة العراقية
تحاول إيران منذ زمن طويل إقناع العراق بالموافقة على ربطه بها بواسطة خط للسكك الحديدية لنقل البضائع الإيرانية عبر العراق الى موانئ سوريا ولبنان. وكانت الحكومات السابقة ترفض هذا الطلب، لكثير من الأسباب منها عدم الاستقرار السياسي والقرار الاقتصادي والكثير من المشاكل الداخلية ونقص الدراسات حول الأهمية الاقتصادية .
ومن خلال المحادثات والمفاوضات التي تمت بين الطريفين في أواخر شهر ديسمبر 2021 كانت الأهداف اقتصادية بحتة :
حيث سيقدم الطرفان ( الجانب العراقي والإيراني ) الدراسات اللازمة لاقامة الجسر ، على جانبي النهر ويلزم الجانب الإيراني بدفع المستحقات للأشخاص للتجاوزات على ملكيات الأراضي ، مناجل رفع التجاوزات .
تعهد الجانب الإيراني للجانب العراقي تنفيذ عملية الاستقرار في الاحداثيات المتفق عليها ( هذا وفق للمحادثات المشتركة بين الجانبين الإيراني والعراقي ، فيما يخص حدود الشلامجة .
من الجانب العراقي تعهد على توفير المتطلبات الضرورية لبدأ المشروع في حال اصبح الاتفاق جاهز بين الطرفين ، على تجهيز مناطق سكة حديد ، وطرق ومحطات ذات الصلة ، ورش عمل ، ماء ، كهرباء … و التنسيق بين الطرفين مع الجهات الحكومية في عملية منح تأشيرات الدخول وتنظيمها وفقا للقانون والأنظمة المتبعة .
والاهم من ذلك هو تمكن سكة الحديد للجانب الإيراني من البدا بتنظيف الأراضي المحرمة ( الالغام ) وتبلغ حوالي 16 كم مباشرا بعد توقيع الاتفاقية وتعاد الى الجانب العراقي خلال 6 اشهر لغرض اكمال المشروع في مد سكة الحديد بصرة شلامجة .
وهنا سؤال يطرح نفسة هل ستلتزم ايران بما اعلن في المحادثات الأولية ،لبناء المشروع وضمان الفائدة للجانبين او ننتظر مستجدات تغير من مسار تلك المفاوضات
هناك مخاوف من المشروع :
أكد وزير النقل الأسبق عامر عبد الجبار إسماعيل، وهو مهندس بحري متخصص، أن هذه الاتفاقية للربط السككي مع إيران تقتل ميناء الفاو الكبير، وتدمر اقتصاد العراق، لأن المستفيد منه هي إيران فقط، بينما سيكون العراق المتضرر الأكبر لأن هذا الربط سيوقف العمل بميناء الفاو، وقد صرف العراق عليه مليارات الدولارات، وهو أمل العراق بالانتعاش الاقتصادي، وان هذه الاتفاقية هي وصمة عار على كل سياسي عراقي وافق وشجع على تنفيذ هذا المشروع المشبوه، وهذه الاتفاقيات لا تأتي من خلال استراتيجية عراقية، وإنما من خلال تنفيذ المصالح الإيرانية على حساب المصالح العراقية.
هناك بعض شخصيات سياسية وأكاديمية متخصصة ترفض مشروع ربط العراق بإيران عبر خط سكك حديدية، حيث تعتبر الربط السككي مع إيران سيلحق الضرر بالموانئ العراقية من خلال حرمانها من أجور وعوائد السفن والوكالات والخدمات البحرية، لذلك فإن الهدف من الربط واضح وهو نقل البضائع، وهذا يعني أن العراق سوف يخسر كثيراً في المستقبل.
خبراء النقل التجاري يؤكدون أهمية انجاز ميناء الفاو الكبير، وأن العراق هو الأهم في الشرق الأوسط، وهو أسهل وأقصر طريق للوصول إلى أوروبا، إذا كان الطريق قادمًا من الصين وموانئها مروراً بميناء الفاو، وبهذه الحالة يعتبر أي ربط سككي مع العراق تأخيراً وتعطيلاً لمشروع ميناء الفاو الكبير.
ويؤكد الباحثون بالشأن العراقي أن على الحكومة العراقية اشتراط التفاوض مع إيران على منحها الربط السككي بأن تعيد منطقة شط العرب للعراق، كما كان الحال قبل اتفاقية 1975، وفتح منافذ المياه التي أغلقتها إيران في الفترة الأخيرة على الأنهر العراقية، ويقع ميناء الفاو الكبير في منطقة رأس البيشة في شبه جزيرة الفاو في محافظة البصرة جنوبي العراق، وتبلغ تكلفة المشروع حوالي 4.6 مليارات يورو، وتقدر طاقة الميناء المخطط إنشاؤه بـ99 مليون طن سنويًا.
ختاما الأشهر القادمة سيتوضح لنا مسار تلك المفاوضات ونامل من الجانب العراقي تقديم دراسات علمية من متخصصين لتوضيح تفاصيل اكبر مثل دراسات جدوى ،اقتصادي من تكاليف، وعمر المشروع ، وربطها بالموازنة العامة للدولة قبل توقيع عقود استثمارية بهذا الحجم ، والاهمية على المدى القصير والبعيد لضمان حق العراق أولاً وقطع الطريق باستغلال العراق؟
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية