أزمة كازاخستان: صدام بين العالمين الروسي والتركي

أزمة كازاخستان: صدام بين العالمين الروسي والتركي

نجح تدخل قوة عسكرية تقودها روسيا في وقت سابق من هذا الشهر في كازاخستان لإعادة ضبط الأمور هناك في تحقيق أهداف أبعد من مجرد مساعدة الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف في استعادة السيطرة على السلطة وتعزيزها بعد إخماد الاحتجاجات.

وسلط هذا التدخل الضوء على التنافس حول النفوذ في أوراسيا بين روسيا وتركيا على دول تحدد حدودها الحضارة واللغة بدلا من الحدود المعترف بها دوليا لأي دولة قومية.

ويلقي هذا التنافس بظلاله على الصين كذلك، حيث تقع مقاطعة شينجيانغ المضطربة في الشمال الغربي على الحدود مع كازاخستان.

وعلى الرغم من عدم دمجها في منظمة الدول التركية التي تقودها تركيا، إلا أن مجموعة أوراسيا التي تضم أيضا كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وأذربيجان أشارت مؤخرا إلى تقاربها مع المسلمين الأتراك في الصين.

جيمس دورسي: بوتين وأردوغان يسعيان لإعادة التوافق مع قانون الغاب

وأثارت حملة القمع الصينية على التعبيرات الدينية والعرقية لأقلية الأويغور معارضة عامة في كازاخستان وتركيا، وأجبرت الحكومتين على إجراء توازن دقيق نظرا إلى عدم النجاح دائما في تجنب غضب الصين.

وفي مواجهة التصورات القائلة بأن التدخل الذي تقوده روسيا في كازاخستان عزز أولوية موسكو الأمنية في آسيا الوسطى وأضعف التطلعات التركية، فقد رأى الباحث الروسي ديمتري ترينين أن ما حدث مع توكاييف كان أفضل الخيارات السيئة للرئيس فلاديمير بوتين.

وقال ترينين إنه “من أجل الحفاظ على علاقات مستقرة مع حليف وشريك وجار مهم، غالبا ما تغض روسيا الرسمية الطرف عن صعود القومية العرقية الكازاخستانية والتقارير عن التمييز الفعلي ضد الروس العرقيين في البلاد. وليس توكاييف عميلا لموسكو بأي حال من الأحوال، ومع ذلك فإن السماح بالإطاحة به من شأنه أن يسمح حسب موسكو للقوى القومية المتطرفة بالصعود إلى الواجهة”.

وتسعى كازاخستان ودول آسيا الوسطى الأخرى التي تريد تحقيق التوازن في علاقاتها مع موسكو وبكين في أعقاب تخلي الولايات المتحدة عن المنطقة مع انسحاب قواتها من أفغانستان، للتعاون مع أنقرة باعتبارها وسيلة تحوّط محتملة.

ورأى المحلل السياسي والخبير جيمس دورسي أنه “كان لروسيا وتركيا مصلحة مشتركة في إخماد التمرد الشعبي في كازاخستان. ولذلك ربما يخدم التنحي جانبا مع تدخل روسيا مصالح تركيا على أفضل وجه”.

وتابع أنه “على الرغم من العلاقات العسكرية الوثيقة مع كازاخستان، قد يؤثر التدخل التركي سلبا على الإدارة الحساسة للعلاقة التركية – الروسية، لكن العلاقة محفوفة بالنزاعات وغالبا ما يكون فيها البلدان على طرفي نقيض”.

وفي حين أن الدعم التركي لتوكاييف ربما لم يكن مُرحبا به بين المحتجين الكازاخستانيين، فمن غير المرجح أن يكون قد أثر كثيرا في القوة الناعمة التركية في آسيا الوسطى المبنية على التقارب اللغوي والعرقي، وشعبية الموسيقى التركية والإنتاج السينمائي والاستثمار في مراكز التسوق الجذابة.

وتستفيد تركيا أيضا من كونها لاعبا نجح في تحدي روسيا في النزاعات الإقليمية مثل القوقاز، حيث دعمت أذربيجان في حربها مع أرمينيا عام 2020، وبعيدا في ليبيا وسوريا.

وفي تنافس على الهيمنة على البحر الأسود، دعمت تركيا أيضا أوكرانيا وأقامت علاقات دفاعية وثيقة مع الدولة المحاصرة وموطن شتات تتار القرم الكبير، ودعمت أنقرة المجتمع التركي في شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمتها روسيا في 2014.

وأخيرا حمّلت تركيا أحيانا، وإن كان ذلك بشكل متقطع، الصين مسؤولية حملتها على التعبير العرقي والديني عن الهوية الإسلامية التركية في شينجيانغ. وترى الصين في إبراز هوية الأويغور العرقية والثقافية والدينية تهديدا مميتا.

ويبدو أن الإصرار التركي شجع دول آسيا الوسطى الأعضاء في منظمة الدول التركية، وهو المعادل التركي الرسمي لمفهوم بوتين عن العالم الروسي الذي ترسم حدوده جغرافية المتحدثين بالروسية وأتباع الثقافة الروسية بدلا من القانون الدولي.

تركيا تستفيد من كونها لاعبا نجح في تحدي روسيا في النزاعات الإقليمية مثل القوقاز، حيث دعمت أذربيجان في حربها مع أرمينيا عام 2020

وانضم أعضاء المنظمة من آسيا الوسطى، وهي من بنات أفكار رئيس كازاخستان السابق نور سلطان نزارباييف، إلى تركيا في قمتها الأخيرة في نوفمبر في إسطنبول لإرسال إشارات دقيقة وأقل دقة إلى كل من روسيا والصين وكذلك إيران، البلدان التي بها أقليات ناطقة بالتركية.

وتأمل المجموعة من خلال اتخاذ قرار بقصر الارتباط بالمنظمة على البلدان الناطقة بالتركية في إبقاء روسيا والصين وإيران في مأزق على الرغم من أنها موطن لأقليات ناطقة بالتركية.

وبالمثل شاركت دول آسيا الوسطى في القمة على الرغم من افتتاحها في الثاني عشر من نوفمبر، وهو موعد سياسي حساس بالنسبة إلى الصين. وأعلن الأويغور في شينجيانغ مرتين استقلالهم قصير العمر في الثاني عشر من نوفمبر، أولا في 1944 ومرة ​​أخرى تعود إلى العام 1993.

وقبل ثلاثة أسابيع من القمة انضمت تركيا إلى 42 دولة أخرى معظمها غربية في بيان للأمم المتحدة أدان القمع الصيني في شينجيانغ. ومما زاد من المخاطر رفعُ 19 من الأويغور المقيمين في المنفى شكوى جنائية إلى المدعي العام التركي ضد مسؤولين صينيين، متهمينهم بارتكاب إبادة جماعية وتعذيب واغتصاب وجرائم ضد الإنسانية.

وتبقى تركيا موطنا لحوالي 50 ألفا من الأويغور، وهو أكبر مجتمع خارج الصين. ولطالما كانت تركيا داعمة لتطلعات الأيغور الدينية والثقافية، وكانت حريصة على عدم السماح لمحنة الجماعات بقطع علاقاتها مع بكين.

لكنها لم تحذُ حذو وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والكويت وعُمان والبحرين، وكذلك الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي المؤلف من ست دول، حيث نظّم زيارة إلى الصين ورد أنه أعرب فيها عن دعمه لسياسة بكين في شينجيانغ.

وردا على تأكيدات نائب سفير الصين لدى الأمم المتحدة غينغ شوانغ في أكتوبر بأن تركيا قد غزت بشكل غير قانوني شمال شرق سوريا وحرمت الأكراد من المياه، قال السياسي والدبلوماسي التركي فريدون سنيرلي أوغلو إن “بلاده لن تتلقى توبيخات من أولئك الذين ينتهكون القانون الدولي لحقوق الإنسان”.

وقال دورسي إنها “كانت حربا كلامية حيث كانت مختلف الأطراف تتهم بعضها بعيوب تعاني منها هي نفسها. وليست حقوق الإنسان التي انتهكها جميع اللاعبين في المنطقة على المحك. لكن ما هو على المحك هو نظام دولي قائم على الدول القومية المحددة قانونا، حيث يسعى قادة الحضارات مثل بوتين وأردوغان لإعادة التوافق مع قانون الغاب الذي يسمح لهم بتغيير حدود الدولة كما يحلو لهم في المناورات الجيوسياسية”.

صحيفة العرب